صالح كامل طالب بهيئة شرعية موحدة للبنوك.. وعبد الكريم أبو النصر دعا إلى مؤشر متوافق مع الشريعة

في جلسة «الاقتصاد الإسلامي» بمنتدى جدة الاقتصادي

صالح كامل يتحدث للاعلام على هامش المنتدى («الشرق الأوسط»)
TT

دعا رئيس مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية ورئيس غرفة جدة والخبير في التمويل الإسلامي صالح كامل إلى إنشاء هيئة شرعية موحدة للبنوك السعودية مع وجود رقابة ذاتية شرعية لكل بنك، مشيرا إلى أن أفضل علاج للبطالة في العالم الإسلامي يتمثل في تطبيق الاقتصاد الإسلامي؛ وأوله الزكاة وفق المصارف الثمانية التي حددها الله سبحانه وتعالى.

وشدد رجل الأعمال السعودي على دور هيئات الرقابة الشرعية في ضبط عمل المصارف، وطالب بأن تسارع مؤسسة النقد العربي السعودي بتطبيق ذلك، وقال في الجلسة التي حملت عنوان «الاقتصاد الإسلامي»، إنه توجد هيئة شرعية موحدة مطبقة في السودان وماليزيا وعدد من الدول الإسلامية.

وأضاف كامل خلال كلمته في منتدى جدة الاقتصادي أمس: «نطالب أن تكون موجودة أيضا في السعودية وتستند إليها مؤسسة النقد العربي السعودي، كما نطالب بوجود هيئة رقابة شرعية في كل مصرف حتى يطمئن المسلمون على أموالهم وودائعهم».

من جانبه، أكد عبد الكريم أبو النصر الرئيس التنفيذي للبنك الأهلي أن حجم قطاع المصرفية الإسلامية ارتفع من 260 مليون دولار عام 2000 ليصل إلى تريليون دولار في الوقت الحاضر، على الرغم من حداثة المصرفية المتوافقة مع الشريعة.

وزاد: «نموذج المصرفية الإسلامية أصبح اليوم هو النموذج المهيمن على الخدمات المصرفية للأفراد»، وأشار إلى أن المصرفية الإسلامية تمثل نحو 95 في المائة من مجمل أعمال مصرفية الأفراد، جاء ذلك خلال العرض المفصل الذي قدمه أبو النصر أمام المشاركين في منتدى جدة الاقتصادي خلال جلسة الأعمال الثالثة في ثالث أيام المنتدى التي تناولت موضوع «مستقبل المصرفية الإسلامية في المملكة».

وتطرق الرئيس التنفيذي للبنك الأهلي إلى دور المصرفية الإسلامية في تمويل قطاع الشركات، حيث أشار إلى أنه دور متنام، موضحا أن المصرفية الإسلامية تستحوذ على نحو 30 في المائة من إجمالي الموجودات المصرفية، مضيفا أن هناك حاجة إلى تطوير الأنظمة والقوانين بما يتلاءم مع نمو وتطور هذه الصناعة.

وأوضح أن الأزمة المالية العالمية أدت إلى تعزيز صورة العمل المصرفي الإسلامي، وتنامي الطلب على الحلول المصرفية الإسلامية من قبل القطاع الخاص، لافتا إلى أن السياسات المالية والنقدية التي انتهجتها مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) خلال الأزمة المالية الدولية أدت إلى تعزيز وحماية النظام المالي في المملكة؛ الأمر الذي أثمر عن نجاح البنوك السعودية في تجنب تداعيات الأزمة.

وحول سوق الأسهم السعودي، بين أبو النصر أن الأسهم المتداولة في السوق والمتوافقة مع الشريعة الإسلامية تشكل نحو 72 في المائة من رأسمال السوق، مبينا الحاجة إلى إيجاد مؤشرات تداول متوافقة مع الشريعة الإسلامية.

وأشار إلى أن السعودية رائدة في مجال الصناديق المتوافقة مع الشريعة الإسلامية باعتبارها أول من وضع المعايير والضوابط الشرعية لها، وتمتلك أكبر الصناديق على مستوى العالم، مضيفا أنه على الرغم من تنوع صناديق الاستثمار المطروحة حاليا وما لديها من إمكانات كبيرة تتيح للمستثمرين من خلالها فرصة الاختيار بين مختلف القطاعات والآجال الاستثمارية، فإنها لا تزال في مراحلها المبكرة مقارنة بما هو موجود في الدول الغربية.

