انقطاع الكهرباء والماء يهدد الاقتصاد الياباني

وسط توقف العديد من الصناعات

TT

في الوقت الذي تفاقمت فيه حدة الأزمة الإنسانية والنووية في اليابان في أعقاب زلزال وموجة تسونامي، بدت آثار الأزمة واضحة على الاقتصاد الياباني. فرغم نجاة المنشآت الصناعية في جنوب وغرب البلاد من الأضرار الجسيمة، فإن الأزمة التي نتجت عن تدمير المنشأة النووية في شمال طوكيو تهدد بخفض إمدادات الطاقة وهو ما يهدد بتراجع جميع قطاعات الاقتصاد الياباني.

وللمساعدة في عودة الكهرباء إلى المناطق المدمرة تقوم المصانع اليابانية بتخفيض استهلاكها من الكهرباء وتقاسمها مع المصانع الأخرى وفرض فترة انقطاع للكهرباء وهو ما قد يؤثر على المصانع والمتاجر والمنازل في جميع أنحاء اليابان. ويرى البعض أن جهود الطوارئ هذه قد تمتد حتى أسبوعين، لكن التوقعات تشير إلى أنها قد تستغرق فترة أطول.

ويقول إدوارد يارديني، الاقتصادي وخبير استراتيجيات الاستثمار: «القضية الكبرى هي ما إذا كان ذلك سيؤثر بشكل جاد على قدرة اليابان على إنتاج البضائع لفترة من الوقت أم لا». وقد أدت هذه النظرة التشاؤمية للوضع الراهن الذي تشهده البلاد إلى انخفاض مؤشر نيكاي 225 للأسهم في طوكيو بنسبة 6.2 في المائة يوم أمس، نتيجة لتراجع عمليات شركات «سوني» و«فوجستو» و«تويوتا».

من جانبه وفي محاولة للحيلولة دون وقوع مزيد من التراجعات في الاقتصاد عمد مصرف اليابان المركزي إلى تيسير السياسة النقدية يوم أمس عبر توسيع برنامج شراء الأصول. وقال المصرف المركزي الياباني في بيانه: «الدمار الذي خلفه الزلزال، انتشر على نطاق واسع جغرافيا، وهو ما قد يؤدي في الوقت الراهن إلى تراجع الإنتاج، وهناك أيضا مخاوف من انخفاض معنويات الشركات والأسر». نتيجة لذلك قام المصرف المركزي الياباني بضخ الأموال في النظام المالي في محاولة لاستقرار الأسواق وتعزيز الاقتصاد.

وكانت منشآت التجميع الخاصة بكبرى شركات السيارات اليابانية - «تويوتا» و«هوندا» و«نيسان» - قد أغلقت يوم أول من أمس وخططت لتظل مغلقة يوم أمس. وقالت «تويوتا» إن مصانعها ستظل مغلقة حتى يوم غد على الأقل. وأشارت هذه الشركات إلى أن بعض مصانعها شهدت أضرارا محدودة، لكن الأضرار التي أصابت موزعي السيارات ونظام النقل في الدولة والبنية التحتية يتوقع أن يؤثر على قدرتها في صنع ونقل منتجاتها.

ويرى محللون وخبراء اقتصاديون أن آفاق الاقتصاد الياباني، التي أصبحت مشكلة مؤرقة بالفعل، باتت غير واضحة المعالم في الوقت الراهن، نتيجة لأن عددا من أبعاد الكارثة لا يزال مجهولا خاصة الأضرار التي أصابت المنشآت النووية.

ويقول مارك زاندي كبير الاقتصاديين في مؤسسة «موديز أناليتكس»: «الاقتصاد الياباني مهدد بالمرور بحالة كساد أخرى».

كان النشاط الاقتصاد الياباني قد تراجع في الربع الرابع من عام 2010 وهو ما سمح للصين باحتلال المركز الثاني كأكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة. ومن المتوقع أن يتقلص الاقتصاد الياباني خلال النصف الأول من العام الحالي، بحسب ما ذكره زاندي على الرغم من توقعاته بأن تتمكن جهود إعادة البناء في أعقاب الزلزال من إعادة البلاد إلى مسارها السابق في النصف الثاني من العام.

وربما تدفع تكاليف إعادة بناء المنشآت المدمرة، التي قد تتجاوز عشرات المليارات من الدولارات، اليابان إلى اتخاذ قرارات صارمة بشأن الإنفاق الحكومي، بحسب بعض الاقتصاديين. وتبلغ نسبتها من الدين الحكومة بالنسبة إلى مخرجات الاقتصاد السنوية نحو 200 في المائة وهي النسبة الأعلى بين الدول الصناعة وأكبر بكثير منها في الولايات المتحدة، على سبيل المثال. ومن ثم فإن إعادة البناء، بحسب رأي الاقتصاديين، ستتسبب في خفض الإنفاق الحكومي في الإنفاق الحكومي في مناطق أخرى عند الضرورة.

