أين نحن من آلية مكافحة الفساد؟!

سعود الأحمد

TT

لدينا في الدول النامية تناقض عجيب في آلية تطبيق استراتيجية مكافحة الفساد الإداري. وبالأخص في بيئات العمل التي تعيش أجواء من تعارض المصالح وازدواجية الصلاحيات وعدم الفصل بين المسؤوليات!. ولن أتحدث عن حالات بعينها.. لأن هذا واقع معظم بيئات العمل بالدول النامية.

ففي السعودية.. نلاحظ توجها جادا لمكافحة الفساد المالي والإداري. تؤيده قرارات وتصريحات على أعلى المستويات، آخرها قرار تعيين رئيس الهيئة الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد بمرتبة وزير. لكنني أرى أن هذا التوجه يحتاج لإيجاد بيئات عمل صحية لتنفيذه على أرض الواقع. ومن ذلك أنه لا بد من وجود (نظام) رقابة داخلي فاعل في المنشآت المالية، و(اختبارات) للتأكد من التطبيق الفعلي للوائح وإجراءات هذا النظام. وأن يوجد (جهاز) رقابة داخلية مؤهل وفاعل ومستقل عن الإدارة التنفيذية. ليس فقط في المنشآت الهادفة للربح، بل وحتى في المؤسسات والهيئات الحكومية على مختلف تكويناتها وأشكالها القانونية. لأن فساد بيئات العمل يجعل من التواطؤ مع حالات الفساد والتلاعب أمرا عاديا ومعتادا!. وبالمناسبة، فإنه لا توجد مخالفة أو فساد أو اختلاس، إلا من أشخاص محل ثقة.. لأن من لا يعطى الثقة لا يستطيع إضاعة شيء!.

والحقيقة أن واقع الرقابة الداخلية في القطاع العام، مركز على الوزارات. فهناك إدارات رقابة داخلية من نفس الجهاز وهناك رقابة خارجية سابقة من وزارة المالية وأخرى لاحقة من ديوان المراقبة العامة. لكننا نعلم أن معظم المشاريع التنموية بدأت تسند لأجهزة مستقلة متفرعة عن الوزارات.. وهذه منها ما هو بعيد كل البعد عن الرقابة المستقلة، ولا توجد بها أجهزة رقابة داخلية مستقلة فاعلة. ولو أجرينا إحصائية لمجمل مصروفات الدولة، والنسبة التي تخضع للإجراءات الرقابية، لوجدنا نسبة عالية منها لا تخضع للرقابة!.

أما عن واقع ضعف نظم الرقابة الداخلية في بيئات العمل في الشركات المساهمة، فبعض هذه الشركات كانت في الأصل شركات عائلية (تضامنية). وهذه تشبعت بثقافات الملكية الفردية، فتجد معظم العاملين فيها (كانوا وما زالوا) يدينون بالولاء لشخص أو لأشخاص من ملاك الشركة السابقين، وليس لديهم أدنى إحساس بمصلحة المساهمين أو النظام الاقتصادي الكلي والجزئي!. ومثل هذه البيئات العملية (غير الصحية) من الطبيعي أن تكون رحبة لتغلغل مختلف أنواع الفساد كالرشوة والتزوير والغش وسوء استخدام المال العام والإقليمية الممقوتة واستغلال النفوذ وإخفاء الحقائق والكيل بمختلف الموازين للمواطنين والمراجعين والموظفين!. آخذين بعين الاعتبار أن هيئة مكافحة الفساد، لن تستطيع مراقبة سير أعمال المنشآت اليومية إفراديا. لكننا نعلم أنه كلما تعززت قوة أنظمة الرقابة الداخلية، تعزز مبدأ المسألة ومحاسبة مرتكبي جرائم الفساد.

والحال ليست بأحسن في المؤسسات الحكومية التي تم تخصيصها أو الشركات التي تمتلك الحكومة معظم رأسمالها. فهذه تعتبر إفرازا لبيئات عمل بيروقراطية، وإن تحررت من التنظيم الحكومي شكليا.. إلا أنها ما زالت تعاني من هيمنة التعاميم الإدارية. وقراراتها بأيدي أشخاص يمارسون صلاحياتهم المفتوحة، فكلما عنّ لهم أن يصدروا ما يحلو لهم من قرارات إدارية ذيلوها بعبارة «تحقيق مصلحة العمل».. وإن كانت لا تمت للمصلحة بصلة!.

ولا تسأل عن ضعف دور المحاسب القانوني أو ما يعرف بالمراجع الخارجي. بالنظر إلى حاجته لتجديد عقده مع الجهة التي يقوم بمراجعتها، وقناعه أن مجلس الإدارة هو الجهة المؤثرة في هذا الأمر. وبالتالي لا يمكنه التحرر منها بحيادية ليبدي ما يتبين له من ملاحظات في تقريره عن هذه الجهة. ناهيك عن الجهات التي يكون مجلس إدارتها هو الجهاز التنفيذي لها!.

فأين نحن من الآلية الفاعلة لمكافحة الفساد الإداري والمالي؟!.

* كاتب ومحلل مالي