«ويكيليكس سوفياتي» يكشف الفساد.. جهات تتهمه بالتعاون مع المخابرات الأميركية

كشف أن الاحتيال كلف شركة نفط روسية 4 مليارات دولار

TT

قبل شيوع استخدام الإنترنت، ربما أمل أي معارض روسي الوصول إلى عشرات القراء المتعاطفين من خلال نسخ المادة المحظورة في السر. ولكن في روسيا اليوم، تمكن ألكسي نافالني من جذب جمهور كبير من خلال موقعه الإلكتروني الخاص بالمستثمرين (Navalny.ru)، في الوقت الذي يهاجم فيه شركات طاقة كبيرة مملوكة لدى الدولة، في إطار حملته الموجهة ضد الكسب غير المشروع والرشى. ويستطيع نافالني، وهو محام متخصص بمجال العقارات يبلغ من العمر 34 عاما، الوصول إلى ما يصل إلى مليون زائر غير متكرر في اليوم من خلال موقعه الإلكتروني، مثلما حدث في فصل الخريف الماضي من خلال سبقه بشأن اختلاس شركة «ترانسنفت»، وهي شركة خط أنابيب تديرها الدولة. ووصف هذا المخطط، الذي عرض كشيء تحذيري لهؤلاء الراغبين في الاستثمار داخل أسهم الطاقة الروسية، مسؤولين تنفيذيين ينشئون سلسلة من «الشركات الواجهة» ليظهروا كمتعهدين لمشروع «ترانسنفت» لبناء خط أنابيب يمتد لمسافة 3000 ميل وصولا إلى الصين. وسجلت إحدى هذه الشركات الصورية، على سبيل المثال، باسم رجل صربي ضاع منه جواز سفره، وفقا لما أفاد به تقرير «نافالني». وتضمن التقرير بيانا يشير إلى أن الاحتيال في التعاقد كلف «ترانسنفت» 4 مليارات دولار. وقد أنكرت «ترانسنفت» ومكتب المحاسبة الحكومية مزاعم الفساد هذه، علما أن نافالني قال إنه سرب وثائقهما عبر موقعه. وقد تعامل رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين مع هذا الأمر بجدية، لدرجة أنه أمر بالقيام بتحقيق لا يزال قائما حتى الآن. وقد مس نافالني، الذي ساعده شكله الجميل وعيناه الزرقاوان ولمساته الساخرة، في كسب شهرته وتكوين طموحات سياسية كبيرة، بشكل واضح داخل المجتمع الروسي. وتحظى مدونته بالقبول لدى روسيين يتساءلون: إذا كانت الثروة النفطية الواسعة لدى البلاد لا تصل إلى المواطنين، فإلى أين تذهب هذه الثروات؟ ويقول نافالني عما ينشر على موقعه: «أقوم بذلك لأني أكره هؤلاء الأفراد». يشار إلى أن رسائله تستهدف من يصفهم بأنهم مديرون يحاولون تحقيق مصالح شخصية في مجال الغاز الطبيعي والنفط.

وداخل روسيا، تزداد شهرة نافالني «بنفس سرعة نمو شهرة مؤسس ويكيليكس (جوليان أسانج)، بحسب ما كتبه نيكولاي بتروف، الزميل بمجموعة أبحاث الشؤون السياسية «مركز كارنيغي موسكو»، خلال ديسمبر (كانون الأول). وكتب بتروف أن نافالني «يمثل جيلا جديدا من النشطاء السياسيين، وأنه شخص يرى نقاط ضعف النظام ويوجه ضرباته بناء على ذلك». ويقول نافالني، الناشط السابق في حزب سياسي ليبرالي يدعى «يابلوكو»، إنه في نهاية المطاف سيسعى من أجل الحصول على منصب عام. وفي الوقت الحالي، يصف نفسه بأنه مناصر لحقوق الطبقة الوسطى داخل روسيا – وهم الناس الذين استثمروا في سوق الأسهم والذين يقول عنهم إنهم يخسرون أموالا لصالح الفساد وسوء الإدارة. وتعد ملكية الأسهم هنا نسبتها صغيرة بمعايير الولايات المتحدة، وقد افتتح الروس 726.000 حساب سمسرة، ويمثل هؤلاء نحو 0.5 من مجمل السكان. ولكن هذا الرقم، والجمهور المحتمل لنافالني، ينمو بنسبة قرابة 12 في المائة شهريا، وفقا لما أفاد به البنك الاستثماري داخل موسكو «ترويكا ديالوغ». وفي الوقت الذي يساور الأميركيون مشاعر غضب ضد المصرفيين الأثرياء بعد انفجار فقاعة الإسكان، يقول نافالني إن الروس بدءوا يعبرون عن غضبهم بسبب سوء إدارة الشركات الحكومية خلال الفورة النفطية. ويقول: «يرون أن (غازبروم) لا تدفع حصة من الربحية، بينما يمتلئ مكان إيواء السيارات التابع للشركة بالكثير من السيارات من طراز (مرسيديس بنز)». وعلى الرغم من أن المعلومات التي يكشف عنها نافالني قد تكون ذات قيمة لملاك الأسهم والصناديق الاستثمارية، فإنها لا تكسبه صداقات في الأجنحة التنفيذية لشركات الطاقة الكبرى داخل روسيا.

وقد أشار الرئيس التنفيذي لـ«ترانسنفت»، نيكولاي توكاريف، المسؤول المخضرم بجهاز «كيه جي بي» إبان الاتحاد السوفياتي، إلى أن نافالني متعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، ولديه أوامر بتشويه سمعة شركات روسية مهمة. ولم يتبع هذه الاتهامات شيء حتى الآن. ومع ذلك، فقد أصبح نافالني متوترا؛ وأعطى زوجته قائمة بأرقام تليفونات لتتصل بها إذا ما اختفى – محامون آخرون وصحافيون وسياسيون معارضون. ويقول نافالني: «ربما يلقون القبض علي في أي وقت».

وفي الواقع، بعد نشر وثائق «ترانسنفت»، فتحت الحكومة تحقيقا جنائيا ضد نافالني. ولا يرتبط التحقيق بالأساس بما كشفه عن «ترانسنفت». وبدلا من ذلك، يتضمن التحقيق استشارته الاستثمارية السيئة إلى حكومة إقليمية قبل أعوام عدة، عندما كان مستشارا لحاكم محلي. ولا يزال التحقيق جاريا. وبعد التسريب الخاص ببيان خط الأنابيب، اتصل رجال عرفوا أنفسهم بأنهم عملاء أمنيون بوكلاء لنافالني، وحذروهم من العمل معه، بحسب ما قاله نافالني.

* خدمة «نيويورك تايمز»