قلق أوروبي من «فخ الديون».. وتساؤلات حول مدى نجاعة آلية الإنقاذ المالي

بعد ثالث أزمة ديون سيادية خلال أقل من عام

TT

للمرة الثالثة خلال عام يقوم الاتحاد الأوروبي بالإجراءات نفسها، المتمثلة في تبني خطة إنقاذ مالي لدولة مفلسة. وتسير البرتغال الآن على نهج اليونان وآيرلندا باتجاه مكتب الرفاه الأوروبي طلبا لمزيد من القروض بشرط خفض الإنفاق بشكل أكبر. وتعتبر هذه هي ثالث أزمة مالية سيادية تعانيها الأسواق. لكن ينبع قلق الكثير من خبراء الاقتصاد من عدم فاعلية صيغة الإنقاذ المالي التي يطبقها قادة الدول الأوروبية على أكثر الدول المدينة التي تتمتع بعضوية الاتحاد الأوروبي. وحصلت اليونان وآيرلندا كما ستحصل البرتغال الآن على مئات المليارات من الدولارات في صورة معونة أوروبية طارئة تساعدها على تجنب التخلف عن سداد الديون. لكن المعونة ليست سوى المزيد من القروض وأسعار الفائدة التي تدفعها تلك الدول مرتفعة حتى إن كانت أقل من سعر السوق الخاص. وتتراكم ديون تلك الدول بمرور الأيام.

فضلا عن ذلك يتضمن سعر الفائدة على تلك القروض التزاما بخفض الإنفاق الحكومي بشكل يتجاوز قدرة قادة تلك الدول أو رغبتها السياسية. أما فيما يتعلق بالدول التي تعتمد على قدر كبير من الإنفاق الحكومي في تحقيق النمو، فخفض النفقات سريعا يعني استمرار الكساد الاقتصادي أو حدوث ركود كامل، مما يجعل سداد كل دولار من الديون أصعب.

ويطلق خبراء الاقتصاد على ذلك «فخ الديون». ويتطلب الهروب من ذلك الفخ خفض قيمة العملة وهو ما لا يمكن أن يحدث في الدول التي تستخدم اليورو أو تحقيق نمو اقتصادي قوي وهو ما لا تتمتع به الدول الثلاث أو تبني عملية تعتبر نوعا من إشهار الإفلاس وهو ما ترفضه الدول الثلاث. أضف إلى ذلك احتمال استمرار عدم استقرار الحكومات في الـ3 دول حتى تجد مخرجا في وقت لا تلوح فيه نهاية للأزمة الأوروبية المالية في الأفق.

يقول سيمون تيلفورد، كبير علماء الاقتصاد بمركز الإصلاح الأوروبي في لندن: «الأمر الذي غاب عن هذا الجدل بشأن كيفية حفاظ الدول على أموالها هو حدود خفض الإنفاق الممكنة خلال فترة التقشف؛ فهناك حدود لقدرة أي حكومة على خفض إنفاقها والحفاظ على بقائها السياسي إلا إذا كان هناك أمل يلوح في نهاية النفق المظلم وطريقة لاستعادة النمو الاقتصادي».

ولا تتمثل مشكلات الدول ذات الاقتصاد الضعيف في الديون السيادية وحسب، بل أيضا في الافتقار إلى القدرة على المنافسة سواء في أوروبا أو في باقي أنحاء العالم. ومن دون استعادة الدول لقدرتها التنافسية وبيع المزيد من السلع في الخارج، وهو ما يمكن أن يتحقق من خلال عملية طويلة الأمد من خفض الأجور والضرائب لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار، فلا يسع خبراء الاقتصاد سوى عدم التفاؤل بشأن احتمالات تحقيق نمو جديد قريبا.

وأثارت الأزمة التي تشهدها البرتغال المزيد من الأسئلة حول ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيستطيع معالجة الوجه الآخر للأزمة، المتمثل في المصارف. تملك المصارف في الدول الغنية، مثل ألمانيا وفرنسا وهولندا وبريطانيا، الكثير من ديون اليونان والبرتغال وآيرلندا. إذا لم تستطع هذه الدول تسديد ديونها، سيتعين عليها أن تعيد جدولتها أو خفضها أو التخلف عن سدادها، مما يؤدي إلى أزمة مصرفية في باقي الدول الأوروبية. وتتطلب تصفية الديون طلب الحكومات من دافعي الضرائب إعادة تمويل المصارف، وهو ما يخشى القادة السياسيون فعله.

وقال تيلفورد: «لقد تداخلت الأزمة المصرفية مع أزمة الديون السيادية. وينبغي على أوروبا معالجة الاثنتين والإقرار بأن قطاعات المصارف أو الدول الدائنة، خاصة ألمانيا ليست في الوضع الذي يسمح لها بالتعامل مع إعادة الهيكلة والتخلف عن السداد. كذلك على الحكومات ضخ أموال في المصارف حتى تعيد تمويلها».

ويوضح تيلفورد أن واقع الأمر هو أن دافعي الضرائب في اليونان وآيرلندا والبرتغال هم من ينقذون دافعي الضرائب وأصحاب الودائع في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ماليا، وليس العكس. ويضيف أن الدول المدينة لا تتلقى إنقاذا بل تتلقى «قروضا بأسعار فائدة مرتفعة» مشيرا إلى أنه من الضروري أن يكون هناك تخلف عن السداد حتى تكون خطة الإنقاذ حقيقية.

