البنوك المركزية تبرد حرارة الين بعد ارتفاع تاريخي

خبراء: «بنك اليابان» يحتاج إلى ضخ 500 مليار دولار لاستعادة توازن العملة اليابانية

TT

عاد الين إلى الانخفاض مقابل الدولار بعد الارتفاع التاريخي الذي حققه خلال الأسبوع، حيث بلغ أعلى مستوياته منذ الحرب العالمية الثانية مقتربا من حاجز 76 ينا مقابل الدولار. واستفاد في هذا الصعود من تدخل مجموعة السبع المنسق يوم الجمعة، حيث دشن «بنك اليابان» (البنك المركزي) مباشرة القرار بضخ 25 مليار دولار في أسواق الصرف وأعلنت المصارف الأخرى أنها ستتدخل في السوق ببيع الين. وقد لاحظ مراقبون تدخل بعضها في سوق الصرف أمس من بينها «بنك إنجلترا» والبنك المركزي الفرنسي والبنك المركزي الأوروبي. وقالت وزارة المالية البريطانية أمس إن «بنك إنجلترا» تدخل في سوق الصرف للحد من ارتفاع الين. وقالت الوزارة في بيان إن الخزانة أمكنها هذا الصباح تأكيد أنه بناء على توجيهاتها تدخل «بنك إنجلترا» في سوق الصرف لتفعيل اتفاق وزراء مالية مجموعة السبع. وفي زيوريخ تراجع الفرنك السويسري بشدة أمام الين بعد تدخل البنك المركزي السويسري لإضعاف العملة اليابانية. وجرى تداول الفرنك منخفضا 2.7 في المائة أمام الين بحلول الساعة 08:40 بتوقيت غرينتش بينما نزلت العملة السويسرية 0.9 في المائة أمام اليورو مقارنة مع إغلاق نيويورك ليجري تداولها عند 1.2724 لليورو. كما انخفض الفرنك 0.6 في المائة أمام الدولار. وقال يو نا بارك المحلل في «كوميرتس بنك»: «من الصعب جدا حاليا تقييم التأثير على سوق الصرف لكن أعتقد أن هذه الأحداث الخارجية ستكون المحرك الأساسي للفرنك السويسري خلال الأسبوعين المقبلين».

