أسعار النفط تتراجع بعد قرار السعودية خفض الإنتاج

النعيمي: السوق متخمة بالمعروض

وزير النفط السعودي علي النعيمي يتوسط وزير النفط الكويتي أحمد العبد الله الصباح، ووزير النفط البحريني عبد الله ميرزا (أ.ف.ب)
TT

تراجع سعر النفط يوم أمس بأكثر من دولارين، بعد يوم من إعلان السعودية أن أسواق النفط العالمية تواجه فائضا في الإنتاج لم يجر احتواؤه، كما أعلنت عن تخفيض إنتاجها من النفط بنحو 800 ألف برميل يوميا.

ووصل سعر برميل النفط يوم أمس إلى نحو 122 دولارا للبرميل مسجلا انخفاضا بمقدار دولارين. ويبلغ حجم الإنتاج السعودي من النفط بعد التخفيض 8.292 مليون برميل يوميا. وكان علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية السعودي قال أول من أمس في تصريح صحافي إن السوق متخمة بالمعروض.

وأكد أن موقف بلاده في سوق النفط العالمية، يستند إلى التزامها بالاحتفاظ بطاقة إنتاج احتياطية من أجل المحافظة على استقرار الأسعار والأسواق على حد سواء ولديها سياسة واضحة ومتسقة على الدوام تتمثل في توخي الاعتدال في جميع القرارات التي تتعلق بسوق النفط العالمية.

وأوضح في كلمته في اجتماع المائدة المستديرة الوزاري الآسيوي الرابع المنعقد حاليا بدولة الكويت أن المملكة صاحبة أكبر احتياطي نفطي منخفض التكلفة في العالم وأكبر منتج ومصدر للمواد البترولية السائلة مكنت حالة الاستقرار المالي والسياسي فيها من الوصول إلى طاقة إنتاجية تبلغ 12.5 مليون برميل من الزيت الخام في اليوم والمحافظة عليها مما يوفر غطاء احتياطيا يبلغ نحو 3.5 ملايين برميل في اليوم زيادة على مستويات إنتاجها الحالية والتي يتم تعديلها تبعا لظروف السوق العالمية.

وأضاف النعيمي: «منطقة آسيا تحتل مكانة مهمة ومرموقة بالنسبة للمملكة من حيث العلاقات في مجال الطاقة حيث لا تزال علاقات المملكة بالأسواق النفطية في المنطقة تزداد قوة ومتانة على مر السنين وساعدت المملكة والدول الخليجية الأخرى المنتجة للنفط على دفع عجلة التنمية في منطقة آسيا عبر تزويدها بحصص كبيرة من الطاقة التي تحتاجها لدفع مسيرة التطور والازدهار في المنطقة، مشيرا إلى أنه مع تزايد معدلات النمو الاقتصادي في دول آسيا فقد زادت صادراتنا من البترول لهذه الدول حيث تحظى السوق الآسيوية حاليا بنحو ثلثي صادرات المملكة من الزيت الخام».

وزاد: «المملكة هي أكبر مورد للنفط للأسواق الرئيسية في المنطقة مثل الصين واليابان وكوريا والهند وتايوان ونظرا لحجم الاحتياطيات ومستويات الإنتاج في المملكة واستثمارها المستمر في التقنية والمواهب والبنية التحتية وسياساتها الواضحة والمتناغمة في مجال الطاقة والتزامها بتعزيز علاقاتها التعاونية مع المنتجين والمستهلكين على حد سواء فإن المملكة تسعى لأن تكون هي المورد المفضل لدول آسيا فيما يتعلق بتزويدها باحتياجاتها من البترول لعدة عقود قادمة».

وبين المهندس النعيمي أنه في الوقت ذاته فإن قطاع البترول السعودي يتطلع إلى العديد من الدول في المنطقة للحصول منها على مجموعة واسعة من الخدمات المتخصصة والمعدات عالية التقنية والسلع عالية الجودة مؤكدا أن علاقات المملكة مع دول منطقة آسيا هي بمثابة طريق ذي اتجاهين تستفيد منها جميع الأطراف من خلال التجارة والاستثمار والتعاون.

