العجز المالي في بعض الأقاليم يزيد المخاوف بشأن إسبانيا

في مقدمتها إقليم كتالونيا الغني

TT

تم الانتهاء من بناء أربعة مراكز تتسع لـ154 من المعاقين ذهنيا وجسديا في مدينة برشلونة. وعلى الرغم من افتتاح تلك المراكز التي بلغت تكلفة إنشائها 14.4 مليون يورو، بما يعادل 21 مليون دولار، فإنها تعد ضمن 10 مشاريع متوقفة لمراكز اجتماعية وصحية في المدينة. ولا يمتلك المجلس المحلي لإقليم كتالونيا، التي تعد مدينة برشلونة العاصمة الحيوية الساحلية له، المال الكافي لتشغيل تلك المراكز. وعلى الرغم من شهرة المدينة بنشاطها الاقتصادي والشهرة العالمية لشواطئها الذهبية، يواجه إقليم كتالونيا عجزا ماليا لم يعق فقط توجهها نحو الحصول على المزيد من الاستقلال عن إسبانيا، لكن يزيد من المخاوف بشأن الالتزام المالي المتذبذب في السوق بين أقاليم إسبانيا السبعة عشر.

أسهمت عدم قدرة إقليم كتالونيا، إضافة إلى ثمانية أقاليم أخرى، على تجاوز العجز في موازنة عام 2010، في تعزيز المخاوف بشأن استمرار المشكلات المالية طويلة الأمد التي تواجهها إسبانيا على الرغم من التحسن الملموس على المستوى المحلي. وتراجع أداء إقليم كتالونيا، الذي كان أحد أغنى الأقاليم وأكبر الأقاليم الصناعية في إسبانيا.

وتواجه الحكومة التي تم انتخابها مؤخرا مهمة عسيرة تتطلب خفض العجز في الموازنة، بمقدار الثلثين خلال العام الحالي للاقتراب من تحقيق الأهداف التي وضعتها الحكومة المركزية. في الوقت ذاته تزداد تكاليف الاقتراض، مما يزيد من حجم الدين الثقيل. وقال أندرو ماس كوليل، وزير المالية في حكومة إقليم كتالونيا، خلال مقابلة: «كان وضعنا المالي صادما بالنسبة إلى عامة الناس». ويعتزم وزير المالية خفض الإنفاق الحكومي بنسبة 10 في المائة خلال العام الحالي، لكنه ما زال يعتبر احتمال اقتراض نحو 11 مليار يورو قائما. ويمثل إقليم كتالونيا الذي يقترب من حجم اقتصاد البرتغال 16 في المائة من سكان إسبانيا و19 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للدولة و27 في المائة من صادراتها.

وطبقا للإحصاءات التي أعلنها بنك إسبانيا في ديسمبر (كانون الأول)، تبلغ قيمة ديون كتالونيا 30.3 مليون يورو وتمثل 28 في المائة من حجم الدين الإسباني. ووصل العجز في موازنة الإقليم إلى 3.9 في المائة من المخرج العام الماضي، مقارنة بالنسبة المستهدفة وهي 2.4 في المائة. ويعد العجز الذي يواجهه الإقليم كجزء من المخرج رابع أكبر عجز، وثاني أكبر نسبة دين بين الأقاليم السبعة عشر. وفي تحذير «من التحديات التي ستستمر خلال العام الحالي»، خفضت وكالة «موديز» الشهر الماضي تصنيف دين إقليم كتالونيا، بالإضافة إلى ثلاثة أقاليم والدين السيادي لإسبانيا. وكذلك خفضت وكالة التقييم الائتماني تصنيف دين محافظة برشلونة.

ولا تختلف الصعوبات التي يواجهها إقليم كتالونيا كثيرا عن الصعوبات التي تواجهها إسبانيا بسبب الركود الاقتصادي الذي نتج عن الأزمة المالية العالمية التي تزامنت مع انفجار فقاعة العقارات التي جعلت المصارف تستعين باحتياطي الديون المعدومة. فضلا عن ذلك، أشار ماس كوليل وآخرون إلى تواني الحكومة عن أداء واجبها خلال الأشهر التي سبقت إجراء الانتخابات العام الماضي، في محاولة للحفاظ على تماسك ائتلافها الهش المكون من ثلاثة أحزاب.

وقال ماس كوليل: «لم تبدأ الإصلاحات المالية التي كان يدرك أي شخص عادي ضرورتها منذ عامين، في الوقت الذي كان ينبغي أن تبدأ فيه. كذلك لم تبدأ بعض منها إلا مؤخرا».

لكن حكومة إقليم كتالونيا الجديدة لم تسمح للعجز المالي أن يقوض توجهها نحو الحصول على مزيد من الاستقلال. وقد زادت الصعوبات المالية التي يواجهها الإقليم من توتر النظام السياسي الإسباني اللامركزي. واتخذ خوسيه لويس رودريجيز ثباتيرو، رئيس الوزراء، الشهر الماضي إجراءات إنقاذ لتوفير الطاقة، وذلك للحد من ارتفاع أسعار النفط. ومن ضمن هذه الإجراءات إعطاء أوامر للأقاليم بخفض تذاكر القطارات بنسبة 5 في المائة من أجل تشجيع الناس على استخدامها كوسيلة مواصلات. وقاد إقليم كتالونيا حملة لمناهضة هذه الإجراءات، ورفض تحمل أي عبأ مالي في وقت ترتفع فيه تكاليف تشغيل وسائل المواصلات.

