الغاز الطبيعي يتألق في أعقاب كارثة مفاعلات اليابان النووية

بات الخيار الآمن لدى الكثيرين وسط ارتفاع أسعار النفط

تغلب الغاز الطبيعي على اثنتين من أكبر العقبات وهي الأسعار المتقلبة والإمدادات المشكوك بها («نيويورك تايمز»)
TT

ربما يكون الوقت الراهن يؤرخ لبداية أوج ازدهار أسعار الغاز الطبيعي في أعقاب الشكوك المحيطة بمستقبل أسعار النفط. وفي الوقت ذاته أثارت المشكلات الخطيرة التي تواجه المنشأة النووية اليابانية شكوكا جديدة بشأن أمن الطاقة النووية. ومن المتوقع أن يتم استئناف الاستكشافات النفطية في خليج المكسيك بعد انفجار بئر نفط «بريتش بتروليم». وتعرض مناجم الفحم لهجوم شديد بسبب إسهاماتها في الاحتباس الحراري العالمي.

في الوقت ذاته تغلب الغاز الطبيعي على اثنين من أكبر العقبات وهي الأسعار المتقلبة والإمدادات المشكوك بها. ونتيجة لحجم الاكتشافات الجديدة في الولايات المتحدة وفي بلدان العالم الأخرى التي زادت بشكل واضح من الاحتياطيات المعروفة. يحدث ذلك في وقت حافظت فيه أسعار الغاز الطبيعي على انخفاضها خلال العامين الماضيين. وربما لا يزال من المبكر القول على سبيل اليقين إن الأحداث المأساوية في اليابان ربما تؤدي إلى التراجع عن الاستعانة بالطاقة النووية وزيادة الطلب على الغاز الطبيعي، كما لا يزال من المبكر أيضا القول ما إذا كان المسؤولون المضطلعون بالسياسات النووية يحاولون تهدئة المخاوف العامة في أعقاب وقوع الكارثة.

بيد أنه مع التوقعات بازدياد الطلب العالمي على الطاقة إلى الضعف خلال العقدين القادمين يتوقع المحللون انتعاشة جديدة في استهلاك الغاز. ونتيجة للمخاوف المتزايدة بشأن الطاقة النووية والقيود على انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، وصف بنك سوستيه جنرال الغاز الطبيعي بأنه وقود «البديل الأوحد». فيقول لورنس غولدستين، اقتصادي الطاقة في مؤسسة أبحاث سياسات الطاقة: «إذا ما عمدت إلى قياس الأمر من جانب الربح والخسارة فسيكون الغاز الطبيعي هو الرابح، إنها ضربة قاضية».

وكانت الأسواق المالية قد بدأت التسعير بناء على الاهتمام الجديد بالغاز. فمنذ كارثة اليابان انخفضت أسعار اليورانيوم بنسبة 30%، في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار الغاز في أوروبا والولايات المتحدة بنسبة 10%، حيث أكد مسؤولون من دول عدة شملت الصين وألمانيا وفنلندا وجنوب أفريقيا أنهم سيعملون على مراجعة استراتيجياتهم النووية. في الوقت ذاته تعيد منشآت الطاقة التفكير في الغاز الطبيعي كمصدر لطاقة مستقرة، وهي وظيفة كانت يشغلها على الدوام الفحم والطاقة النووية. وقال مسؤولو هذه المنشآت إنهم يبدون قلقا واسعا من تعويم أسعار الغاز الطبيعي خاصة خلال العقدين الأخيرين. غير أن ذلك ربما يكون على وشك التغير بحسب جون روي، رئيس مؤسسة «إكسيلون» أكبر منشأة نووية في الولايات المتحدة، والذي أكد على أن بناء منشأة طاقة نووية سيكون مكلفا للغاية في الوقت الذي يتطلب فيه تنفيذ مطالب الحد من غازات ثاني أكسيد الكربون التي وضعتها وكالة حماية البيئة استثمارات مالية طائلة لخفض نسبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من منشآت الطاقة التي تعمل بالفحم. وهذا يعني أن المنشآت ستتحول بصورة أكبر إلى الغاز الطبيعي. وقال أمام لجنة معهد إنتربرايز الأميركي في واشنطن الشهر الجاري: «الغاز الطبيعي هو المسيطر في المستقبل». هذه الرؤية صدقها التقرير الذي نشره يوم الثلاثاء مركز السياسات الحزبية المشتركة ومؤسسة السماوات الصافية الأميركية التي توقعت ارتفاع معدلات استهلاك الغاز الطبيعي نتيجة وفرة الإمدادات، والتي يتواجد البعض منها في الولايات المتحدة والتي يتوقع أن تحافظ على انخفاض الأسعار في الوقت الراهن. وكان إنتاج الغاز الطبيعي قد ارتفع على مستوى العالم بنسبة 44% خلال العقدين الماضيين في الفترة بين عامي 1990 و2010، في الوقت الذي زادت فيه نسبة احتياطيات الغاز بنسبة 67%. وبعد وصول الأسعار إلى الذروة عام 2008 ببلوغ سعر الألف قدم مكعب من الغاز 13.58 دولار، عادت الأسعار إلى الانخفاض مرة أخرى فبلغت أسعار الغاز في الولايات المتحدة العام الماضي 4.38 دولار. الأهم من ذلك هو الغازات الناتجة عن احتراق الغاز الطبيعي والتي تصل إلى نصف معدلاتها في المنشآت التي تستخدم الفحم.