وأبان أبو النصر أن سوق الصكوك السعودية التي تتطور بشكل تدريجي، لا تزال في حاجة إلى مزيد من الجهد حتى تتبوأ المملكة مكانها المرموق في هذا المجال، مشيرا إلى أن إصدارات الصكوك في السعودية لم تزد خلال العام الماضي على 21.8 في المائة من إجمالي إصدارات الصكوك في العالم مقارنة بنحو 63 في المائة لماليزيا خلال العام نفسها.

ونوه بأن الناتج المحلي الإجمالي للملكة يساوي ضعف الناتج الإجمالي لماليزيا، وقال: «هناك فرص كبيرة في المملكة يمكن تمويلها عن طريق الصكوك مثل خط أنابيب البنى التحتية السعودي الخليجي، الذي يعد فرصة استثمارية ضخمة بقيمة تزيد على تريليوني دولار».

وبالعودة لصالح كامل، أشار إلى أن «الاقتصاد الإسلامي فقه كبير يستشري في الحياة اليومية، وهو - للأسف - لم يظلم من الاقتصاديين أو الشرعيين فقط، بل من كل الأمة، فنحن نقرأ القرآن ولا نتدبره».

وأضاف أبو النصر: «البنوك الإسلامية عندما بدأت قبل 38 عاما كانت رسالة وتجارة، حيث كانت تملك في ذاك الوقت مستودعات وتمارس البيع والشراء، لكن في الوقت الحالي لو نظرنا إلى الهيكل التنظيمي للبنوك الحالية، لوجدنا أنه لا توجد إدارة مشتريات».

واستعرض رئيس مجلس الغرف السعودية عددا من التجارب الثرية، حيث قال: «لقد ذكرت أمام المستشارة الألمانية ميركل عندما زارت غرفة جدة أن هناك حديثا نبويا لو طبق في الغرب لما حدثت الأزمة المالية في العالم وهو: (لا تبع ما ليس عندك)». وأضاف: «في عام 1991م قبل أن يسقط الاتحاد السوفياتي كنت في زيارة إلى موسكو، وذهبنا إلى محافظ البنك السوفياتي وقلت لهم إنكم مع انهيار النظام الشيوعي تحتاجون إلى نظام وسطي، واقترحت عليه أن يطبقوا النظام الاقتصادي الإسلامي، فطلب مني أن نذهب في اليوم التالي إلى وزير للمالية بابلوف، الذي أصبح في ما بعد رئيسا للوزراء، وطلب مني أن أقدم له شيئا مكتوبا».

وتابع: «بعد عودتي إلى المملكة اتصل هاتفيا وطلب مني أن أقدم مقترحاتي مكتوبة، فاقترحت عليه عقد مؤتمر صحافي في القاهرة وجاء ومعه 40 مسؤولا سوفياتي، وحينها كنت في حيرة ماذا سنقدم لهم، وجمعنا ما يقارب من 40 مختصا في الاقتصاد الإسلامي وأمضينا شهرا كاملا حتى خرجنا بمجموعة من الرؤى، وأمضينا مع السوفيات أسبوعا كاملا نطرح مقترحاتنا، ومن ثم أصبح رئيسا للوزراء بعد عودته، وقدم برنامجا لمدة 500 يوم قائما كله على الاقتصاد الإسلامي كمدرسة بديلة عن الاشتراكية، لكن لم يكتمل المشروع بسقوط الاتحاد السوفياتي وانهياره وتفككه».

وعن السبب في انتشار البنوك الإسلامية في أكثر دول العالم العربي وعدم وجودها في السعودية بشكل واضح وصريح، قال: «البنوك في المملكة قائمة على نظام رئيسي يتمثل في التعامل على أساس الشريعة الإسلامية، وبالتالي لا يرون أهمية لإقامة بنوك متخصصة ما دامت الموجودة تقوم بالدور نفسه».

وتوقع كامل أن يجري إطلاق البنك الإسلامي الكبير خلال العام الحالي 2011، بعد أن تم التجهيز له طوال الفترة الماضية، مشيرا إلى ضرورة أن تكون هناك هيئة للتصنيف الشرعي لكل الأدوات المطروحة في السوق ويعلن عنها للجمهور. وزاد: «التصنيف يقتضي إيجاد البديل الصحيح الذي لا يتأتى إلا عن طريق سوق للأوراق المالية الإسلامية التي تحمل أصولا منتجة ومدرة للدخل، وما لم نصل إلى هذه الصكوك وتكون الأوراق حقيقية وليست صكوكا سنضطر لبيع وشراء النحاس».

