عمالقة التكنولوجيا يحثون أثرياء الهند على التوجه نحو العمل الخيري

مع مغادرة البلاد لخريطة الدول التي تحتاج إلى المساعدات

بلغت جملة الإنفاق في الأعمال الخيرية التي قامت بها شركات هندية 7.5 مليار دولار عام 2009 («الشرق الأوسط»)
TT

واصل عملاق التكنولوجيا بيل غيتس والملياردير وارين بافت أثرى رجلين في العالم، جولة مساعيهما الخيرية في تحفيز أصحاب الثروات في العالم إلى التبرع لصالح الأعمال الخيرية لتصل إلى الهند، ثاني أكبر أسرع اقتصادات العالم نموا، ليحصلا على وعد من كبار رجال الأعمال الهنود في المساهمة في الأعمال الخيرية لا مجرد الربح فقط. ففي دولة تبلغ نسبة الأفراد الذين يعيشون تحت خط الفقر فيها 27.5 في المائة، يملك أغنى 50 مواطنا فيها ما يقرب من خمس اقتصادها، الذي يبلغ حجمه 1.3 تريليون دولار. لكن على الرغم من ذلك، بلغت جملة الإنفاق في الأعمال الخيرية التي قامت بها هذه الشركات، بحسب تقييم شركة «بيان أند كو للاستشارات»، 7.5 مليار دولار عام 2009، وهو ما يوازي 0.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وقد شهد العام الماضي إعلان عظيم بريمجي رئيس مجلس إدارة شركة «ويبرو» تخصيص ملياري دولار للمشاريع التعليمية والاجتماعية. إضافة إلى ذلك، تبرع أناند ميهاندرا رئيس شركة «ميهاندر»، ونارايانا مورثي رئيس شركة «إنفوسيستمز» وراتان تاتا رئيس مجموعة «تاتا غروب» بعشرة ملايين و5 ملايين و50 مليون دولار على التوالي، إلى جامعة هارفارد لاستكمال مشروعها العام الماضي. تأتي خطوة بريمجي، الأكبر من نوعها في مجال العمل الخيري في الهند، في وقت تواجه فيه الشركات الهندية انتقادات قوية بشأن عدم رغبتها في المساعدة للتخفيف من آلام الأفراد الأقل حظا. كانت عودة سوق الأسهم الهندية إلى الارتفاع مرة أخرى خلال العام الماضي وباقتصاد ينمو بنسبة 8.5 في المائة سنويا، قد عززت من ثروات أثرياء الهند. فخلال العام الماضي لم تشمل قائمة فوربس سوى 49 مليارديرا من الهند فقط، أما العام الحالي فقد وصل العدد إلى 55 مليارديرا وهو ما يعد رقما قياسيا جديدا للهند. زيارة وارين وغيتس إلى الهند لحث المسؤولين الهنود على المشاركة في الأعمال الخيرية جاءت متوافقة مع مغادرة الهند لخريطة الدول التي تحتاج إلى المساعدات، حيث يتوقع العالم من الهند الآن أن تكون مساعدة فقرائها داخلية عبر قائمتها الطويلة من المليارديرات. في الوقت ذاته شهد عدد الأفراد الذين يحصلون على صافي دخل مرتفع زيادة بنسبة 11 في المائة سنويا منذ عام 2000، بلغت العام الحالي 125.000.