ورأى وزير البترول والثروة المعدنية أن الاقتصاد العالمي في وضع أفضل مما كان عليه في اللقاء السابق الذي تم قبل عامين حيث بدأت التجارة العالمية تتعافى وشرعت المؤسسات المالية مرة أخرى في توفير رؤوس الأموال المطلوبة وعاد المستثمرون من جديد إلى السوق وازدادت ثقة المستهلكين أيضا، لافتا إلى أن هذا التعافي لا يزال منقوصا حيث لا تزال العديد من الدول تعاني مستويات غير مقبولة من البطالة فيما تعاني دول أخرى من عجز وطني كبير ومن مخاوف بشأن سلامة أنظمتها المالية.

وقال إن بعض المعلقين يدقون ناقوس الخطر بشأن تأثير الارتفاع الأخير الذي شهدته أسعار النفط رغم الإجراءات السريعة والحاسمة التي اتخذتها الدول الآسيوية المنتجة للنفط للمساعدة في كبح جماح الأسعار.

وأضاف: «لقد اتفقنا في اجتماعاتنا السابقة على أن الموارد الهيدروكربونية ستبقى هي المصدر الرئيسي لإدارة عجلة الاقتصاد العالمي لعدة عقود وعلى رأسها النفط كما أن الاستقرار والقدرة على التنبؤ بالأسعار والاستدامة في أسواق النفط أمر مهم لضمان استدامة منظومتنا العالمية في مجال الطاقة واستدامة الاقتصاد العالمي ككل».

وشدد المهندس النعيمي على أن الأشهر الأخيرة أظهرت مرة أخرى أن حالات الشدة والرخاء الاقتصادي في أنحاء القارة الآسيوية شديدة التداخل والترابط وأن لدينا مصلحة مشتركة في تعزيز علاقات المنفعة المتبادلة التي توفر إطارا لمزيد من التقدم والازدهار في أرجاء المنطقة والذي يتجلى في قطاع الطاقة الذي يغذي التنمية والتقدم ويمثل شريان الحياة الحديثة مؤكدا أن أمن العرض والطلب على الطاقة يعتمد بصورة كبيرة على كيفية إدارة الدول لعلاقاتها مع بعضها البعض. وحذر النعيمي من استمرار ضعف الاقتصاد العالمي، مشيرا إلى أن الانتعاش ما زال متفاوتا. وكانت الأسعار قد تراجعت في مطلع الأسبوع الماضي بسبب القلق من احتمال تراجع الطلب تحت ضغط ارتفاع الأسعار ولكنها عادت للصعود يوم الجمعة بعد بيانات اقتصادية أميركية مشجعة.

وقال عبد الله البدري الأمين العام لمنظمة أوبك أمس إن السوق لا تزال تبحث عن بديل مناسب للنفط الخام الليبي الخفيف عالي الجودة الذي فقدته نتيجة للصراع في ليبيا.

من جهته أوضح تركي الحقيل، الخبير الاقتصادي والمدير الأعلى للقسم الاقتصادي في البنك السعودي - الفرنسي لـ«الشرق الأوسط»، أن الكارثة التي حدثت في اليابان ومشكلات المفاعلات النووية أسهمت في خفض الطلب على البترول، كون اليابان أكبر مستهلك للبترول السعودي في آسيا، مشيرا إلى أن السعودية خفضت إنتاجها لتراجع الطلب العالمي مع استمرارها في تعويض نقص الإمدادات الليبية من نوع المزيج الخفيف المرغوب من دول أوروبا، والذي تصدره ليبيا في الغالب.

