رئيس شركة «تمكين للتطوير العقاري» لـ «الشرق الأوسط»: الفقر السكني أخطر تحد يواجه السعودية

حامد بن حمري: يجب تحويل صندوق التنمية العقاري إلى بنك إسكان

حامد بن حمري
TT

رأى خبير عقاري أن الوقت مناسب لإنشاء وزارة معنية بقضايا الإسكان في السعودية، خصوصا بعد حزمة القرارات الملكية التي أعلنت مؤخرا، وهدفت إلى محاصرة الأزمة السكنية التي يعانيها معظم مواطني المملكة، داعيا إلى استكمال التشريعات والنظم الجديدة للدفع بالخيارات المتاحة وإيجاد حلول جذرية لتمكين المواطن السعودي من إيجاد السكن المناسب له.

ودعا المهندس حامد بن محمد بن حمري الرئيس التنفيذي لشركة «تمكين للاستثمار والتطوير العقاري» في حوار مع «الشرق الأوسط» إلى أهمية إشراك القطاع الخاص في تطوير وبناء أحياء نموذجية، من خلال تطوير أراض حكومية تطرح للمناقصة وتوضع لها ضوابط وشروط تكفل بناء مساكن على أفضل المواصفات، مع توفر كافة الخدمات التي يتطلبها المواطن. وكشف بن حمري أن بيروقراطية الجهات الحكومية تسهم في الحد من إيجاد الحلول العاجلة لما سماه الفقر السكاني الذي تعاني منه السعودية، التي تحتل مرتبة متأخرة عالميا في هذا الجانب، كون 78 في المائة من المواطنين لا يملكون مساكن. مشيرا إلى أن استمرارية الوضع قد تنتج عنها أضرار ومشكلات اجتماعية ونشوء المساكن العشوائية.

وتطرق بن حمري لكثير من الموضوعات والمشاريع التي تبنتها شركته.. وإلى نص الحوار:

* بداية كيف تقرأ تأثير حزمة القرارات المتعلقة بالسكن التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين مؤخرا؟

- كعادته دائما في مكافحة الفقر، أصدر خادم الحرمين الشريفين جملة من الأوامر التاريخية، ومنها رفع قيمة القرض المقدم من الصندوق العقاري للمواطن إلى 500 ألف ريال، وهو أمر كان متوقعا منذ زمن، إلا أن اعتماده راوح بين مجلس الشورى وجهات حكومية أخرى، دون نتيجة، حتى قطع الملك الشك باليقين، مؤكدا أن مثل هذه القرارات لا تحتمل التأجيل، كذلك أمر بإنشاء 500 ألف وحدة سكنية واعتماد مبلغ 250 مليار ريال (66.6 مليار دولار) للشروع في البناء، وهذه القرارات سترفع من نسبة تملك المواطن للسكن إلى أكثر من 40 في المائة، فكثير من المطورين ومتابعي شؤون السكن والمسكن في قطاع الإسكان السعودي يعرفون أن نسبة تملك المواطنين السعوديين لا تتجاوز 22 في المائة حسب الإحصاءات المتناثرة وفقا للتقارير والإحصاءات، وهي من أقل نسب التملك في العالم، وتقع تحت خط فقر الإسكان العالمي، نعم قبل أيام كان لدينا فقر إسكاني مخيف قبل قرارات الملك، والآن يقود خادم الحرمين بنفسه أول الخطوات الجبارة في مكافحة الفقر الإسكاني للشعب السعودي، وهنا لا بد لنا من مطالبة الوزارة الجديدة بالتحرك السريع والمرن والعمل بطرق مختلفة وبآلية جديدة، على رأسها تقديم استراتيجية واضحة لإنجاز هذا الهدف، لأن بناء 500 ألف وحدة سكنية ليس بالأمر اليسير، حتى مع توفر أي مستوى من السيولة، ولا يمكن أن تنفذ خلال ثلاث أو خمس أو عشر سنوات. فلا يوجد بالبلد مقاولون يستطيعون القيام بهذا الأمر، فإن استعانوا بالمقاولين الكبار فمن المؤكد أن التكلفة تصبح عالية وغالية، ولا أعتقد أن صغار المقاولين لديهم الكفاءة، ولا نعلم كيف سيكون الأمر بين الوزارة وبين الوزارات الأخرى، وشخصيا أعتقد أن الوزارة سوف تعاني من بيروقراطية الوزارات والجهات الحكومية في توفير الأراضي والخدمات والبنية التحتية.

