الثورة العربية قد تطلق العنان لموجة استثمار أجنبي وافدة

حكومات المنطقة تحوز حصصا قيمتها 320 مليار دولار في شركات عامة

TT

يجتاح مد التغيير السياسي العالم العربي، ومع أنه يثير القلق والخوف، فإنه قد يؤدي في نهاية المطاف إلى اجتذاب موجة جديدة من الاستثمارات الأجنبية إلى المنطقة.

فمع تراجع الاحتكارات والمصالح الراسخة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد تتجه الحكومات في المنطقة إلى المزيد من فتح أسواقها وبيع بعض حيازات الدولة، بحسب تحليل لـ«رويترز».

ودول الخليج الغنية، مثل الكويت وقطر، ليس لديها أسباب تذكر للبيع، لكن دول ما بعد الثورة في المنطقة، مثل تونس، ستتجه على الأرجح إلى تقليص حواجز الحماية، مع سعيها إلى التعجيل بإعادة توزيع الدخول لمصلحة مواطنيها المتذمرين.

غير أن انتصار الديمقراطية الموجهة إلى تبني مبادئ السوق الحرة لم يتأكد بعد.

فبعد عقود من الحكم الاستبدادي، فإن الأحزاب السياسية بدأت للتو الإصلاح في مصر وتونس، بينما تنبئ الأحداث في ليبيا بأن الثورة فيها دامية وطويلة الأمد. غير أن فتح الأسواق بشكل أكبر في منطقة غنية بالنفط، يتميز سكانها بصغر أعمارهم، هو فرصة جذابة للمستثمرين.

وقال جوليان مايو، مدير الاستثمار في شارلمان كابيتال: «من السابق لأوانه معرفة ما ستتمخض عنه هذه الثورات، لكن هذه الأزمة ستكشف عن بعض الفرص، مع التخلص من الهياكل المرتبطة بالنظم القديمة»، ومن المستبعد أن تحدث خصخصة واسعة النطاق، ولا سيما في قطاع النفط والغاز، الذي يعتبر منطقة حرام. وبدلا من ذلك فإن قطاعات مثل الخدمات المالية والاتصالات والسياحة قد يتم تحريرها.

وقال لوكا دي كونتي، مدير أسواق رأس المال في «جي إم بي أوروبا»: «الاستثمار الأجنبي كان قويا في المنطقة، لكن الشيء المفقود هو الاقتناع بأن التغير يحدث بخطى سريعة بدرجة كافية. ومستويات السيولة في السوق منخفضة، حيث إن الأسهم لا يكاد يتخلى عنها أصحابها»، وبيع الحصص المملوكة للدولة في شركات التداول العام هو وسيلة واضحة لتعزيز الاستثمارات الأجنبية.

وتظهر بيانات «تومسون رويترز» عن الملكية أن حكومات المنطقة تحوز حصصا قيمتها 320 مليار دولار في شركات عامة، سواء بطريق مباشر، أو من خلال الحكام أو صناديق الاستثمار السيادية.

وتستبعد هذه الأرقام تونس، التي يكون فيها كثير من الشركات مملوكا ملكية خاصة لعائلة الرئيس السابق، زين العابدين بن علي. وقد قالت حكومة تونس المؤقتة إن هذه الحيازات التي تشتمل على شركات في قطاعات رئيسية، مثل التعدين والسياحة سيتم استعادتها.

وقال السمسار عصام عياري، ومقره تونس، إن الكثير من هذه الحيازات من المحتمل التخلص منها من خلال عمليات بيع مباشر، أو عن طريق الإدراج في بورصة الأسهم.

وأضاف: «الحكومة ليست مصرة على التأميم، والشفافية ستكون مهمة، وكذلك اكتساب الخبرة الفنية.