وقد أعلنت مجموعة السبع في بيان إثر محادثات في طوكيو أنها «تعبر عن تضامنها مع الشعب الياباني في هذه الأوقات الصعبة واستعدادها لتقديم أي تعاون يحتاج إليه وعن ثقتها في متانة الاقتصاد والقطاع المالي الياباني». وأضاف البيان «كما قلنا في الماضي فإن التقلبات المفرطة والحركات غير المضبوطة في أسعار الصرف تؤثر على الاستقرار الاقتصادي والمالي وسنراقب أسواق الصرف عن كثب ونقدم التعاون المناسب». وإثر هذا الإعلان انخفض سعر الدولار، ليبلغ 81.81 ين في طوكيو بعد أن تراجع بشكل قياسي يوم الخميس إلى 76.52 ين. ويلحق ارتفاع سعر الين ضررا كبيرا بالشركات اليابانية التي تعمل في الخارج وتواجه أصلا تباطؤ النشاط الاقتصادي، إثر الكارثة الطبيعية التي وقعت في 11 مارس (آذار). وأعلن المصرف المركزي الياباني أنه ضخ الجمعة 3 تريليونات ين (25 مليار دولار) في أسواق النقد لدعم الاقتصاد بعد الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد وأعقبه التسونامي الهائل، ليرفع بذلك حجم الأموال التي ضخها في السوق إلى 37 تريليون ين منذ بداية تدخله في السوق مطلع الأسبوع. وكان المصرف ضخ صباح الخميس دفعة أولى من 5 تريليونات ين أتبعها بأخرى ظهرا قدرها تريليون واحد. ولجأ المصرف إلى العديد من عمليات الضخ الهائلة للسيولة منذ الاثنين، اليوم الذي ضخ فيه 15 تريليون ين في أكبر عملية تدخل تسجل في يوم واحد. ويسعى المصرف من خلال تدخله هذا إلى مساعدة المصارف على الحصول على السيولة اللازمة بعد الضرر الفادح الذي لحق بالدورة النقدية والاقتصاد عامة من جراء الزلزال المدمر الذي ضرب شمال شرقي البلاد والتسونامي الهائل الذي أعقبه وما نتج عنهما من تضرر محطة نووية، الأمر الذي يهدد بكارثة نووية في البلاد ويزيد من هلع المستثمرين. ورغم انخفاض سعر صرف الين شكك خبراء نقد أمس في نجاعة التدخل المنسق في كبح جماح الين على المدى الطويل. وقال بلال حفيظ رئيس وحدة الصرف بمصرف «دويتشة بنك» في تصريحات نقلتها وكالة «بلومبيرغ»: «اليابان بحاجة إلى التدخل في أسواق الصرف بمبالغ قيمتها 500 مليار دولار لإعادة الين إلى مستوياته الطبيعية». وأضاف أن مثل «مصرف اليابان» قد يتردد لتنفيذ مثل هذا التدخل في هذه الظروف التي يحتاج فيها إلى السيولة لتغطية التزامات الفجوات التمويلية في الميزانية وتغطية نفقات إعادة البناء. ويقدر مصرفيون في لندن أن تكلفة إعادة البناء قد تضيف إلى المديونية اليابانية نسبة تتراوح بين 5 إلى 10 في المائة من الناتج المحلي. وتبلغ مديونية اليابان كنسبة من الناتج المحلي 200 في المائة قبل كارثة الزلزال والتسونامي. ورغم أن كلا من وكالتي التصنيف الائتماني «موديز» و«ستاندرد آند بوورز» قد أبقتا على التصنيف السيادي الممتاز لديون اليابان «AA»، فإنهما حذرتا من تأثير كلفة إعادة التعمير على تصنيف اليابان في المستقبل.

وعبر تدخل أمس اشترت اليابان مليارات الدولارات لكبح ارتفاع الين، وفعلا تراجع الين. وبعد أسبوع من التداولات المذعورة صعد الدولار ينين إلى 81.83 ين بعد أن سجل انخفاضا قياسيا بلغ 76.25 ين يوم الخميس إثر تدخل «بنك اليابان» (البنك المركزي) في السوق.

ومن المتوقع أن ينضم مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) إلى هذا التحرك المنسق الذي يعد أول تدخل مشترك لمجموعة السبع منذ عشر سنوات. ونسبت وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إلى كاثي لين مديرة أبحاث الصرف لدى «جي إف تي» في نيويورك قولها «سيكون لهذا التدخل مردود ضخم جدا على السوق، لأن الشكل الوحيد المجدي حقا هو التدخل المنسق.. كما أنه يبرهن على تكاتف البنوك المركزية حيال خطورة الوضع في اليابان». وأعلنت مجموعة السبع نيتها التدخل بشكل مشترك بعد مؤتمر قصير عبر الهاتف في وقت مبكر أمس (الجمعة) في إظهار للتضامن مع اليابان بعد كارثة الزلزال. وفاجأ القرار كثيرين إذ إن طوكيو أشارت إلى أنها تتطلع إلى دعم معنوي لمحاولاتها لتهدئة الأسواق وليس إلى تحرك مشترك. وكان آخر تدخل مشترك للمجموعة منذ عشر سنوات عندما تحركت لوقف تراجع اليورو في أعقاب إصداره عام 1999. وقال وزير المالية الياباني يوشيهيكو نودا إن البنك المركزي بدأ في بيع الين اعتبارا من منتصف ليل أمس بتوقيت غرينتش، وإن بنوكا مركزية أخرى من مجموعة السبع ستتدخل عند فتح أسواقها. ويذكر أن قوة الين ستؤثر بشدة على اليابان بعد عودة خطوط إنتاجها للعمل بشكل طبيعي، لأن اقتصادها يعتمد في نموه على الصادرات للتعافي من أزمة الزلزال وأمواج المد (تسونامي) والتهديد النووي.

