لماذا تسبب توقف صادرات النفط الليبية في ارتفاع الأسعار.. وانعكاسات ذلك على الأسواق

TT

الكثير من منشآت التكرير الأوروبية والآسيوية تفتقر إلى التجهيزات اللازمة لتكرير الخام «الثقيل» الذي يتسم بنسبة أعلى من الكبريت. من جهتها، تتمتع السعودية بقدرة إضافية تتمثل في أكثر من أربعة ملايين برميل نفط ووعدت باستغلالها إذا استدعت الضرورة ذلك. وبإمكان النفط السعودي التدفق عبر خط الأنابيب الرابط بين شرق المملكة وغربها، مما يقلص الوقت اللازم لوصوله إلى منشآت التكرير الأوروبية، حسبما أفاد المسؤول. ويمتد الخط من الإقليم الشرقي بالمملكة إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر وبمقدوره نقل ما يصل إلى 5 ملايين برميل يوميا لتصديرها للأسواق الأوروبية، طبقا لما ذكرته «إدارة معلومات الطاقة» الأميركية. ولكن الخلافات حول النوعيات التي يحتاجها السوق.

حسب صحيفة «نيويورك تايمز»، في حال استمرار الفوضى التي تضرب ليبيا حاليا لأكثر من بضعة أسابيع، يتوقع خبراء بصناعة النفط أن تجد منشآت التكرير الأوروبية نفسها مضطرة إلى شراء نفط خفيف من نوعية «لا يت سويت كرود» من الجزائر ونيجيريا، وهما مصدران أساسيان للنفط «الممتاز» بالنسبة للولايات المتحدة. وقد يتسبب ذلك في ارتفاع أسعار الغازولين الأميركية، التي ارتفعت بالفعل 6 سنتات للغالون خلال الأسبوع الماضي، لتصل إلى 3.19 دولار في المتوسط للنمط العادي من حيث الجودة. في هذا الصدد، قال لورانس جيه. غولدستين، مدير لدى «مؤسسة أبحاث سياسات الطاقة»، وهي منظمة تتلقى جزءا من تمويلها من صناعة النفط: «سيجبر ذلك منشآت التكرير المعنية بالنفط الممتاز على التورط في حرب مزايدة. أهمية الجودة تفوق أهمية الكمية».

ويذكر أن النفط الخام الممتاز ملائم بصورة خاصة لإنتاج وقود الديزل الذي يشيع استخدامه كوقود لنقل بدرجة أكبر بكثير في أوروبا عنه في الولايات المتحدة. أما الأنماط غير الخفيفة من خامات النفط، فيستلزم تكريرها تكاليف أكبر، لكن منشآت التكرير الأميركية تتميز في معظمها بالمعدات اللازمة لتكرير هذه الأنماط نظرا لأن كميات كبيرة للغاية من النفط الذي تستورد يأتي من أميركا اللاتينية، حيث تنتمي احتياطات النفط لأنماط الخامات الثقيلة.

وكانت المرة الأخيرة التي وقعت فيها أزمة نقص في إمدادات النفط الخام الممتاز عام 2007 ومطلع عام 2008، عندما تجاوزت أسعار النفط 140 دولارا للبرميل، وإن كانت الأزمة قد نتجت في معظمها عن ارتفاع مستمر في الطلب، وليس عن انخفاض مفاجئ في المعروض.

ويذكر أن بعض المشتقات المكررة بدأت ترتفع في أميركا، حيث شهد سعر وقود الطائرات النفاثة المعروف باسم وقود ساحل الخليج للطائرات، ارتفاعا كبيرا بلغ 10.7 سنت، ليصل إلى 2.99 دولار للغالون، الأربعاء، مما خلق ضغوطا على عاتق شركات الطيران قد تجبرها على زيادة أسعار التذاكر. في تلك الأثناء، ارتفعت أسعار الديزل بمقدار 4 سنتات الأسبوع الماضي، لتصل إلى 3.57 دولار للغالون، وهو أعلى مستوى منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2008.

وأعرب مايكل لنتش، رئيس «ستراتيجيك إنرجي أند إكونوميك ريسرتش»، وهي شركة استشارية، في تصريحات لصحيفة «نيويورك تايمز» عن اعتقاده بأن خام برنت في طريقه إلى 120 دولارا للبرميل، بينما قد يصل «ويست تكساس إنترميديت» إلى 110 دولارات «في المستقبل القريب». ويمكن لهذا الوضع بسهولة دفع متوسط السعر للغالون للغازولين العادي إلى 3.50 دولار في أميركا، الأمر الذي يرى خبراء اقتصاديون أنه سيؤثر على النفقات الترفيهية للمستهلكين، مثل تلك المخصصة للنزهات. بصورة عامة، ويستقطع كل سنت زيادة في أسعار الغازولين بمحطات الوقود أكثر من مليار دولار من جيوب المستهلكين على مدار عام. وأشار بيرنارد بوموهل، الخبير الاقتصادي الأول لدى «إكونوميك أوتلوك غروب»، في بحث وضعه إلى أن حالة الفوضى الراهنة «قد تتسبب في إبطاء وتيرة التعافي الاقتصادي هذا العام، مع سيطرة القلق على المستهلكين والشركات وإعادتهم النظر في خططهم الإنفاقية». ومع ذلك، تبقى الولايات المتحدة أقل عرضة لخطر مباشر عن غالبية الدول الأوروبية والآسيوية نظرا لما تملكه من منشآت تكرير ضخمة قادرة على معالجة كلا نوعي النفط الخفيف والثقيل. ونظرا لقدرتها التكريرية المتنوعة، أصبحت الولايات المتحدة مصدرة لكل من الديزل ووقود الطائرات النفاثة. وفي حال نقص إمدادات النفط الممتاز، يمكن لواشنطن إطلاق معروض من احتياطات النفط الاستراتيجية الخاصة بها، لكن هذا ربما لا يخلف سوى تأثير هامشي.

أما أوروبا فهي الأسرع تأثرا جراء الأزمة الليبية. تشير الأرقام إلى أن أكثر من 85% من الصادرات الليبية تتجه لأوروبا، أكثر من ثلثها من نصيب إيطاليا وحدها. أما الجزء الأكبر من باقي الإنتاج فيتجه لدول آسيوية، و5% تقريبا تتجه للولايات المتحدة. وقد أوقفت شركات «إي إن آي» الإيطالية و«ريسبول» الإسبانية و«توتال» الفرنسية و«ستاتويل» النرويجية و«باسف» الألمانية، جزء كبير، إن لم يكن معظم، إنتاجها النفطي داخل ليبيا ونقلت موظفيها إلى خارج البلاد.