مخاوف من انعكاسات خطيرة لأزمة الدين الأميركي على الاقتصاد العالمي

وسط رفض أعضاء جمهوريين التصويت لصالح خطة خفض الدين

TT

حذر أعضاء جمهوريون في مجلس النواب، أمس، من أنهم لن يصوتوا لصالح خطة زيادة حد الدين الأميركي، الذي وصل حاليا إلى 14.29 تريليون دولار، إلا إذا صاحب هذه الخطة خطوات ترمي لتخفيض العجز. وقالت وزارة الخزانة الأميركية إنه سوف يتم التوصل لحد الاقتراض، خلال فترة لا تتجاوز يوم 16 مايو (أيار) المقبل، وإنها سوف تلجأ خلال هذا الوقت إلى إجراءات طارئة من تقديم مجال للاقتراض حتى يوم 8 يوليو (تموز) المقبل. وقال بول رايان، رئيس لجنة الموازنة بمجلس النواب، وعضو مجلس النواب الجمهوري عن ولاية ويسكونسين في حلقة من برنامج «مواجهة الأمة» (فيس ذا نيشان) أذيعت على شبكة «سي بي إس» الإخبارية الأميركية يوم 17 أبريل (نيسان) الماضي: «لن نرفع حد الدين بشكل كبير، ولكننا سنرفعه بصورة بسيطة فحسب. وسوف نجري تصويتا لكي نحصل على تفويض للقيام بهذه الخطوة». ويرى خبراء اقتصاد أن التحذير الذي وجهته وكالة «ستاندرد آند بورز» للتصنيف الائتماني إلى الولايات المتحدة، قد ينذر بتغييرات جذرية في الاقتصاد العالمي. وكانت «ستاندرد آند بورز» خفضت الاثنين توقعاتها لتصنيف دين الولايات المتحدة من «ثابت» إلى «سلبي»، معتبرة لأول مرة أن ثمة احتمالا واحدا من أصل ثلاثة بأن تخسر الدولة الفيدرالية علامتها القصوى «إيه إيه إيه» خلال السنتين المقبلتين. وهذه العلامة تعني ثقة مطلقة في أسواق القروض، وفي وسع الدول والشركات التي تحصل عليها الاقتراض بمعدلات فائدة ممتازة خلافا لسواها.

وأثار إعلان وكالة التصنيف ذهولا، لا سيما في الأسواق المالية، بعدما كانت مسألة تخفيض علامة الولايات المتحدة أمرا لا يخطر ببال أحد. وحذر ستيفن ريكيوتو، الخبير الاقتصادي في شركة «ميزوهو سيكيوريتيز» لـ«رويترز» بأن «الاحتمال لن يبقى واحدا من أصل ثلاثة إذا لم نقم بشيء خلال سنتين، بل إن لم نجمع 2500 مليار دولار من الديون الإضافية». وقال: «إن احتمالات حصول ذلك تزداد»، مشيرا بالاتهام إلى القوى السياسية في واشنطن التي تخوض صراعا محتدما حول سبل تخفيض العجز الهائل في الميزانية الأميركية، غير أن تحذير وكالة التصنيف قد يكون له أثر طائل على الاقتصاد الأميركي.

وقال ستيفن ريكيوتو إن «ذلك سيضر إلى حد بعيد بوضع العملة (الأميركية) كعملة احتياط»، ملمحا إلى أن الدولار قد لا يعود العملة المرجعية في العالم. وتجني الولايات المتحدة 40 إلى 70 مليار دولار سنويا، من وضع الدولار هذا، الذي يندد به البعض لاعتباره «امتيازا باهظ الثمن».

وذلك وفق دراسة أجراها مكتب «ماكينسي» عام 2009. والأصول الأميركية تجتذب المستثمرين الأجانب لأنها تصدر بعملة ثابتة ومطلوبة من الجميع. ونتيجة هذا الطلب القوي على الدولار، تقدم للولايات المتحدة تسهيلات في منح قروض، سواء للحكومة الأميركية أو للشركات وحتى الأسر.