يقول أنتونيو نوغييرا ليت، وزير الخزانة البرتغالي السابق ومستشار الحزب اليميني الوسطي المعارض: إن خطط الإنقاذ المتكاملة «لا تأخذ في الاعتبار حسابات الديون». ويضيف أن تجربة كل من اليونان وآيرلندا توضح أنه «بمجرد اتباع سياسة التقشف، لا توفر الدولة الوسائل التي تمكنها من سداد الدين المستحق عليها». وكتب الخبير الاقتصادي الأسبوع الحالي في مقال عن مشكلات اليونان: «بدأت الخطة الدولية لإنقاذ اليونان تسبب لها شللا».

بالطبع تتحمل الدول المدينة مسؤولية هذا الوضع السيئ؛ فقد كذبت اليونان بشأن إحصاءاتها وقررت آيرلندا ضمان كمية ضخمة من ديون قطاعها المصرفي المستهتر وحصلت البرتغال على قروض بأسعار فائدة منخفضة لكنها لم تعد هيكلة اقتصادها.

لكن يقول نوغييرا: «إذا كنت لا تستطيع خفض قيمة العملة وتقول إنك لا تستطيع إعادة هيكلة الدين، وإنه على دافعي الضرائب في ألمانيا الحصول على مزايا في الفوائد على القروض الممنوحة للدول الهامشية مقابل المخاطرة، فمن المستحيل تجنب الوقوع في فخ الاستدانة».

ويوضح أن البرتغال ليست في الوضع الذي يسمح لها بالتفاوض والمساومة، مشيرا إلى أنه يجب بذل الجهود من أجل تقليل سعر الفائدة إلى أدنى حد ممكن، بحيث لا تصبح مثل اليونان.

لم يكن قرار البرتغال بالسعي نحو الحصول على إنقاذ مالي من الاتحاد الأوروبي متوقعا؛ فقد تم تخصيص بعض الأموال بالفعل من أجل تغطية الاحتياجات. لكن يشير القرار إلى التكلفة السياسية للتقشف.

وتوجهت البرتغال إلى الاتحاد الأوروبي بعد رفض المعارضة دعم حزمة إجراءات التقشف الرابعة التي اتخذتها حكومة الأقلية وسقطت حكومة جوزيه سقراط، رئيس الوزراء الاشتراكي مؤخرا.. لقد أوضحت المصارف البرتغالية أنها لن تستمر في شراء ديون الحكومة البرتغالية التي أوشكت أن تصبح بلا قيمة حتى إن استطاعوا التخلص منها وإلقاءها على كاهل المصرف المركزي الأوروبي.

ويقول ريكاردو كوستا، نائب رئيس تحرير صحيفة «إكسبريسو» الأسبوعية: «تعاني الحكومة مشكلات في السيولة النقدية، لكنها تؤجل اتخاذ القرار». وأضاف أنه عندما أخفق الاتحاد الأوروبي في اتخاذ إجراءات أكثر مرونة لمساعدة دول مثل البرتغال في فبراير (شباط) بسبب ألمانيا وفنلندا، كان سقراط «وحيدا في مواجهة الأسواق». من المرجح أن يصل حزب الديمقراطيين الاشتراكيين اليميني الوسطي إلى السلطة من خلال ائتلاف في الانتخابات المقبلة المقرر إجراؤها في يونيو (حزيران). وقد وافقوا على ضرورة خفض الإنفاق، لكن على سقراط التفاوض على اتفاق الإنقاذ المالي قبل أن يتعقد الوضع أكثر من ذلك، على حد قول كوستا.

ولم تنجح الجهود التي تبذلها البرتغال للحصول على تمويل مرحلي صغير يساعد البلاد على اجتياز مرحلة الانتخابات لعدم تقديم الاتحاد الأوروبي لمثل هذه الإجراءات ولعدم وجود دولة ترغب في منح قرض ثنائي؛ لذا أعلن وزراء مالية الدول الأوروبية يوم الجمعة في المجر بدء التفاوض مع صندوق النقد الدولي لتقديم حزمة إنقاذ قدرها 80 مليار يورو إلى البرتغال بكل أحزابها السياسية.

ويقول كوستا: «إذا وقعت المعارضة على الاتفاق قبل الانتخابات، لن يرى الناخبون أنهم مختلفون وسيقولون إنهم سيزيدون الضرائب ويغلقون المدارس». لكنه يضيف: «لكن مشكلتنا الرئيسية هي أننا لا نحقق نموا بالقدر الكافي أو بالأحرى لا نحقق نموا على الإطلاق. إذا لم نحقق نموا لن تحل هذه المشكلة في 10 سنوات».

وهناك مباعث للقلق بشأن إسبانيا التي تعتبر إحدى كبريات الدول من حيث الاقتصاد في منطقة اليورو التي واجهت مشكلات مع الديون المصرفية والبطالة والرهون العقارية المعدومة التي لا تزال مقيدة في السجلات بعد انفجار فقاعة العقارات. إذا كانت إسبانيا بحاجة إلى خطة إنقاذ مالي، سيعاني اليورو مشكلات عميقة؛ لأن صندوق الإنقاذ المتمثل في هيئة الاستقرار المالي الأوروبية لن يستطيع تقديم ما يكفي من المال. يوم الجمعة أكد مسؤولون أوروبيون أن خطة إنقاذ البرتغال سوف تقلل من المخاطرة التي تواجهها إسبانيا.

لقد بذلت الحكومة الإسبانية جهدا كبيرا من أجل تهدئة مخاوف الأسواق من خلال خفضها للإنفاق الحكومي، لكن يجب أن تحقق نموا اقتصاديا لتقنع الأسواق أنها قادرة على السيطرة على ديونها. وقد تراجعت شعبية رئيس الوزراء الاشتراكي البرتغالي وحزبه نتيجة تبني برنامج التقشف، مما اضطره إلى الإعلان خلال الأسبوع الحالي عن عدم ترشحه في الانتخابات المقبلة.

خدمة «نيويورك تايمز»

* شارك ستيفن كاسيل في إعداد التقرير من بروكسل