وزير المالية السعودي: الإنفاق الحكومي سيؤثر إيجابا على التضخم في المدى البعيد

خبير اقتصادي لـ «الشرق الأوسط»: مشكلة التضخم لا تحتمل الانتظار

وزير المالية السعودي إبراهيم العساف (إ.ب.أ)
TT

أكد وزير المالية السعودي، أمس، أن الإنفاق الحكومي المرتفع سيكون إيجابيا على التضخم، لكن على المديين البعيد والمتوسط؛ إذ إن الإنفاق على توفير المساكن للمواطنين سيساعد في الحد من مشكلة ارتفاع الإيجارات، في حين قال إن الإنفاق المرتفع سيؤدي بالضرورة لزيادة الضغوط التضخمية.

وذكر إبراهيم العساف، وزير المالية السعودي، في تصريحات تلفزيونية أمس: «إذا كان هناك حجم كبير في الإنفاق يفوق قوة الاقتصاد فإنه وفقا للنظرية الاقتصادية سيؤدي إلى ضغوط تضخمية، لكن نأمل أن يكون الإنفاق في حدود الطاقة الاستيعابية للاقتصاد السعودي». وأضاف: «لكن عندما ننظر إلى المدى البعيد فإن تأثير هذا الإنفاق سيكون إيجابيا على التضخم». وأوضح الوزير السعودي أن السبب الرئيسي لارتفاع معدل التضخم في السعودية حاليا هو ارتفاع إيجارات المساكن، في حين أن الإنفاق الحكومي الهادف لتوفير مساكن للمواطنين سيساعد في علاج ذلك.

وقال العساف: إن عنصرا رئيسيا في ارتفاع المستوى العام للإنفاق هو تكلفة إيجارات المساكن، إلا أن المبالغ الكبيرة المخصصة للإسكان ستؤدي إلى انخفاض الأسعار على المديين المتوسط والبعيد. كما أشار العساف إلى أن البنوك السعودية تقوم بدور مهم في حركة الاقتصاد السعودي وأن مستويات الإقراض في البنوك السعودية تشهد نموا، مضيفا أن المصارف السعودية تقوم بدور رئيسي ومستوى الإقراض ينمو والبنوك مستعدة دوما للتمويل بتوازن بين المخاطرة واحتياجات الاقتصاد السعودي، ولا شك أن لها دورا مهما وكبيرا.

تأتي تصريحات العساف في الوقت الذي أشارت فيه تقارير اقتصادية عدة، من بينها تقرير صادر عن وكالة «فيتش» الألمانية، والبنك السعودي الفرنسي، إلى أنه من المرجح أن يزيد الإنفاق الحكومي إلى أكثر من 30% خلال عام 2011 على خلفية القرارات الملكية الأخيرة، في الوقت الذي تشير فيه التوقعات إلى تحقيق نمو في الناتج المحلي بنسبة 6% خلال عام 2011 بعد نموه بنسبة 3.8% في عام 2010.

أمام ذلك طالبت آراء اقتصادية بحلول آنية لمشكلة التضخم الآخذة في الازدياد، خصوصا بعد الأوامر الملكية الأخيرة التي زادت من تدفق السيولة بين الأفراد، وتأثيرات التضخم المستورد من خارج البلاد على أغلب السلع الموجودة داخل الأسواق السعودية.

الخبير الاقتصادي السعودي مطشر المرشد، قال لـ«الشرق الأوسط» معلقا على تصريحات وزير المالية: إن التضخم بحاجة لحلول آنية لتلافي تأثيراتها السلبية على المديين المتوسط والبعيد، مؤكدا أن التضخم يعتبر أمرا لا يحتمل الانتظار.

