مصطفى السعيد لـ«الشرق الأوسط»: جمال مبارك ووزير المالية اعتمدا سياسات تردي الأوضاع في مصر

وزير الاقتصاد الأسبق: قانون الاحتكار دليل صارخ على سطوة أمين تنظيم الحزب الوطني أحمد عز

مصطفى السعيد («الشرق الأوسط»)
TT

اتهم الدكتور مصطفى السعيد وزير الاقتصاد المصري الأسبق، القيادي بالحزب الوطني الديمقراطي (الحاكم سابقا) في حواره مع «الشرق الأوسط» رموز النظام المصري السابق بمحاولة إجهاض الثورة المصرية التي اندلعت في 25 يناير (كانون الثاني) الماضي، وانتهت بتخلي الرئيس المصري السابق حسني مبارك عن السلطة في البلاد. وقال السعيد إن هناك مبالغة في تقدير وضع الاقتصاد المصري عقب الثورة.

وحمل السعيد جمال نجل الرئيس مبارك ووزير المالية السابق يوسف بطرس غالي مسؤولية النهج الاقتصادي الذي أفضى إلى تردي الأوضاع الاقتصادية لعموم المصريين، مشيرا إلى أن مستويات النمو وحدها لا تكفي للتدليل على قوة الاقتصاد، لافتا إلى أن تقارير وزارة المالية تعمدت إخفاء الجوانب السلبية التي وصفها بـ«الكثيرة»، ولم تقدم إلا الإيجابيات التي لم يستفد منها إلا المجموعة الضيقة التي صنعت السياسات الاقتصادية المصرية خلال السنوات الأخيرة.

وأشار وزير الاقتصاد الأسبق إلى العلاقة «غير المفهومة» بين نجل الرئيس ورجل الأعمال المصري أحمد عز أمين تنظيم الحزب الوطني، وقال: «كنا في الحزب نتساءل عن سر الحظوة الخاصة لعز عند جمال، كما أن زكريا عزمي وفتحي سرور وصفوت الشريف كانوا مندهشين من هذه الدائرة المغلقة بينهما والتي كانت تؤثر مباشرة على كل توجهات الحزب». واتهم السعيد أحمد عز بالرغبة في السيطرة والاستحواذ على أي شيء قائلا: «عز عنده تركيبة نفسية معينة أعتقد أن لها علاقة بطفولته، فهو عنده رغبة عنيفة في الاستحواذ على كل شيء، بدأ الأمر في مجال الحديد واحتكاره له في مصر، وحينما انتقل للعمل السياسي لم يتخلص من هذه التركيبة، فقد كان يريد أن يسيطر على كل مجريات الأمور في الحزب الوطني وامتد الأمر إلى إقصائه كل الأحزاب المعارضة، ثم طال الأمر الأشخاص من الدائرة المقربة لجمال مبارك»، وإلى نص الحوار..

* كيف تقيم الوضع الاقتصادي المصري في أعقاب ثورة «25 يناير» خاصة أن البعض يتحدث عن «وضع كارثي»؟

- هذا كلام مبالغ فيه تماما، ولكن مما لا شك فيه أن هناك خسائر كبيرة للاقتصاد المصري، ويظهر واضحا في قطاع السياحة على سبيل المثال، بالإضافة إلى الانفلات الأمني والاعتصامات الفئوية التي تتسبب في تعطل الإنتاج، مع التأكيد على أن هذه الخسائر ليست نتيجة للثورة، ولكنها بفعل ما يسمى الآن بالثورة المضادة.

* ومن يقف وراء «الثورة المضادة» في تقديرك؟

- عناصر النظام القديم.. كل من استفاد من النظام ورموزه، دون أن نغفل الفهم الخاطئ لدى البعض بشأن توجهات الثورة.

* هناك من يرى أن الثورة قامت بالأساس من أجل مطالب سياسية، لكننا شاهدنا لاحقا موجة من المظاهرات الفئوية على خلفية التفاوت في الأجور، هل تعتقد أن هذه الخلفية لعبت دورا في انضمام الشعب لثورة الشباب؟

- لا شك أن التفاوت الرهيب في الأجور كان يمثل عامل ضغط على العاملين في القطاعات المختلفة وخاصة في المؤسسات الصحافية والبنوك والبورصة وغيرها من الكيانات الكبيرة، هذا التفاوت لا مثيل له في العالم، فمعدل التفاوت في الأجور في إنجلترا مثلا 1 - 15، وليس واحدا إلى مليون، كما كان الحال عندنا.