ولمعالجة البطالة ستسعى الحكومة المقبلة أيضا إلى مضاعفة الجهود لاجتذاب الاستثمار الأجنبي، الذي أسهم بنسبة ضئيلة ستة في المائة فحسب، من إجمالي الناتج المحلي لتونس في عام 2008، قبل وقوع الأزمة المالية. وتباين وقع هذه التطورات لدى المستثمرين الأجانب.

وكان من العمليات الناجحة البارزة صفقة شركة «بوتاس كورب»، ومقرها تورونتو، في عام 2003 لشراء حصة 28 في المائة في شركة «البوتاس العربية»، التي لا تزال مملوكة في أغلبها للحكومة الأردنية.

وعلى طرف نقيض من ذلك، تأتي الجزائر، التي ما زال الاقتصاد فيها تهيمن عليه الدولة. ويجري تأميم وحدة محلية لخدمات الهاتف الجوال بعد نزاع ضريبي بين مالكها المصري؛ شركة «أوراسكوم تيليكوم» والحكومة الجزائرية.

وكانت مصر من الاقتصاديات الأكثر انفتاحا في شمال أفريقيا، ولكن حتى هناك لم يتضح بعد هل سيتخلى الجيش طواعية عن سيطرته على شريحة من الشركات؛ تتراوح من إنتاج زيت الزيتون إلى تصنيع المركبات؟ ويمسك الجيش حاليا بمقاليد الحكم بعد إسقاط الرئيس حسني مبارك.

وقال بريان بلاموندون، كبير اقتصاديي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «إي إتش إس غلوبال إنسايت»: «احتمالات خصخصة هذه الشركات ضعيفة جدا، لأنها تجلب أموالا طائلة للجيش»، وفي نظر الزعماء المقبلين، فإن الحفاظ على الانسجام الاجتماعي، مع اجتذاب الاستثمار الأجنبي، سيكون عملية موازنة دقيقة.

وكانت شركة الاتصالات التونسية المملوكة للدولة، ألغت، الشهر الماضي، خططا لإدراج مشترك لأسهمها في بورصتي باريس وتونس، وسط تهديد باحتجاجات عمالية من جانب عمال الشركة.

وقال أوكان أكين، المحلل في «آر بي إس»: الشركات المملوكة للدولة مصدر مهم للوظائف. والخصخصة والإصلاحات الاقتصادية الأخرى غالبا ما تتضمن تسريح عمال، ومن المفارقات أن ليبيا، التي تشهد أشد الثورات عنفا في المنطقة حتى الآن، تعتبر أفضل المناطق الواعدة.

وحتى وقت قريب قبل الاضطرابات الأخيرة، كانت ليبيا في المركز الثاني عشر بين أكبر مصدري النفط في العالم. ويقول محللون إن اقتصادها يمكنه أن يحقق انطلاقة إذا عاد الاستقرار دون إلحاق أضرار بمرافق البنية التحتية لصناعة النفط والغاز، التي يأتي منها معظم عائدات البلاد.

وقال ديفيد دامبيات، الذي يرأس فريق الاستثمار في أفريقيا، في مؤسسة «رينيسانس لإدارة الأصول»: «الاقتصاد ليس متقدما مثل باقي شمال أفريقيا. ولذلك فإنه من وجهة نظر الاستثمار، قد يكون أكثر الاقتصاديات جاذبية، بسبب ضعف الآثار على البنية التحتية»، واجتذبت ليبيا اهتماما قويا من المستثمرين حينما رفعت عقوبات غربية دامت عقودا في عام 2004.

وحصلت شركة «بي إن بي باريبا» الفرنسية على حصة أقلية في بنك محلي، حينما تم تخفيف القواعد المصرفية، وما زال المستثمرون يرون فرصا جيدة في قطاع الخدمات المصرفية والتأمين.

وقال بيورن انجلوند، الذي يدير صندوق استثمار يتركز على العراق: «حينما يكون الاقتصاد في حالة انتقال من الاستبداد الاشتراكي إلى سوق حرة كاملة الخصائص، فإن أسهل الفرص المتاحة في هذا التحول سيكون البنوك».