* بماذا تنصح لمواجهة كل هذه المشكلات؟

- من خلال النظر إلى حزمة القرارات المتعلقة بالسكن والتي وردت في القرارات الملكية يتضح أن الدولة أخذت المبادرة، وعلى أعلى المستويات، فهي المعني الأكبر بالفقر السكاني الذي أتحدث عنه، وذلك من خلال إيجاد تشريعات تستهدف دعم المشاريع السكنية والتمهيد لإيجادها من خلال التحرك في عدة اتجاهات استراتيجية وتشريعية ومالية مما يجعلنا أمام ظروف ملائمة لإنشاء وزارة متخصصة بالإسكان تضم كل الهيئات والمؤسسات الحكومية المعنية، فقطاع الإسكان بحاجة إلى وزارة مستقلة، تتعاون معها جميع الوزارات الأخرى، خاصة وزارتي الصحة والتعليم اللتين تضمان شريحة كبيرة من الموظفين، وانتهاء بالوزارات الأقل، على أن تضع كل وزارة برنامجا إسكانيا، وتحويل صندوق التنمية العقاري إلى بنك إسكان يمنح المواطن قرضا على حسب دخله وفق ضوابط معينة.

* وما الدور الذي سيلعبه القطاع في تلك الشراكة التي تدعو لها؟

- سيكون دورا تكامليا دون شك، كون الدولة تحدد مخططات بمساحات كبيرة وتطرحها للمناقصة أمام المطورين العقاريين، على أن يتولى المطور تولي التخطيط وبناء حي نموذجي متكامل من بنية تحتية ومرافق ومدارس وجامعات ومستشفيات على أن ترسي المناقصة على الشركة التي تقدم العرض المميز والمناسب، ووضع آليات معينة، خاصة أن شركات التطوير تملك التمويل والخبرة والكفاءات البشرية، ومن خلال هذه الخطط بالإمكان تقديم سكن مميز ومناسب وعلى قدر حاجة المواطن، وعلى الدولة أن تقدم له الدعم كي تقوم الجهات المعنية بدورها وتنفيذ المطلوب في الوقت المطلوب.

* ما الأسباب من وجهة نظرك لعدم تملك 78 في المائة من المواطنين للسكن؟

- ربما يعود ذلك لعدم التفات الجهات المعنية في القطاعات الحكومية لقضية الإسكان منذ البداية، وعدم وجود رؤية واضحة لحل هذه المشكلات، ناهيك عن البيروقراطية الحكومية، حتى أن الحلول السابقة كانت سيئة جدا، ومشاريع الإسكان التي طرحت لم تكن ملائمة أو مواكبة لمجتمعنا. في حين أهملت بعض المجمعات السكانية وأصبحت تعاني من مشكلات اجتماعية واقتصادية ومأوى للعوائل المنعدمة الدخل. كما أن الوزارات والقطاعات الحكومية لم تبادر لدعم موظفيها في هذا الجانب، من خلال وضع برامج إسكان لهم على غرار بعض الشركات والمؤسسات الحكومية، ولعل شركة «أرامكو السعودية» و«سابك» خير قدوة في هذا الجانب، في حين فتح صندوق التنمية العقاري أبوابه لكل سعودي (المستحق وغير المستحق)، وكان الأجدر تطوير آلية الصندوق العقاري، ومنح قروض بأكثر مما هو محدد سابقا (300 ألف ريال) قبل القرارات الملكية الأخيرة، وإيجاد ضوابط لتملك المسكن على أن يعطى المواطن قرضا حسب الراتب الشهري. والاستفادة من برامج الإسكان في الدول الأخرى وفي مقدمتها النموذج الكندي الذي حقق نجاحا كبيرا في تمكين المواطنين من تملك المساكن.

* ما استراتيجية شركتكم في المجال السكني؟

- في الواقع نحاول في شركة «تمكين» العمل بتوازن يلبي متطلبات الجميع، على أن نقدم المسكن للمواطن بأقل الأسعار، ولكن بأسلوب حياة أفضل من خلال التصاميم الحديثة التي تفي برغبة واحتياج المواطن السعودي، وتلبية جزء من الطلب على الوحدات السكنية، خاصة أننا نعاني من فقر سكني، كما أشرت سابقا، حيث إن نسبة تملك المواطنين السعوديين للسكن لا يتجاوز 22 في المائة، وهي من أدنى النسب في العالم. وهذا مؤشر خطير، وعدم الإسراع لإيجاد الحلول، قد يؤدي إلى نشوء المساكن العشوائية وتكريس وتكاثر الطبقة الشعبية في أماكن غير مناسبة، عطفا على الانعكاسات السلبية في جوانب مختلفة سواء كانت أمنية أو اجتماعية أو اقتصادية.