في غضون ذلك يتوقع أن يرتفع الين في مقابل الدولار، حيث تشير التوقعات إلى أن المستثمرين اليابانيين سيتجهون إلى سحب ودائعهم من البنوك الخارجية لإنقاذ مدخراتهم وتقديم الأموال لحملة إعادة البناء. وستؤدي هذه التدفقات المالية العائدة إلى اليابان بدورها إلى زيادة الطلب على الين ليرفع من قيمته، ليتكرر سيناريو زلزال كوبي في عام 1995 عندما ارتفع الين بنسبة 20 في المائة مقابل الدولار خلال أشهر قلائل. ويتوقع بايرون وين، نائب رئيس شركة «بلاكستون أدفيزوري بارتنرز»، أن يؤثر سحب الودائع اليابانية في الخارج على الطلب على أسهم الخزانة الأميركية، مما من شأنه أن يلقي بمزيد من الضغوط على معدلات الفائدة الأميركية. ويعتبر اليابانيون من بين أكبر المشترين للسندات الأميركية لكن وين يقول إنهم «سيستغلون هذه الأموال في إعادة بناء ما دمره الزلزال، ومن ثم ستتراجع نسبة إقبالهم على سندات الدين».

وإذا كانت قيود الطاقة والدمار الذي لحق بالبنية التحتية ستعيق الإنتاج بصورة واضحة فمن المتوقع أن يضر ذلك بالشركات اليابانية، ويؤثر على المستهلكين في الخارج. وقد حول مصنعو السيارات اليابانيين الكثير من عمليات التصنيع الخاصة إلى الخارج خلال السنوات الأخيرة، لكن بعض النماذج الشهيرة لا تزال تصنع في اليابان من أجل التصدير، ومن بينها السيارات الأكثر كفاءة في استهلاك الوقود مثل «تويوتا بيريوس» و«هوندا فيت». لكن تعطل عمليات التصدير يمكن أن يضر بعملية المبيعات في الوقت الذي يزيد فيه ارتفاع أسعار البنزين من الطلب على هذه السيارات في الولايات المتحدة.

اليابان أيضا مزود عالمي أساسي للسلع الكهربائية وقطع الغيار المستخدمة في عدد من السلع الاستهلاكية والصناعية. كما تنتج اليابان ما يقرب من 40 في المائة من الرقائق الخفيفة الوزن لتخزين البيانات في الهواتف الذكية والحاسبات المحمولة، كما أنها مصنع رائد لشاشات الكريستال السائل المستخدمة في المنتجات الإلكترونية الاستهلاكية.

وتنتج غالبية البضائع ذات التقنية العالية عبر شبكات الإنتاج والتصنيع المنسقة بعناية بالغة التي تقوم بتجميع الأجزاء من مختلف أنحاء العالم، وعادة ما يتم شحنها بصورة يومية. حتى القصور المؤقت يمكن أن يتسبب في ارتفاع كبير في الأسعار لكن ذلك سيكون لفترة مؤقتة. وتشير التوقعات أيضا إلى إمكانية تأثر السوق الآنية لأنواع معينة من رقائق أشباه الموصلات في الفترة القليلة المقبلة، ويقول جيم هاندي، المحلل في شركة «إوبجكتيف أناليسيز»، الشركة المتخصصة في أبحاث أشباه الموصلات: «سيكون هناك كثير من القلق، وربما يتسبب ذلك في بعض القصور في السوق الآنية».

فالشركات التي تصنع هذه الرقائق والتي قامت بجزء من العمل خلال عملية التصنيع ستضطر إلى العودة خطوة إلى الوراء وإعادة صنع هذه الرقائق عندما تعود الكهرباء. وقد يؤدي مثل هذه العملية إلى إضافة يوم أو يومين إلى الوقت المطلوب للانتهاء من هذه الرقائق. ويقول هاندي: «سيكون هناك خسائر إنتاجية».

ويرى كلاوس رينين، نائب المدير الإداري في شركة «غارتنر»، المتخصصة في أبحاث التكنولوجيا، إن زميلا له يقطن بالقرب من طوكيو أخبره أن التيار الكهربائي ينقطع مرتين يوميا. غير أن انقطاع التيار الكهربائي عن شركات صناعة الرقائق الإلكترونية مرتين يوميا سيكون من المستحيل العمل معه لأن التقلبات في الطاقة تتسبب في حدوث عيوب وخسائر عالية. أضف إلى ذلك أن الماء مكون هام في صناعة الرقائق، وقال هاندي إن أي انخفاض في إمدادات المياه أو زيادة الماء الملوث بالإشعاعات سيضر عملية الإنتاج. وأخيرا فإن المستهلكين الهامين الكبار قد يتمكنون من الحصول على طلبات الشراء الخاصة بهم، لكنهم قد يحصلون على كميات أقل مما هو منصوص عليه في عقودهم.

على سبيل المثال شهدت المصانع الستة التي تمتلكها شركة «سوني» في المنطقة جراء الزلزال دمارا كبيرا وتقول الشركة إنها لا تملك رؤية واضحة عن موعد إعادة افتتاح هذه المصانع، فكل مصانعها أوقفت عملياتها.

* خدمة «نيويورك تايمز»