* من يتحمل المسؤولية السياسية عن هذا الوضع، وهل تتفق أن ما سمي بـ«الفكر الجديد» داخل الحزب الوطني ساهم في تردي أوضاع الطبقة المتوسطة المصرية؟

- الفكر الجديد الذي تبناه جمال مبارك وأصدقاؤه المقربون كان فكر اليمين المتطرف الذي ساد أوروبا منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، وهو الفكر الذي تبنته الولايات المتحدة الأميركية فيما بعد تحت عنوان «إجماع واشنطن»، واعتمد على أربع نقاط رئيسية، هي الليبرالية، الخصخصة، المنافسة، الحفاظ على استقرار أسعار الصرف وتحجيم التضخم، وتحت شعار العولمة بدأ الدفع بهذا الفكر الجديد، وكان الرائد في تبني هذا الفكر في مصر يوسف بطرس غالي وجمال مبارك، وقد شاهدنا نتائجه في الخصخصة وانسحاب الدولة وتقليص دورها والتركيز على النمو الاقتصادي، وكان من المفترض أن ينعكس على مستويات دخول الأفراد على المدى البعيد، ولي أن أقول إن المخابرات الأميركية روجت لهذا الفكر من خلال 8 مؤتمرات اقتصادية عالمية.

* لكن هذا التوجه أثبت فشله مع الأزمة المالية العالمية في عام 2008، لماذا استمرت مصر في العمل على أساسه في تقديرك؟

- صحيح تماما أنه فشل في العالم كله، بل إن الرئيس الأميركي أوباما شجع الدولة للعب دور موجه في النشاط الاقتصادي للولايات المتحدة، ولكن الوضع في مصر استمر لسبب رئيسي متعلق بمصالح خاصة للمجموعة الضيقة التي كانت تتخذ القرار في مصر.

* حين كان المعارضون للنظام المصري ينتقدون السياسات الاقتصادية كانت الحكومة تتحدث عن معدلات النمو المرتفعة التي يحققها الاقتصاد المصري.. كيف نفهم هذا التناقض؟ - ليس المهم معدلات النمو التي كانوا يتكلمون عنها، ولكن المهم نوعية هذا النمو، ومن المستفيد من عوائد هذا النمو، الإجابة عن هذين السؤالين تكشف مدى نجاح السياسة الاقتصادية، وللأسف لم تكن ناجحة بهذا المعيار، والدليل أنه بمجرد قيام الثورة وقفنا على حقيقة ضعف الاقتصاد لأنه ليس قائما على سياسات اقتصادية إنتاجية.

* هل هذا يعني أن تقارير وزارة المالية كانت مغلوطة؟

- كانت تقارير المالية تركز على جوانب قليلة إيجابية وتخفي جوانب سلبية كثيرة وأحيانا كانت التقارير جزئية، على شاكلة «ولا تقربوا الصلاة»، وما كان يستطيع أن يقرأها على حقيقتها إلا رجال الاقتصاد.

* ما هي الأدوات التي استخدمها قيادات الحزب الوطني لتمرير سياساتهم؟

- كانوا يعتمدون على تشكيل تكتل لأعضاء البرلمان لصالح الحكومة ووزرائها، بل إن أحمد عز تفوق على الشاذلي في هذا الأمر لأنه كان يملك سلطة المال في السيطرة على أعضاء الحزب، لقد قام مثلا بتجديد الحزب وتطويره على نفقته الخاصة، ومنح رواتب لشباب حديثي التخرج للعمل في الحزب، وحينما يحدث تزاوج بين المال والسلطة وفي وجود نظام حكم فردي يعتمد في بقائه على الأمن لا بد أن تكون المحصلة هي الفساد.

* كنت عضوا في لجنة السياسات التي قادها نجل الرئيس السابق، كيف تقيم العلاقة التي جمعت أحمد عز أمين تنظيم الحزب بجمال مبارك؟

- كلنا كنا في الحزب نتساءل عن سر الحظوة الخاصة لعز عند جمال، وزكريا عزمي وفتحي سرور وصفوت الشريف كانوا مندهشين من هذه الدائرة المغلقة بينهما التي كانت تؤثر مباشرة على كل توجهات الحزب، لكن لماذا هذه العلاقة تحديدا فلا أحد يعرف ربما يتعلق الأمر بإنفاق عز على الحزب وربما لوجود تشابك مالي ما أو مشاريع بينهما لا أحد يعرف، ولكن السؤال ما زال مطروحا.