بيد أن هذه الثروات على ما يبدو ليست كافية بالنسبة لهم لزيادة الإنفاق في أوجه الخير. فعشرة في المائة فقط من الأموال الموجهة للأعمال الخيرية تأتي من الأفراد والشركات. وتتكفل الحكومة بـ65 في المائة من أموال التبرعات الخيرية، فيما تشرف وكالات الإغاثة على البقية. وتعتبر مجموعة «تاتا» استثناء نادرا بين الشركات، فهي لا تمول المنظمات غير الحكومية. وعلى الرغم من عدم توافر تقديرات محددة بشأن ثروات الأثرياء في الهند، تشير تقييمات تقرير فوربس إلى أن مجموع ما يبلغه الخمسة والخمسون مليارديرا هنديا ما يقرب من 246 مليار دولار، أو ما يقرب من 14.1 من الناتج المحلي الإجمالي للهند. وتشير تقديرات باين إلى أن أعمال الخير في الهند تشكل نحو 0.6 في المائة من الإنتاج المحلي الإجمالي مقارنة بـ2.2 في المائة بالنسبة للولايات المتحدة، عشر هذه التبرعات تأتي من الأفراد والشركات مقارنة بـ75 في المائة بالنسبة للولايات المتحدة. وتشير باين إلى أن 65 في المائة من أعمال الخير تأتي من جانب الحكومة. وفي إطار مجالات العمل الخيري غير المقيد، تقوم الشركات الهندية بتقديم المساعدات عبر مؤسساتها الخاصة، فبدأت مؤسسة الاتصالات الضخمة «إيرتل» التابعة لمؤسسة «بهارتي» خطتها الخيرية الرائدة عام 2006. وتدير المؤسسة في الوقت الراهن 242 مدرسة ابتدائية في شمال الهند والبنغال الغربية وكيرالا. وتعمل المؤسسة الآن على اجتذاب متبرعين آخرين، وأشار ممثل المؤسسة إلى أن شركة «غوغل» تبرعت بمبلغ مليون دولار. علاوة على ذلك اختار رجال الأعمال الآخرون تبني مدرسة أو عقد شراكة مع المؤسسة، توظف المؤسسة 1200 معلم لإدارة مدارسها وبعض المدارس الحكومية التي تشارك في جزء من تمويلاتها. وقال عظيم بريمجي: «إنها مهمة حساسة بالنسبة للأثرياء أن يقدموا من أجل بلادهم». بيد أن رجال الأعمال الآخرين كانوا من السرعة بحيث أشاروا إلى أصحاب الشركات بأن ينفقوا مبالغ ضخمة على القوى العاملة والمدارس ومنشآت الرعاية الصحية في المدن التي توجد بها مصانع الصلب والمناجم ومصانع تكرير النفط التابعة لهذه الشركات. يقول أحد كبار المديرين التنفيذيين لمجموعة إنتاج الحديد الصلب ومقرها مومباي: «أعمال الخير هذه تأتي ضمن تكلفة أعمالنا. فالشركات الغربية لا تنفق على كل هذه النشاطات، يمكننا القيام بأعمال الخير بالنسبة للآخرين بعد العناية بشكل خاص بعمالنا». بيد أن الحقيقة هي أن أيا من الأثرياء الهنود لم يتمكنوا من المنافسة مع هذا النوع. المعيار الذي وضعه بافت لهم - في التخلي عن 99 في المائة من ثرواتهم لأعمال الخير والإحسان - الذي لا يزال رسالة قوية بالنسبة للقليلين نظرا لأن العديد من الشركات الهندية بدأت في الالتفات إلى الحاجة إلى القيام بأعمال الخير. خلال الأسبوعين الماضيين، تعهدت كثير من الشركات الهندية بتقديم ملايين الدولارات لأعمال الخير. وقد تعهد غراندي مالك «آرجونا راو» (60 عاما) مؤسسة شركة «جي إم آر» للبنية التحتية ومقرها بنغالور، بتقديم 340 مليون دولار لإقامة مؤسسة للأنشطة الإنسانية. جاء إعلان راو في اليوم الذي بدأ فيه بافت رحلته إلى الهند في بنغالور، حيث أعلن رئيس الشركة الذي لم يكن يكترث بشدة للحصول على التبرع، عن مبادراته الخيرية. كما تعهد راجيش ميتا من شركة «مجوهرات راجيش إكسبورتس»، بتقديم 5 في المائة من دخل الشركة إلى أعمال الخير. وكانت الشركة تتبرع بشكل متواضع للإنفاق على التعليم في المناطق المحرومة، لكنها تتطلع الآن إلى تقديم المزيد من التمويلات. أما شركة «بيرمال هيلثكير» فسوف تقدم ملياري روبية لتدريب المعلمين ومديري المدارس الحكومية، وتوفير مياه الشرب في القرى وبرامج الرعاية الصحية عبر شاحنات متنقلة. إضافة إلى ذلك تبرعت زوجت إيل تيان آشا موتواني بمبلغ 1.5 مليون دولار في ذكرى رحيل زوجها راجيف موتواني. نموذج المسؤولية الاجتماعية للشركة لا يزال يتطور هنا في الهند وتم تشجيعه ذلك من قبل الحكومة، لكن لا تزال هناك مشكلة. فقد أعرب أثرى أثرياء الهند عن تحفظاتهم بشأن أي تشريع، يمكن أن يوجب ذلك إلزامية العمل الخيري. فقد اقترحت الحكومة الهندية في قانون الشركات الجديد ضرورة إنفاق الشركات 2 في المائة من عائداتها على الأنشطة الخيرية. بيد أن كبار قادة الشركات الهندية يعارضون مثل هذا التشريع قائلين إن ذلك سيوجب عليهم مسؤوليات غير ضرورية. ونتيجة لهذه المعارضة والضغوط التي مورست من قبل جماعات الضغط الموالية للشركات فشلت الحكومة في تقديم مقترح القانون الجديد أمام الدورة الحالية للبرلمان وأشارت إلى أن الأعمال الخيرية ستكون اختيارية لا إلزامية. وفي 20 أبريل (نيسان) 2010 أصدرت الحكومة الخطوط الإرشادية للمسؤولية الاجتماعية للشركات بالنسبة لشركات القطاع العام المركزي. وقد عبر قادة الشركات عن شكوكهم القوية بشأن إلزامية المسؤولية الاجتماعية للشركة، وأنها تمثل ضغوطا أخلاقية لا قانونية. وأخيرا وعلى الرغم من كونها مؤسسات غير حكومية، يجب أن تلام على لامبالاة الهنود في الدفع مقابل أعمالهم، إلا أن البعض يقول إنها لا تتسم بالكفاءة ولا تخضع للمحاسبة وهو ما يعطي القطاع سمعة سيئة.