وبالنسبة للأسر، فإن تخفيض العلامة سيؤدي إلى ارتفاع معدلات الفائدة على الديون لقاء رهن، مما سيزيد من حدة الأزمة في سوق عقارية تعاني من انكماش وفق ما أوضحت إينا موفتيفا من مصرف ناتيكسيس.

وتابعت الخبيرة الاقتصادية أن الشركات من جهتها «ستشهد زيادة في تكلفة التمويل، مما سينعكس على الاستثمارات المنتجة». كما أن علاقة الولايات المتحدة مع دائنيها الكبار، وفي الطليعة الصين واليابان وأوروبا، قد تتبدل.

وقد ترفع خسارة العلامة «إيه إيه إيه» من صعوبة خفض العجز في الميزانية الأميركية، لأنها تهدد بزيادة كبيرة في معدلات الفائدة على قروض الدولة، وهو ما أثبتته الأزمتان في آيرلندا والبرتغال. ويأمل البعض أن يحض تحذير «ستاندرد آند بورز» إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، والمعارضة الجمهورية على التوصل إلى توافق حول سبل خفض العجز في الميزانية.

وقال آلان راسكين الخبير الاقتصادي في مصرف «دويتشه بنك»: «إنه تحذير جدي للسياسيين من الطرفين، يبرز ضرورة التوافق قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة». غير أن هذا الاستحقاق الانتخابي قد يدفع الديمقراطيين والجمهوريين إلى التمسك بمواقفهم. وأوضح ديفيد ريسلر وايشي اميميا من مصرف «نومورا» أن «كلا من طرفي الخلاف قد يستخدم هذا التحذير لتبرير نهجه المختلف إلى حد بعيد عن نهج الطرف الآخر».

ولا تزال ثقة الولايات المتحدة كاملة في قدرتها على الحفاظ على مكانتها الاقتصادية كأفضل مقترض في العالم، رغم صدور تحذير عن وكالة «ستاندرد آند بورز» بشأن العجز في ميزانيتها. وكانت «ستاندرد آند بورز» خفضت الاثنين توقعاتها لتطور تصنيف دين الولايات المتحدة من «ثابت» إلى «سلبي»، معتبرة لأول مرة أن ثمة فرصة واحدة من أصل ثلاثة بأن تخسر الدولة الفيدرالية علامتها القصوى «إيه إيه إيه» خلال السنتين المقبلتين.

وردا على تحذير وكالة التصنيف بتخفيض علامة الولايات المتحدة، سارع الرئيس الأميركي باراك أوباما ووزير الخزانة تيموثي غايتنر إلى التأكيد الثلاثاء على أنهما لن يسمحا بحصول ذلك.

وأعلن أوباما أثناء تطرقه إلى العجز في الميزانية الأميركية، خلال تجمع عام في ضاحية واشنطن، أن هذه المسألة يمكن تسويتها بموجب الخطة التي طرحها الأسبوع الماضي للميزانية الأميركية. وقال «يجب أن تبدأ أميركا بالعيش طبقا لإمكاناتها» مضيفا: «لن أستسلم قبل أن نجد أدنى سنت أهدر أو أنفق في غير محله». وقبل افتتاح بورصة نيويورك تحدث غايتنر إلى الشبكات التلفزيونية الأميركية المالية الثلاث؛ «سي إن بي سي» و«بلومبرغ» و«فوكس بزنس»، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة وضعها أفضل من وضع دول أخرى تحظى بالعلامة «إيه إيه إيه»، مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، ولو أنه تجنب ذكرها بالاسم.

وقال لشبكة «سي إن بي سي»: «لا أتفق» مع «ستاندرد آند بورز»، منضما بذلك إلى الكثير من المسؤولين السياسيين، لا سيما الأوروبيين، الذين انتقدوا في الأشهر الماضية الإعلانات الصادرة عن وكالة التصنيف الائتماني.

وتتوقع تقديرات صندوق النقد الدولي أن تسجل الولايات المتحدة عام 2011 أعلى عجز في الميزانية في العالم، يصل إلى 8.10 في المائة من إجمالي ناتجها الداخلي بالتساوي مع آيرلندا.