* هل تذكر واقعة تكشف قوة ونفوذ رجل الأعمال أحمد عز؟

- قانون الاحتكار دليل صارخ، فلقد أرسل وزير التجارة والصناعة السابق رشيد محمد رشيد تعديلا على قانون الاحتكار ينص على تشديد العقوبة على المحتكر وأنا وافقت عليه كرئيس للجنة الاقتصادية ودخل التعديل لمجلس الشعب ولكن عز اعترض على هذا التعديل وجند مجموعة نسميها «الفريق القومي» لأمين التنظيم، لمحاربة هذا التعديل وبالفعل تم لاحقا رفض التعديل لصالح عز ومصالحه.

* هل كان أحمد عز يقصي كل من يعارض سياساته، وهل كنت أحد هؤلاء؟

- عز عنده تركيبة نفسية معينة أعتقد أن لها علاقة بطفولته، فهو عنده رغبة عنيفة في الاستحواذ على كل شيء، بدأ الأمر في مجال الحديد واحتكاره له في مصر، وحينما انتقل للعمل السياسي لم يتخلص من هذه التركيبة، فقد كان يريد أن يسيطر على كل مجريات الأمور في الحزب الوطني وامتد الأمر إلى إقصائه كل الأحزاب المعارضة، ثم طال الأمر الأشخاص من الدائرة المقربة لجمال مبارك، وأنا كنت بالفعل أحد الذين تم إقصاؤهم لأني كنت معارضا لسياسته في الحزب خاصة في قضايا الاحتكار، وبيع عمر أفندي، وبنك القاهرة. وكان يهمش وجودي تماما أنا وشريف عمر وحمدي الطحان لأننا كنا من معارضيه.

* هل تعاونت مع الإخوان عام 2005 للفوز بالمقعد بعد أن رشحت نفسك مستقلا؟

- لا ليس صحيحا، مع أنني أكن لهم كل احترام، ولكن منافسي طلعت السويدي روج لهذا الأمر، وقد اعتبرها ميزة مضافة لرصيده عند أحمد عز الحاكم بأمره مع جمال مبارك.

* البعض يتحدث عن استفادة نظام مبارك من قوة جماعة الإخوان المسلمين كيف ترى الأمر؟ - استخدم النظام الإخوان كفزاعة في محاولة إثارة مخاوف الغرب أولا وبالتحديد أميركا، من خلال الإشارة إلى أنه يحميها من وصول التنظيمات الإسلامية التي قد ترتبط بـ«القاعدة» والإرهاب وتهدد أمنه، بالإضافة إلى الترويج في الداخل إلى أنهم مصدر خطر على الحياة المدنية، بل وصل الأمر إلى طلب مساعدات خاصة لمصر باعتبار مصر السياج الأمني ضد مخاطر التطرف على أميركا.

* رغم انتمائك للحزب الوطني، قلت إن كل مجالس الشعب منذ ثورة يوليو وحتى 25 يناير (كانون الثاني) شابها التزوير، هل هذا صحيح؟

- تماما، ولكن هذا لا يعني أنني دخلت المجلس بالتزوير، بل ويمكنني أن أقول إنني لم أنل يوما رضا أمن الدولة.

* وهل ما زلت تحتفظ بعضوية الحزب الوطني؟

- أعمل على تأسيس أول حزب اقتصادي اجتماعي يراعي العدالة الاجتماعية ويعمل على تحسين الوضع الاقتصادي في البلاد على أسس علمية متعلقة بأساسيات اقتصادات السوق من خلال نظام ديمقراطي حقيقي.

* توليت وزارة الاقتصاد في فترة شائكة بين عامي 1982 - 1985 ومع بداية حكم الرئيس مبارك، هل تعتقد أن سياسة الانفتاح أتت بنتائج سلبية على الاقتصاد المصري وخلقت مراكز قوى حينها؟

- حينما اعتمدت سياسة الانفتاح كانت الرؤية غير واضحة وأخذ الانفتاح للأسف في عهد السادات اتجاها استهلاكيا وساهم في ذلك تدفق أموال كثيرة على الاقتصاد المصري، ولم تنجح السياسة المصرية في تحويل هذه التدفقات إلى مشاريع إنتاجية، بل تحولت مصر كلها إلى مستوردين، وهناك حلقة فقدت في المنتصف، وحينما توليت الوزارة كانت أول مذكرة كتبتها هي كيف نحد من النمط الاستهلاكي وكيف نحد من توحش تجار العملة في السوق المصرية، ولكن هذه التعديلات أغضبت مراكز القوى كالبنوك وتجار العملة أنفسهم والمستوردين، وقد دفع تجار العملة لصحافيين حتى يشتمونني.