* ما المشاريع المطروحة الآن لدى «تمكين»؟

- تأسست شركة «تمكين» نهاية 2009 برأسمال 120 مليون ريال (32 مليون دولار)، وتهدف إلى توفير المسكن الاقتصادي للمواطن، ومحاولة إيجاد حلول للأزمة السكانية في السعودية، حيث طرحنا المشروع الأول (تلال الدوحة) في العام الماضي ويتضمن أكثر من 64 فيلا، وسيتم اكتمال المشروع في نهاية العام الحالي، وخلال المرحلة المقبلة سيتم البدء في تنفيذ مشروع الراكة الذي يتكون من 220 وحدة سكنية وباستثمارات في كلا المشروعين تصل إلى 300 مليون ريال (80 مليون دولار).

* هل لك أن توضح لنا الدراسة التي قامت بها «تمكين» لإيجاد حلول وبناء مساكن اقتصادية؟

- في الواقع، هناك تقصير في البحث عن آليات أو تقنيات لإيجاد المسكن الرخيص، حيث ما زال 99 في المائة من المشاريع السكانية تعتمد على الخرسانة والحديد المسلح، وينقصنا في هذا الجانب مراكز للأبحاث لتقنيات البناء لتوفير التكلفة وتشجيع استخدام بدائل مناسبة في جزء من البناء كالرمل والطين، ويقيني أن الحاجة فعلا أضحت ملحة لإنشاء مركز لتقنيات البناء بدعم من الدولة والقطاع الخاص لأنه سيعود بالنفع والفائدة.

ومن منطلق قلة الدراسات في هذا المجال فإن شركة «تمكين» تدرس كافة العناصر والمكونات الإنشائية بهدف رفع كفاءتها وتقليل التكلفة على المواطن قدر المستطاع، وقد استطعنا تحقيق نجاح ملموس في هذا المجال وصار أحد مميزات المنتجات السكنية التي تقدمها الشركة.

* وهل يمكن الاستفادة من تجارب أخرى لإيجاد بدائل في تقنيات البناء؟

- الدول الأخرى تضع أنظمة مساعدة، مع الأخذ في الاعتبار فوارق العادات والتقاليد، وفي أوروبا أو أميركا لديهم مساكن اقتصادية وبدعم من الدولة بشكل أو بآخر، كما أن المواطن أو الشاب في هذه الدول لا يحتاج أكثر من غرفة وصالة ومنافعهما في الغالب. ولكن في السعودية كان لا يتجاوز دعم الحكومة 300 ألف ريال، يستغرق الحصول عليها عشرات السنين، وهذا لا يكفي في هذا الزمن، لأنه لا يفي حتى بقيمة أرض سكنية. أضف إلى ذلك أن أنظمة الأمانة لا تساعد في إيجاد مساكن مرتفعة الأدوار، ومراعاة توفير الخدمات العامة مثل المواقف والبنية التحتية، وأعتقد أنه حان الوقت لبناء الوحدات السكنية بالارتفاعات في حدود ستة أو سبعة أدوار.

* نعود لمشاريعكم المطروحة الآن.. ما هي خاصية التصاميم ومكونات تلك الوحدات التي طرحتموها؟

- في الوقع كانت التصاميم مختلفة من فيلا إلى أخرى في أول مشروع تنفذه «تمكين»، وقدمنا منتج منزل متكامل على أرض في أغلى منطقة، هي تلال الدوحة بالظهران وبمبلغ مناسب مقارنة بمنافسينا، وذلك في حدود 900 ألف ريال (240 ألف دولار)، وذلك من خلال برنامج يعد الأول من نوعه في السعودية (كمل بيتك على كيفك)، حيث تتكون كل فيلا ومكوناتها من أربعة فراغات في الدور الأرضي ومثلها في الدور العلوي، مع ترك الحرية للمالك في تغيير تصميم الغرف على ذوقه أو احتياجه والتشطيب وفق رؤيته وإمكاناته، حيث إن تكلفة تكملة المنزل في حدود 200 إلى 250 ألف ريال، في حين تتراوح مساحات الفلل من 300 إلى 450 مترا مربعا. في حين صممت واجهات البيت بحيث تكون زجاجية وعازلة للحرارة والضوء، وتمكن صاحب المنزل من مشاهدة ما حوله وبطريقة وأسلوب معيشة جديد. إضافة إلى تجهيز البيت بنظام ذكي جدا فيما يتعلق بالجوانب الأمنية والستائر والنظام الصوتي المسرحي، والإمكانية متاحة لصاحب الفيلا أن يعمل نظام تشغيل التحكم عن بعد حتى في حالة عدم وجود صاحب المنزل في الخارج، من خلال الإنترنت.