وتابع: «البنوك والتمويل جزء من الاقتصاد الإسلامي الذي يبدأ بأن المال مال الله ونحن مستخلفون ونحن ملزمون بتنفيذ أوامر المالك في اكتساب المال وصرفه، ونحن مأمورين بإعمار الأرض، ويجب علينا أن يكون المقصد الأساسي للاقتصاد هو إعمار الأرض، وهذا يعني ضرورة خلق فرص عمل للناس»، مشيرا إلى أنه «في بداية إطلاق المصارف الإسلامية طلب من العلماء أن يشددوا عليها حتى يخفف الله عليهم».

وأشار، من جانبه، عبد الله بن سليمان الراجحي الرئيس التنفيذي لمصرف الراجحي إلى أن السعودية لها القدرة على أن تصبح محورا للصناعة المصرفية الإسلامية في العالم، وأن هناك قصورا وتفاوتا وضعفا في الإجراءات في تطبيق مبادئ المصرفية الإسلامية إلى جانب أن كل مؤسسة تتعامل بهيئة شرعية خاصة بها، وأن هذه الهيئات وإن كانت عملت بشكل جيد في الآونة الأخيرة، إلا أن هناك تضاربا في عدد من المنتجات وذلك يقوض ثقة العملاء. لذا، يجب توحيد المعايير الشرعية، فحجم التمويل ينمو بشكل مطرد، لذلك فهو في حاجة لإطار مؤسسي والاتفاق على مبادئ مقبولة، كما أن المعايير الرقابية الصادرة من مجلس الخدمات المالية الإسلامية يمكن اعتمادها كإطار مشترك.

ولفت إلى وجوب عرض المعايير قبل تبنيها على عدد كبير من الفقهاء، وتبني تشريعات ومعايير محاسبية موحدة للمؤسسات المالية التي تربو على 40 معيارا، أما ما هو العائق في تطبيق تلك المعايير، فيرجع في الأساس إلى أنها لا تتفق مع المعايير المحاسبية الدولية المتفق عليها ومن ثم يقع العبء الأكبر على نشر هذه المعايير.

وأضاف أنه بالنسبة للأسواق الأكثر نضجا مثل ماليزيا والسودان ودول مجلس التعاون الخليجي، فإن السعودية تحتاج مؤسساتها لوضع استراتيجيتها وينبغي التركيز على قطاع مصرفية الشركات وشركات الاستثمار والتكافل، والمنتجات الأخرى الجديدة، فالقدرة على تقديم خدمات منافسة يعتبر العامل الحاسم لتحقيق نجاح في تلك الأسواق، إضافة إلى إدارة الأصول التي توجد فرصة للتوسع فيها، والأمر الأخير في ما يتعلق بتطوير العمل المصرفي في إدارة السيولة قصيرة الأجل؛ إذ ما زالت الصناعة تواجه عدم وجود منتجات كافية للإدارة وللسيولة قصيرة الأجل.

وتناول الراجحي دور المملكة في التمويل الإسلامي، حيث يقدر حجم تمويل المصارف الإسلامية في المملكة بأكثر من 100 مليار ريال (26.6 مليار دولار)، مضيفا أن الطلب قوي على عمليات إقراض المستهلكين، كما أن هناك عددا متزايد من الشركات التي بدأت تطلب بشكل أكبر منتجات إسلامية، وتوقع أن «يزيد مستقبلا، وحينما نرى نسبة القروض المقدمة من المصارف الإسلامية، أو التي عليها عمليات إسلامية فقد كانت عام 2010 قد وصلت نسبة إجمالي التمويل فيها إلى 58 في المائة من إجمالي عمليات التمويل، وهي النسبة الأعلى عالميا مقارنة بنسبة 56 في المائة كانت في 2009، وقد ارتفعت بنسبة 2 في المائة في عام واحد».

إلى ذلك، قدم نائب الرئيس التنفيذي لتمويل الشركات بشركة «سابك» مطلق المريشد، نظرة عامة للتمويل الإسلامي، وقال: «التمويل المصرفي الإسلامي ينمو سنويا بنسبة تتجاوز 10 في المائة، وهو البديل الوحيد للتمويل التقليدي، ويجب التفكير في أننا جزء من العالم وعلينا تقديم بديل للعالم لأننا جزء منه»، وأضاف: «(سابك) أول من أصدرت الصكوك وهي تركز على التمويل الإسلامي وتقوم بتمويل المشروعات، وهناك 70 في المائة من تمويلات (سابك) إسلامية»، مؤكدا أن على البنوك أن تنوع محفظة ديونها سواء إن كانت إسلامية أم غير إسلامية.