* كيف تفسر استبعادك من الوزارة؟

- مراكز القوى هي من أخرجتني من الوزارة، بعد أن تعارضت سياسات الوزارة مع مصالحهم، ورئيس الوزارة كمال حسن علي كان رجلا طيبا ولكن فكره الاقتصادي كان محدودا، وعلاقاته في ذلك الوقت بوزراء ورجال البنوك الكبار وقد أفهموه أن هذا الوزير هايضيع البلد لدرجة أن أحد أصدقائي قال لي إنه تم اتهامي بأني شيوعي! بل الأدهى والأمرّ أن الكاتب الصحافي مصطفى شردي اتهمني بقلة الأدب بسبب صورة نشرت لي في لقاء غير رسمي مع الرئيس مبارك ورئيس بنك أوف أميركا الذي كان يعمل به في حينها جمال مبارك حيث كنا كلنا نضع رجلا على رجل، فخرج شردي واتهمني بأني رجل قليل الأدب، وأعتقد أن هناك سببا آخر هو أنني كنت ضد المنطقة الحرة ببورسعيد وشردي كما هو معلوم من بورسعيد.

* هل تعرضت للسجن في فترة ما بسبب مواقفك الإصلاحية في وزارة الاقتصاد؟

- كان ذلك في انتخابات عام 1987 ووقتها تدخل وزير الداخلية زكي بدر بالاتفاق مع الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب آنذاك لتزوير النتائج ضدي، على الرغم من إعلان نجاحي، وذلك بسبب إصراري على اتهام شقيق المحجوب بتزوير توقيعاتي على طلبات تجار العملة برد المبالغ المضبوطة لديهم أثناء رئاستي لوزارة الاقتصاد، فهاجمتهم واتهمتهم بالتزوير العلني وبالفعل تم حبسي 4 أيام ثم جدد لي 45 يوما، ولكن الذي أفرج عني وقتها رئيس الوزراء الدكتور عاطف صدقي بعد أن توسط لدى الرئيس السابق مبارك.

* كنت أحد المقربين من الرئيس المصري السابق، كيف تقيم تجربته وهل توقعت حجم الفساد الذي تكشف بعد الثورة؟ - نعم كنت مقربا من الرئيس السابق، وللأمانة في الفترة الأولى لتوليه الرئاسة كانت لديه نوايا طيبة كثيرة، ولكن بمرور الوقت تغير الحال، وآخر مرة رأيته فيها وجها لوجه عام 2005. أما فيما يتعلق بالفساد فقد كان معروفا تماما أن جمال وعلاء نجلي الرئيس لهم شركات ولهم نشاط اقتصادي واضح جدا، ولكن هل هذه الشركات وهذا النشاط الاقتصادي يستند إلى أعمال مشروعة أم غير مشروعة القضاء وحده هو من سيحكم في ذلك.

* وأين كانت تذهب تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات والجهات الرقابية الأخرى؟

- ضاحكا.. في الأدراج طبعا.

* من أكثر الملفات التي تعرضت لانتقادات واسعة ملف تصدير الغاز الطبيعي إلى إسرائيل، هل ستتمكن مصر من رفع سعره كما يطلب البعض الآن؟

- يبدو أن في العقود المبرمة مع إسرائيل لا يوجد بها بند يختص بإمكانية رفع الأسعار وفقا لمتغيرات السوق العالمية، خاصة أن الاتفاقية موقعة منذ 15 عاما تقريبا وإسرائيل اشترت وقتها البرميل عند حدود 60 دولارا واليوم يتعدى سعره 110 دولارات، ولكنني أعتقد أن الجانب السياسي بين مصر وإسرائيل يمكن أن يفتح طريق حل، فإسرائيل من مصلحتها أن تحافظ على علاقتها مع مصر في إطار طيب، خاصة بعد الثورة خوفا من تزايد الضغط الشعبي لفسخ العقد، ولو حدث ذلك لن تستطيع الحكومة العمل بمعزل عن الإرادة الشعبية.

* وفي تقديرك لماذا لم يتم إضافة بند يسمح لمصر ببيع الغاز الطبيعي وفق أسعاره العالمية؟

- إما نتيجة جهل أو أن هناك مصلحة خاصة لبعض الأشخاص في الدائرة التي اتخذت هذا القرار، فعدم وجود هذا النص يعني أن هناك مصلحة في عمولة أو شيء من هذا القبيل لا يوجد تفسير آخر.