للمحاسبين دور في كشف الجرائم

سعود الأحمد

TT

في تصريح لرئيس هيئة المحاسبة والمراجعة الخليجية الدكتور محمد آل عباس لجريدة «الجزيرة» يوم الجمعة الماضية قال: «إن عملية غسل الأموال في المنطقة زادت بشكل أكبر، في ظل سهولة انتقال الأموال بين الدول والتسهيلات الكبيرة المقدمة لاستقطاب الاستثمارات من الخارج»، وأضاف أنه «في ظل التطورات الاقتصادية التي تميزت بها دول المجلس، أصبحت المنطقة هدفا لعصابات الجرائم المنظمة، نظرا للبيئة الاقتصادية المتنوعة والجيدة التي تمنح فرصة لإخفاء هذه النشاطات تحت غطاء الاستثمارات، وبالتالي يمكن نقل الأموال بين الدول دون لفت الأنظار إلى مصادر هذه الأموال أو الوجهة الحقيقية لتشغيلها...»، وهذا التصريح يحذر من أمر خطير، وفي ذات الوقت يقود إلى فكرة غاية في الأهمية.

تتلخص في أهمية تعاون مكاتب المحاسبين القانونيين مع رجال الأمن للكشف عن الجرائم.. ليس فقط في مجال الكشف عن جرائم غسل الأموال. ولكن ليشمل ذلك جرائم تهريب الأموال نظير العمليات المشبوهة، وتهريب وترويج المخدرات، والمتاجرة في الرذيلة، واستيراد وتصدير أعضاء البشر، وتزييف العملات بالداخل واستيراد المزيف منها، وتهريب الأموال للخارج، وعمليات التهرب الضريبي والزكوي، والرشوة، وبقية أعمال الغش والتدليس بأنواعها. فالحقيقة أنه ما من جريمة إلا وتتطلب دفع وتحويل أموال للداخل أو للخارج. والواقع أن الحس الرقابي لمراجع الحسابات يمكنه (وبسهولة) من تمييز وكشف مثل هذه العمليات. لأنها تكون (في الغالب) لأشخاص غير تجاريين، ويمكن تمييز هذه العمليات من قيودها المحاسبية، بأنها ليست نظير بضائع أو خدمات معتادة تدخل ضمن النشاط المتكرر للمنشأة، أو تكون بمبالغ يستطيع مراجع الحسابات ملاحظة قيمها بأنها غير عادية. فمراجع الحسابات يعلم أن لكل قيد مقابلا له، إما في صورة بضائع تدخل المستودعات، أو خدمات تسهم في خدمة نشاط المنشأة. في حين يلاحظ على دفعات الأموال نظير العمليات المشبوهة أنها تخرج في هيئتها عن النشاط الاعتيادي. ولذلك، فمراجع الحسابات وبحكم عمله مخول أن يطلع على تفاصيل العمليات والمستندات المؤيدة للقيد المحاسبي أو ما يسمى بالإثبات المحاسبي. لذلك، فإنه يستطيع تقديم خدمات ذات قيمة للجهات الأمنية. ولو أدركت الجهات الأمنية المختصة الخدمات التي يمكن أن يقدمها مراجع الحسابات في مجال الكشف عن الجريمة، لأصبح له دور حيوي لا يستهان به. والسؤال هنا: هل يجيز النظام للمراجع القانوني أن يتعاون مع رجال الأمن في سبيل الكشف عن خيوط الجرائم؟ أعتقد أن المسألة بحاجة إلى تكييف. لكنني أعتقد أنه توجد مداخل نظامية تخول الجهات الأمنية (ولو بضوابط محددة) للتعامل مع هذه القضية، بما يكفل حقوق أصحاب المنشآت في الحفاظ على سرية معلوماتهم.. وعدم المساس بها إلا في حدود ضيقة جدا، وبما يحقق المصلحة العامة، خصوصا عندما يصل الأمر إلى الجرائم التي تهدد مصلحة الوطن والمواطن. ولا بأس أن يكون لذلك مقابل مجز لمصلحة مكاتب المحاسبة، لأن هذه المكاتب ليس لديها بضائع تبيعها إلا وقتها. فإذا أخذ منها جزء من وقتها بلا مقابل، فهو بالضبط كمن يأخذ من شركات عقارية قطع أراض مجانا.

وأخيرا.. إنني أدعو إلى تحرك الجهات الأمنية المختصة للتعاون مع مراجعي الحسابات. على أن يكون لذلك تكييف قانوني من خلال الهيئات المحاسبية، بحيث يوضع لهذا الأمر آلية نظام تكفل حدود مسؤولية كل طرف وحقوقه وواجباته.

* كاتب ومحلل مالي