واتهم ماس كوليل حكومة ثباتيرو بتبني سياسة الكيل بمكيالين قائلا: «لقد تم انتقادنا في البداية بسبب حجم الإنفاق الكبير، ثم تم اتخاذ إجراء يلزمنا بالدفع». يرى الكثير من المعلقين أن المشكلة لا تكمن في زيادة الإنفاق، أو سوء إدارة الموارد في الماضي، لكن في نظام التمويل في الدولة الذي ترك إقليم كتالونيا يسهم بـ10 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لدعم الأقاليم الأكثر فقرا من خلال الضرائب التي تجمعها الحكومة المركزية في مدريد.

وقال سلفادور غارتشا رايز، أحد مؤسسي «إما إنيشياتيف» المؤسسة التي تدعم مصالح إقليم كتالونيا: «يتزايد الاعتراف في أنحاء إسبانيا بعدم فاعلية نظام تمويل الأقاليم. ونحن أول من نوافق على ذلك، لأننا من نندفع لهذا الحزب».

لكن يتوقع بعض رجال الصناعة أن ينتعش إقليم كتالونيا على نحو أسرع من باقي الأقاليم لانفتاحه على الأسواق الخارجية.

وقال جواكيم بويارو، المسؤول التنفيذي بشركة «إريستال» للمعدن غير القابل للصدأ ومقرها في ضواحي برشلونة: «لقد تأثرنا بشكل أكبر بفترة الركود، لأن الإقليم مركز صناعي، لكن لدينا القدرة على التعافي على نحو أسرع والاستفادة بشكل أكبر من الزخم الذي تشهده ألمانيا والدول الأخرى».

وفي أعقاب خفض تصنيف الدين، كان أكثر ما يثير قلق إقليم كتالونيا هو كيفية توفير أموال إضافية بشروط مقبولة. وفي مارس (آذار)، كان على حكومة الإقليم التخلي عن خطط بيع 500 مليون يورو من الديون لمؤسسات بعد إخفاقها في جذب الطلب الكافي. وقال لويس دي غويندوز، مدير مركز «فاينانشيال سيكتور» وهو معهد مقره في مدريد، وتابع لـ«برايس واتر هاوس كوبرز» وكلية «آي إي» للأعمال: «لقد اقترض إقليم كتالونيا بتكلفة اقتربت من اليونان. ولا يمكن الاستمرار في ذلك. ليست مشكلة كتالونيا في حجم الدين لكن في الافتقار إلى المصداقية وعدم إحكام الحكومة المركزية السيطرة على الأقاليم الأخرى».

في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي قبيل إقالة الحكومة الائتلافية للإقليم قامت ببيع سندات بقيمة 3 مليارات يورو لمواطنيها. وكان هناك طلب كبير على ذلك، لكنه واجه انتقادات من خبراء في الاقتصاد بسبب السعر. تم بيع السندات لأجل عام بمعدل فائدة نسبته 4.75 في المائة، وقامت الحكومة بدفع رسوم نسبتها 3 في المائة للمصارف التي أصدرت تلك السندات. وأوضح قائلا: إن هذه الشروط الكريمة مثلت «سابقة من نوعها لم أكن أفضل أن تحدث».

ومع اقتراب موعد انتخابات المجالس المحلية المقرر إجراؤها في مايو (أيار)، كان لتقشف حزبه تأثير مباشر على المجالس المحلية مثل مجلس برشلونة، نظرا لاضطلاع حكومة الإقليم بتقديم خدمات في مجالات الصحة والتعليم، مما أدى إلى تعطل مشاريع مثل تلك الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة.

وقال غوردي ويليام كارنيز، نائب عمدة برشلونة المسؤول عن الخزانة: «كانت المشكلة عدم توافر البنية التحتية». ويشير حاليا إلى عدم توافر الأموال اللازمة لتشغيل تلك المرافق.

امتدت سياسة التقشف إلى نادي برشلونة الذي يمجده أكثر سكان إقليم كتالونيا. في الخريف الماضي تخلى فريق من المديرين الجدد عن تجديد استاد «كامب نو» بعد إدراك أن النادي لن يستطيع تحمل دفع تكاليف إقامة المشروع التي تبلغ 300 مليون يورو. وقد تولى نورمان فوستر، المهندس المعماري البريطاني تصميم الاستاد.

وقال فرانسوا باديلون، مدير فرنسي للصندوق عمل في برشلونة خلال الأعوام الثلاثة الماضية: «تريد برشلونة أن تتمتع بمكانتها كعاصمة، لكن الحصول على تلك المكانة يتطلب إنفاق الكثير من المال. البنية التحتية أكبر مما يحتاجه الناس».

* خدمة «نيويورك تايمز»