زوليك: أي صدمة جديدة ستدخلنا في أزمة ضخمة.. وأسعار الغذاء تهدد جيلا كاملا

تطورات الشرق الأوسط هيمنت على اجتماعات الربيع.. وصندوق النقد الدولي يخصص 35 مليار دولار للمنطقة

من اليسار روبرت زوليك وجون ليبسكي وأحمد بن محمد الخليفة (أ.ب)
TT

رأى البنك الدولي أن «الاضطرابات الاقتصادية المرتبطة بشكل مباشر بالتغييرات السياسية» في العالم العربي «ستكون لها انعكاسات محدودة على المستوى العالمي» إذا بقيت في شكلها الحالي.

وجه رئيس البنك الدولي رسالة تحذير شديدة للعالم في ختام اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في واشنطن، قائلا إن «أي صدمة جديدة ستدخلنا في أزمة ضخمة» على الصعيد العالمي.

لكنه حذر من أنه «إذا ارتفعت أسعار النفط بشكل كبير ولفترة طويلة إما بسبب الأوضاع غير المستقرة وإما بسبب خلل في الإنتاج النفطي، فإن نسبة نمو الاقتصاد العالمي ستتراجع 0.3 نقطة مئوية في 2011 و1.2 نقطة في 2012».

وذكر البنك الدولي أن تقلب أسعار النفط والمنتجات الزراعية «كان أقوى» من المستوى العادي في الأسابيع الأخيرة.

وأضاف أن هذا الأمر ينطبق على الزلزال والتسونامي والحادث النووي في اليابان، إضافة إلى ارتفاع في أسعار النفط أو ازدياد الاضطرابات السياسية في منطقة الشرق الأوسط.

وقال إن «نسبة النمو في مصر وتونس ستبلغ نحو 2.5 في المائة و1.5 في المائة على التوالي».

وقال زوليك في مؤتمر صحافي «علينا أن نتحرك الآن. فانتظار استقرار الوضع سيكون خسارة للفرص».

وتناولت اجتماعات الربيع للمؤسسات الدولية التي اختتمت أعمالها في واشنطن أمس الأزمات المتعددة في العالم، على رأسها ارتفاع أسعار الغذاء والنفط بالإضافة إلى تركيز شديد على الثورات والاضطرابات في الشرق الأوسط.

وبينما أعلن البنك الدولي أن أسعار القمح ارتفعت بنسبة 69 في المائة مقارنة بالعام الماضي، شدد زوليك على أهمية معالجة أسعار القمح والغذاء المتزايدة التي اعتبر أنها «تهدد جيلا كاملا» في الدول الفقيرة.

واعتبر رئيس البنك الدولي أن تدهور الأوضاع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد يعرقل نمو الاقتصاد العالمي بسبب الارتفاع الحاد والمطرد في أسعار النفط من جانب، وبسبب عدم اليقين والشكوك حول إمكانية حدوث خلل خطير في إمدادات النفط.

ولفت إلى أن نمو الاقتصاد العالمي قد يتباطأ ما بين 0.3 في المائة إلى 1.2 في المائة خلال عام 2011، موضحا: «كنا في السابق نناقش كيفية الخروج من أزمة واحدة هي الأزمة المالية العالمية لكننا نواجه الآن مخاطر وتحديات جديدة، فالاضطرابات وراءها أسباب سياسية لكن ارتفاع أسعار الغذاء قد يشكل عاملا يزيد من معاناة الفقراء في تلك الدول».

ودعا زوليك الدول إلى التصدي لارتفاع أسعار المواد الغذائية واعتبرها الخطر الأكبر على الفقراء في العالم مع سقوط 44 مليون شخص في براثن الفقر خلال العام الماضي بسبب ارتفاع الأسعار.

وشدد مدير صندوق النقد الدولي دومونيك ستراوس كان على ضرورة خلق فرص عمل في البلدان التي بدأت في التعافي من الأزمة المالية العالمية لضمان استمرار الانتعاش واستدامته. وقال: «على خلفية الاضطرابات في الشرق الأوسط والأحداث المأساوية في اليابان فإن تأثيرها الاقتصادي سيكون فوريا. وشدد ستراوس كان خلال الاجتماعات على أهمية خلق فرص العمل، موضحا أن النمو بمفرده لا يضمن فرص العمل، معتبرا أن الانتعاش الاقتصادي خاليا من خلق فرص عمل لن يدوم. وأشار ستراوس كان إلى أن دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجلت أرقاما جيدة في معدلات النمو دون أن تحرص على استدامة هذا النمو بسبب المشكلات السياسية. وأبدى مدير صندوق النقد استعداده لمساعدة دول الشرق الأوسط خاصة مصر وتونس.

وأعلن صندوق النقد الدولي عن تخصيص 35 مليار دولار من القروض للدول المستوردة للنفط في منطقة الشرق الأوسط في حال طلبت مساعدة. وأكد ناطق باسم المؤسسة المالية لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يتم طلب مثل هذه المساعدة خلال الاجتماعات في واشنطن. وأضاف الناطق أن «هناك حرصا على تعلم الدروس في صندوق النقد الدولي مما حدث في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والعمل على ضم مؤشرات أخرى في تقييمنا للأوضاع».