وقال إن السعودية ملتزمة بتعويض أي نقص في أسواق النفط العالمية كعادتها وكأكبر دولة منتجه للنفط. أما الأسعار فيفرضها العرض والطلب. مشيرا على أن تخفيض الإنتاج لن يكن له تأثيرات كبيرة على الأسواق العالمية لأنه نتيجة لضعف الطلب العالمي في الشهر الأخير تقريبا، في حين أن وزير البترول السعودي توقع زيادة في الإنتاج الشهر المقبل. وتوقع الحقيل أن يصل متوسط الإنتاج السعودي إلى 8.8 مليون برميل خلال العام الحالي، مقارنة بـ8.16 في 2010. مشيرا إلى أن التوقعات مبنية على الطلب العالمي، وتوقف والإمدادات الليبية، إضافة إلى زيادة الطلب المتوقعة في فصل الصيف كالعادة، وخاصة فيما يتعلق بوقود الطائرات، متوقعا أن يصل متوسط سعر لمزيج الأميركي (غرب تكساس) إلى 92 دولارا خلال هذا العام مقارنة بـ79 في العام الفائت، و89 دولارا لمزيج السعودية مقارنة بـ77 للسعودي في العام الفائت.

وقال الحقيل إنه «ليس هناك مخاوف»، مضيفا: «لو استمرت الأسعار بهذا الارتفاع المبالغ فيه نتيجة لمضاربات، وخوف من الأوضاع الجيوسياسية، فإنها حتما ستؤثر على الاقتصاديات العالمية». مشيرا إلى أن نظرة الحكومة السعودية ووفقا لتأكيدات الوزير النعيم فإن الأسعار المفترضة للبترول تتراوح بين 75 و85 دولارا. وتبقى السوق محكومة بالعرض والطلب.

وقدم وزير البترول والثروة المعدنية في كلمته عرضا موجزا حول التوقعات الآسيوية المتعلقة بالنفط حيث إن منطقة آسيا والمحيط الهادئ ككل سيزداد الطلب فيها على البترول خلال الأعوام والعقود القادمة نتيجة الزيادة السكانية وارتفاع مستوى المعيشة في الدول النامية، وأوضح أن الأسواق الآسيوية الناشئة والدول المنتجة للنفط والغاز في المنطقة ستكون المحرك الرئيسي لهذه الزيادة في استهلاك البترول بينما ستحافظ مستويات الطلب على النفط في الدول المتقدمة على معدلاتها تقريبا. ومضى إلى القول إن منطقة غرب آسيا تستحوذ على نحو ثلثي إجمالي الاحتياطيات العالمية الثابتة من الزيت التقليدي ولذلك ستكون هذه المنطقة في وضع يسمح لها بتلبية هذه الزيادة الإقليمية في الطلب فيما تبقى الطاقة الإنتاجية والتصديرية لهذه الدول مضمونة بسبب الاستثمارات الدائمة في مشاريع التنقيب والإنتاج والتكرير والمعالجة والتسويق بما في ذلك تلك المشاريع التي تساعد على الاحتفاظ بطاقة فائضة.

وأفاد بأنه بالنظر إلى جانبي العرض والطلب فسيتضح أن الجمع بين زيادة الطلب على الطاقة ووفرة العرض سيسهم في تعزيز روابط الاعتماد المتبادل القائمة أصلا بين الدول المنتجة والمستهلكة للنفط في آسيا، معربا عن اعتقاده بأن هذا التوجه الإيجابي يجعل المباحثات في هذا الاجتماع وكذلك في الاجتماعات المستقبلية المشابهة تكتسب أهمية كبيرة جدا.

وجدد وزير البترول والثرة المعدنية التأكيد على أن السعودية قادرة وملتزمة بتلبية احتياجات آسيا المستقبلية من النفط وأنها ستواصل بناء أواصر الشراكة والتعاون وتعزيزها مع جميع دول القارة على أساس المنفعة المتبادلة لجميع الأطراف فضلا عن الاحترام المتبادل.