ومن المتوقع أن تكون السوق الآنية للغاز الطبيعي اليابان، التي تسعى إلى زيادة وراداتها من إمدادات الطاقة بعد إغلاق خمس قدراتها النووية والتي تتضمن مفاعل فوكوشيما. وتقول شركة «كهرباء طوكيو» إن هذا التراجع في إمدادات الطاقة سيستمر حتى العام القادم.

وتستورد اليابان بالفعل ثلث شحنات الغاز الطبيعي المسال في العالم، ولم تتضرر خطوط استيراد الغاز، والتي تقع غالبيتها في الجنوب، نتيجة الزلزال، ويشكل الفحم والطاقة النووية ما يقرب من ربع الطاقة الكهربائية المولدة في اليابان، في الوقت الذي يشكل فيه الغاز الطبيعي ما يقرب من 30% من مصادر الطاقة، بحسب محللين في شركة «رايموند جيمس المالية». وتقول شركة «برنستين ريسيرش أناليسيز»: «ربما كان زلزال هونشو عاملا محفزا يعيد صياغة سياساتنا تجاه الطاقة العالمية بشكل جوهري».

وكانت الكثير من شركات النفط قد توقعت مثل هذا التحول، فتخطى إنتاج شركة «رويال دتش شل» من الغاز الطبيعي إنتاجها من النفط خلال السنوات الأخيرة. أما شركة «إكسون موبيل» فقد اشترت شركة «إكس تي أو» العام الماضي لرفع تواجدها في سوق الغاز الداخلية المتنامية. كما عمدت أيضا إلى تطوير مصادر بارزة في قطر التي تحتل المركز الثالث على مستوى العالم في احتياطيات الغاز الطبيعي بعد كل من روسيا وإيران.

وقد شهد العالم خلال السنوات الأخيرة مشروعات جديدة عملاقة لتسييل الغاز الطبيعي ـ يتم خلالها تجميده ثم ضغطه في صورة سائلة لتسهيل شحنه، ثم إعادته إلى حالته الغازية مرة أخرى في محطات الاستيراد. ففي بابوا غينيا الجديدة تقوم شركة «شل» ببناء منشأة بقيمة 15 مليار دولار لتزويد العملاء الآسيويين بالغاز. أما شركة «شيفرون» فقد بدأت الأعمال الهندسية في مشروع محطة جورجون للغاز في أستراليا بقيمة 40 مليار دولار بالمشاركة مع شركتي «شل» و«إكسون». ومن جانبها تخطط روسيا لتطوير منشأة جديدة في المنطقة القطبية.

لا يخلو الغاز الطبيعي أيضا من المشكلات، فسعيا لإطلاق غاز الميثان عن القاع الصخري في الولايات المتحدة تقوم شركات الطاقة باستخدام أسلوب التسكين الهيدروليكي الذي واجه انتقادات كبيرة على أساس تلويث مصادر المياه ومستودعات المياه الجوفية. لكن سياسة الطاقة يجب أن توازن هذه المخاطر مع القلق بشأن الطاقة النووية، ناهيك عن المشكلة التي لم تجد حلا من كيفية التصرف مع الوقود النووي الذي يواصل تسريب الإشعاعات لمئات السنين.

وقال دويتشه بنك في تقريره الأسبوع الماضي: «وجدت الطاقة النووية نفسها تسير من حل (متنازع عليه) للطاقة الخضراء المستقبلية بعد أن كانت مصدر خطر لحقبة الحرب الباردة. ففي الولايات المتحدة، حيث لم يبن مفاعل جديد منذ كارثة ثري مايل أيلاند في عام 1979، كان الاتجاه نحو الطاقة النووية متناقضا، ففي العام الماضي طلب الرئيس من وزارة الطاقة توفير بعض الدعم المالي لعمليتين نوويتين تشملان إنشاء مفاعلين في جورجيا. بيد أنه في أعقاب كارثة اليابان طلبت الإدارة مراجعة شاملة لأمن المنشآت النووية في البلاد».

في الوقت ذاته وجدت الصناعة استحالة في بناء منشآت جديدة، ففي ديسمبر (كانون الأول) على سبيل المثال تراجعت شركة «إكسيلون» عن طلبها إنشاء محطة نووية في مقاطعة فيكتوريا بولاية تكساس نتيجة المعارضة الشديدة. كما واجهت منشآت توليد الطاقة تحديا في إعادة تجديد تراخيص عملياتها القائمة، فمحطة بليغريم للطاقة النووية في بلايماوث بولاية ماساتشوستس كانت لا تزال تنتظر منذ 5 سنوات إعادة تجديد ترخيص بسبب إجراءات التقاضي وتأجيل المحكمة، كما يناضل مسؤولو الولاية في فيرمونت لإغلاق منشأة فيرمونت يانكي للطاقة التي بدأت عملياتها في عام 1972.

وتضم الولايات المتحدة 104 مفاعلات نووية تسهم بنحو 23% من الطاقة الكهربائية على مستوى البلاد. وهناك طلبات بمد مدة عمل نحو 20 مفاعلا عقدين آخرين، لكن هذه الطلبات محل نظر المنظمين الفيدراليين، بحسب وكالة بلومبيرغ. ويقول غولدستين، من مؤسسة سياسات الطاقة: «من المتوقع أن نقوم تجاه التراخيص النووية بما نقوم به تجاه السماح بخدمات التعهيد، وهو أن نؤجل وننتظر».

* خدمة «نيويورك تايمز»