وحذر المرشد من تفاقم مشكلات التضخم لتصل إلى مرحلة تتقلص بها القوة الشرائية للريال، مبينا أنه من الأهمية بمكان إيجاد حلول آنية لمشكلات التضخم؛ حيث إن الحلول الجذرية التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين مؤخرا ببناء وحدات سكنية ودعم مشاريع الإسكان في البلاد للتخلص من مشكلات السكن تعتبر من الحلول طويلة المدى التي تعالج مشكلات غلاء الإيجارات، في حين أن التضخم بشكل عام لا يعني غلاء الإيجارات. وأشار الخبير مطشر المرشد إلى أنه من الأسباب التي زادت من ارتفاع مستوى التضخم في الأسواق السعودية: الغلاء العالمي بالنسبة للمواد الغذائية ومختلف السلع الأخرى، إلى جانب وجود طفرة شرائية، بعد الأوامر الملكية التي زادت من نسبة السيولة في أيدي الناس، مما ضاعف مشكلة التضخم، إضافة إلى ارتباط سعر صرف الريال بالدولار.

ويرى مطشر المرشد أن الحكومة السعودية تعاملت مع مشكلات الإيجارات والسكن بشكل واضح وصريح وبشكل قوي جدا، إلا أن مشكلة التضخم التي تعتبر مستوردة أكثر منها محلية ستتفاقم ويصبح التعامل معها عسيرا إذا لم توجد حلول عاجلة لها. واختصر الخبير الاقتصادي مشكلة التضخم بشكل عام في سببين، الأول: استمرار انخفاض أسعار صرف الدولار أمام العملات الأخرى؛ حيث إن السعودية التي تستورد أغلب وارداتها من أوروبا والصين والهند تتأثر بشكل مباشر عندما تنخفض أسعار صرف الدولار، لارتباط سعر صرف عملتها بسعر صرف الدولار، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض القوة الشرائية للريال، مما ينعكس على أسعار التكلفة في داخل السوق السعودية، وتصبح تكاليف الاستيراد على الموردين السعوديين أعلى كلما انخفض سعر صرف الدولار، مما يجعل التضخم في السعودية تضخما «مستوردا».

وزاد الخبير الاقتصادي: «ومن هذا المنطلق يكون من الأجدى إعادة تقييم سعر صرف أو إعادة تقييم سعر ربط الريال بالدولار بدلا من 3.75 ريال يصبح 3.20 ريال أو أقل، وبهذا يتم التوصل وبشكل سريع جدا للحد من ارتفاع نسب التضخم المستورد».

أما السبب الثاني، وفقا للخبير الاقتصادي، فهو استمرار صناديق استثمارية ضخمة في الدول الصناعية الكبرى في المضاربة على العقود الآجلة لأسعار السلع والخدمات من دواء وغذاء، إضافة إلى المواد الخام مثل البترول؛ حيث أشار الخبير السعودي إلى وجود مضاربة شرسة من قبل صناديق ومستثمرين كبار ينطلقون من الدول الصناعية الكبرى إلى جانب الصين والهند للمضاربة على الأسعار المستقبلية للسلع الأساسية من الأدوية والأغذية؛ لهذا ستستمر هذه المضاربة برفع تكلفة المنتجات الأساسية.

وقال الخبير السعودي: إن السعودية، التي تستورد أغلب احتياجاتها من الخارج، تحتاج إلى إعادة النظر في ربط سعر صرف الريال بالدولار، واتخاذ خطوات سريعة من حيث الاستثمار بالأمن الغذائي ومستقبله، وذلك بأن يكون هنالك صندوق يدار بمهنية عالية واحترافية ويقارع تلك الصناديق العالمية والبدء بتملك شركات بطريقة مدروسة ومالية.

ودعا، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى تكوين شركة كذراع استثمارية تسمى بصندوق أغراض خاصة (صندوق الملكية الخاصة)، يدار بشكل استثماري بحت، ويقوم هذا الصندوق بالاستحواذ أو الدخول بمشاركة شركات عالمية يكون نشاطها في الزراعة والأغذية، مضيفا أنه ومن خلال إجراء هذه الشراكات وتملك أسهم لهذه الشركات، يمكن للبلاد توجيه جزء كبير من المحاصيل لأراضيها وتكون شريكا في ملكية بعض المحاصيل. ولفت الاقتصادي السعودي إلى أن الأصوات التي تركز على أن ارتفاع سعر صرف الريال سيؤثر على الفوائض المالية للدولة في الدولار، يجب أن تنظر في المقابل إلى التكاليف التي تتكبدها ميزانية الدولة بالنظر للدعم الحكومي للدواء والغذاء.