وقال وزير المالية الياباني يوشيهيكو نودا إن التدخل المشترك لمجموعة السبع في أسواق العملات لا يستهدف مستويات محددة لأسعار الصرف. وأبلغ نودا الصحافيين بأن التدخل المشترك يركز أساسا على تعاملات الدولار مقابل الين. وقال هيديوكي ايشيغورو من دار الوساطة «اوكاسان سيكيوريتيز» إن قرار الدول الكبرى يدل على أن «السلطات في الخارج أيضا تأخذ الوضع في اليابان على محمل الجد. وأضاف في تصريحات لوكالة «داو دوجونز نيوزواير» أن «احتمال تراجع النمو العالمي قائم بسبب أسعار النفط المرتفعة ومجموعة السبع تريد ألا تصاب اليابان بالانكماش».

ولم يتوقف قرار البنوك المركزية على الين فقط ولكنه امتد إلى سوق الأسهم، حيث سجلت البورصات الآسيوية وعلى رأسها طوكيو تحسنا كبيرا أمس مستفيدة من إعلان مشترك للدول الصناعية السبع الكبرى للحد من ارتفاع سعر الين. وأغلقت بورصة طوكيو على ارتفاع نسبته 72.2 في المائة أمس، وأنهى مؤشر «نيكاي 225» لأسهم الشركات الكبرى يومه على ارتفاع قدره 08.244 نقطة ليبلغ 75.9206 نقطة. ورغم ارتفاع أمس، فإن مؤشر «نيكاي 225» خسر 22.10 في المائة من قيمته لمجمل الأسبوع، أي في الجلسات الخمس الأولى التي تلت الزلزال والمد البحري اللذين ضربا شمال شرقي اليابان، في كارثة تفاقمت مع سلسلة من الحوادث النووية التي وقعت في مدينة فوكوشيما. وارتفع سعر سهم شركة الكهرباء اليابانية «تيبكو» التي تدير المحطة النووية المتضررة في فوكوشيما 19 في المائة. ويراهن مستثمرون على حل مشكلات الشركة قريبا ويقومون بشراء أسهم «تيبكو» التي تراجع سعرها بمقدار الثلثين في الجلسات الأربع الماضية من الاثنين إلى الخميس.

وفي آسيا ارتفعت بورصة هونغ كونغ 54.0 في المائة بعد الظهر وشنغهاي 61.0 في المائة. أما سيدني فأغلقت على ارتفاع نسبته 56.1 في المائة، بينما كسبت سيول 13.1 في المائة وتايبيه 35.1 في المائة. وحققت مانيلا مكاسب قدرها 33.0 في المائة عند الإغلاق ومعها ويلينغتون التي تقدمت 30.0 في المائة. وأعلن بنك اليابان المركزي أنه ضخ مجددا أمس (الجمعة) ثلاثة تريليونات ين (28 مليار يورو) في الأسواق النقدية لدعم الاقتصاد بعد الزلزال.. مما يرفع المبلغ الإجمالي الذي ضخه منذ مطلع الأسبوع إلى 37 تريليون ين (333 مليار يورو). وقام المصرف بعدة عمليات مماثلة منذ الاثنين.. اليوم الذي ضخ فيه نحو 15 تريليون ين في أكبر عملية ضخ تجري في يوم واحد. ويريد «بنك اليابان» عبر ذلك مساعدة المصارف على التمويل، لا سيما أن الحركة النقدية شهدت اضطرابا منذ وقوع الزلزال وموجات المد البحري في شمال شرقي اليابان الجمعة.

وقد دمرت مناطق بالكامل في شمال شرقي جزيرة هونشو الكبرى من جراء الزلزال والتسونامي اللذين وقعا الجمعة، بينما يتوقع أن تكون الاحتياجات المالية لإعادة الإعمار هائلة.