* من الفئة المستهدفة لمشاريعكم؟

- دون شك نستهدف الطبقة الوسطى، ولكن للأسف الشديد فمع التضخم الحالي أصبح كثير من هذه الطبقة لا يستطيعون إكمال بناء المنزل لأن التمويل لا يشملهم سواء من الحكومة أو البنوك أو شركات التمويل العقاري، لأن كثيرا منهم لديهم التزامات إضافية وفقا لمتطلبات الحياة القائمة. خاصة الذين يتقاضون راتبا شهريا من 4 آلاف إلى 9 آلاف ريال، وهؤلاء يشكلون نحو 70 في المائة من الموظفين.

* ماذا عن المردود لهذه المشاريع التي تهدف إلى إيجاد مسكن اقتصادي؟

- لا شك أن من أهداف هذه المشاريع العائد الربحي للشركة، ولكن هناك أساليب وطرق تساعد على تقليل التكلفة من خلال استخدام الهندسة القيمية، التي تعتمد على عدم البذخ، خاصة فيما يتعلق بمواد التشطيب، أو ما يسمى التشطيب النظيف.

* هل التقشف في مواد التشطيب له تأثير سلبي على عمر المبنى؟

- ليس هناك تأثير سلبي لأن أساسات المنزل تنفذ على أعلى المواصفات والمقاييس المتبعة في المبنى، وتقليل التكلفة في التشطيب المعني به هو استخدام المواد أو أدوات التشطيب من بويات أو كهرباء أو سباكة في موقعها الصحيح. ونعطي ضمانات على المباني في حدود 20 سنة وكما هو متبع في السوق.

* وكيف ترون الطلب على الوحدات السكنية في المنطقة الشرقية؟

- الطلب على الوحدات السكنية عال جدا، والمنطقة الشرقية على وجه الخصوص تحتاج إلى ما لا يقل عن 28 ألف وحدة سكنية سنويا، وهذا رقم خيالي جدا. وهناك حاجة إلى نحو 170 ألف وحدة سكنية سنويا على مستوى السعودية بصفة عامة. وشركة «تمكين» تهدف إلى بناء مائة وحدة سكنية سنويا، على أن ننجز خلال الثلاث سنوات المقبلة نحو 300 وحدة سكنية في المنطقة الشرقية، قبل التوسع في الرياض وجدة.

* لكن يلاحظ أن خطط شركات التطوير لا تلبي حاجة الطبقة ما دون المتوسطة، فيما يتعلق بإيجاد مساكن بأسعار في متناول الجميع؟

- هذه شركات ربحية ولا اختلاف في هذا الجانب، ولو كان هناك مجال لإيجاد مساكن في حدود 500 ألف ريال، فلا أعتقد أن الشركات ستتردد، ولكن المشكلة التي نواجهها تتمثل في الارتفاع الفاحش لسعر الأراضي، فارتفاع الأسعار هو بمثابة مسمار في نعش الإسكان، وهذا الوضع ناتج عن المضاربات على الأراضي بين مجموعة من التجار، واحتكارات واسعة بين مجموعة قليلة من العقاريين، إضافة إلى تحديد النطاق العمراني، حيث إن سعر الأراضي التي يصل سعرها نحو 250 ألف ريال داخل النطاق العمراني، تجد أرضا مماثلة لها في حدود 15 ألف ريال خارج النطاق، ولك أن ترى هذا البون الشاسع في السعر.

* كيف ترى المشاريع السكنية القائمة حاليا؟

- المشاريع السكنية تسير وفق خطين متوازيين، الخط الأول هم المطورون الأفراد أو الذين ينفذون وحدات سكنية محدودة جدا كتطوير ذاتي، الخط الثاني يتعلق بشركات التطوير التي لديها مشاريع تتراوح من 200 إلى 500 وحدة سكنية. لكن مهما حاولت تلك الشركات فهي لا تستطيع تلبية الطلب، وذلك لمشكلات التمويل للطبقة المستهدفة. للظروف التي يمر بها كثير من الموظفين على وجه الخصوص.

* كيف تقيم الاستثمار في القطاع السكني؟

- الاستثمار في الوحدات السكنية مجد وله عوائد جيدة، خاصة أن الطلب يفوق العرض، والتطوير مطلب بل حلم لدى شركات التطوير، لكن هناك معوقات تواجههم، إضافة إلى عدم كفاءة كثير من المقاولين وارتفاع أسعار الأراضي.

* ماذا عن الاستثمار الأجنبي في قطاع الإسكان؟

- الاستثمار الأجنبي في المشاريع السكنية فاشل وهناك شركات نفذت مشاريع وفشلت في مختلف مناطق السعودية. وبعضها بطيئة في التنفيذ، خاصة فيما يتعلق بالمشاريع العملاقة، ويبدو أن بيروقراطية الحكومة من أهم العوائق.