وكانت هذه رسالة كررها ستراوس كان خلال الأيام الماضية، مشددا على ضرورة تطوير طرق جديدة لتقييم أداء الاقتصادات وخاصة في دول المنطقة.

من جهته، شدد مدير قسم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى مسعود أحمد، على أهمية «معالجة الاحتياجات والمطالب الاجتماعية في المنطقة من دون التأثير سلبا على الأولويات الاقتصادية»، في إشارة إلى أهمية التوازن بين مطالب الشعوب العربية بوظائف ورواتب أفضل والعمل على السيطرة على العجز العام والسيطرة على نسب التضخم. والتقى أحمد وكبار المسؤولين في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مع وزراء مالية ورؤساء بنوك مركزية من المنطقة خلال اليومين الماضيين. وقال أحمد إن هناك ثلاث رسائل أساسية تخرج من الاجتماعات المتعلقة بالمنطقة، وهي أن «النمو في المنطقة بطيء مقارنة بالنمو السكاني.. هناك حاجة لرفع مستوى النمو إلى نسبة ما بين 6 و7 في المائة لتنجح المنطقة». وأضاف أن الرسالة الثانية هي أن النمو ليس فقط النمو الاقتصادي الإجمالي وإنما توزيع إيرادات هذا النمو على جميع أقطاب المجتمع. أما الرسالة الثالثة فهي ضرورة الشفافية وبناء المؤسسات ليكون النمو مستداما.

وتضامنت كريستين لاجارد وزيرة المالية الفرنسية التي ترأس مجموعة العشرين مع دعوة البنك والصندوق في تقديم الدعم القوي لدول شمال أفريقيا من الحكومات والوكالات متعددة الأطراف. وقالت: «لا بد من مساعدة الدول التي بدأت في التحول نحو الديمقراطية لأن اقتصادات هذه الدول تواجه مشكلات هيكلية». وأعلنت زيادة المعونة الفرنسية لمصر من 150 مليون يورو إلى 250 مليون يورو توجه إلى قضايا العدل والأمن والعمالة في القطاع الخاص، فيما أشار ليل برينارد مساعد وزير الخزانة الأميركي إلى أن البنك ومؤسسة التمويل الدولية والبنك الأفريقي يمكنهم توفير 4 مليارات دولار لكل من مصر وتونس في العام القادم لمساعدتهما على إعادة اقتصاديهما إلى وضع أكثر استقرارا.

من جهة أخرى، أعرب بيان لجنة التنمية عن قلقه من تقلبات الأسعار وأحداث الشرق الأوسط، داعيا المؤسسات المالية الدولية إلى اعتماد سريع لمساعدة الدول المتأثرة والتركيز على إصلاح قطاعات البنية التحتية والزراعة والطاقة. وجاء في البيان الصادر مساء أول من أمس أن «التطورات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ستكون لها تداعيات اجتماعية طولية الأمد، وأرحب بتواصل ومشورة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مع تلك الدول»، خاصة في مجالات التنمية الاقتصادية وخلق فرص العمل وحماية الفقراء.

وعلى صعيد آخر، حاولت الولايات المتحدة خلال اجتماعات البنك الدولي والصندوق دفع المجتمع الدولي لممارسة ضغوط على الصين لدفعها إلى رفع قيمة عملتها اليوان مقابل الدولار الأميركي. وقال وزير الخزانة الأميركي تيموثي غاثينر في خطابه أمام لجنة السياسة بصندوق النقد الدولي أول من أمس: «إن الدول المانحة يجب أن تمارس ما تملكه من صلاحيات لحث الصين على تبني أسعار صرف مرنة»، مضيفا أن فشل دولة كبيرة مثل الصين في إصلاح نظام الصرف لديها يضع ضغوطا كبيرة على الدول الناشئة التي اعتمدت نظم صرف مرنة. وطالب غاثينر صندوق النقد الدولي بممارسة مسؤوليته في لعب دور حاسم في حل هذه المشكلة وتعزيز رقابته على الصين بشكل فعال، وقال غاثينر إن إدارة الرئيس باراك أوباما ملتزمة بالقيام بدورها في الحد من العجز المتزايد في الحكومة الفيدرالية الذي من المتوقع أن يصل إلى 1.5 تريليون دولار هذا العام على الرغم من إقرار الكونغرس خفض 38 مليار دولار في ميزانية عام 2011. ووجهت أصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة بصفتها المسؤولة عن حالة الركود العالمي بعد أزمة الرهون العقارية عالية المخاطر التي أدت إلى انهيار عدد كبير من المؤسسات المالية في الولايات المتحدة وارتفاع معدلات البطالة، بينما فشلت الولايات المتحدة على مدى عدة سنوات في اتخاذ إجراءات صارمة ضد الممارسات التجارية الصينية وتلاعبها في العمل.

وحذر مسؤولون في المؤسسات المالية من أن الاقتصاد العالمي ما زال في مرحلة حرجة ويتطلب المراقبة والحذر في الفترة المقبلة.