أزمة الديون الأوروبية تواصل تفاعلاتها وسط المخاوف الاقتصادية والسياسية

اليونان تلجأ لأبنائها في الخارج.. والبرتغال تتفاوض على شروط المساعدة.. وإسبانيا تبيع سندات حكومية

TT

بينما لحقت البرتغال باليونان وآيرلندا، في قائمة دول منطقة اليورو التي تواجه أزمة عجز الموازنة واضطرت إلى تقديم طلب للحصول على مساعدة مالية من صندوق الإنقاذ الأوروبي، هناك دول أخرى مثل إسبانيا وبلجيكا تسعى جاهدة إلى تفادي الوقوع في دوامة عجز الموازنة، وتشهد عواصم تلك الدول تحركات وإجراءات ترمي في المقام الأول إلى تحقيق نجاحات اقتصادية ومالية تساعد في تخطي الظروف الراهنة؛ ففي أثينا أعدت اليونان خطة لبيع سندات لمواطنيها المقيمين في الخارج لجمع نحو ملياري يورو في إطار سعيها إلى تخفيف المشكلات المالية الخطيرة التي تواجهها. وأفاد وزير الدولة لشؤون المالية، فيليبوس ساجينديس، في تصريحات نقلتها صحيفة «ايميريسيا» أن هذه الحملة ستبدأ في الولايات المتحدة في الخريف المقبل، وقال: «اعتبر أننا سنطرح أول السندات على أقصى حد في الربع الثالث من العام الحالي». ولم يحدد ساجينديس حجم السندات التي ستطرح للبيع، لكنه أوضح أنه تم اتخاذ الإجراءات الرسمية مع السلطات الأميركية حول شروط الطرح. وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن نحو 4 ملايين مواطن يوناني يقيمون في الخارج، منهم 61 في المائة في الولايات المتحدة.

وتسعى الحكومة اليونانية إلى توفير 27 مليار يورو حتى عام 2012 لسداد فوائد ديونها العامة الكبيرة من خلال اتخاذ حزمة إجراءات تقشفية صارمة وطرح أذون خزانة.

وفي نفس الصدد أعلنت إسبانيا أنها نجحت في بيع سندات حكومية بأجل 10 سنوات، وأجل 13 سنة بقيمة 3 مليارات و400 مليون يورو بمعدلات فائدة مرتفعة جدا في ظل تزايد المخاوف بشأن احتمال طلب اليونان إعادة هيكلة ديونها. معدل الفائدة على السندات بأجل 10 سنوات بلغ 5.47 في المائة. وبالنسبة للبرتغال؛ فقد زارت لشبونة، عاصمة البلد الغارق في الديون، بعثة من ممثلي الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، وأجرت محادثات مع المسؤولين، والتقت وزير المالية فيرناندو تيشيرا دوش سانتوش للتفاوض حول قيمة حزمة الإنقاذ المالية، والشروط التي يجب على لشبونة الالتزام بها مقابل الحصول عليها. وتقدر الديون العامة للبرتغال بـ152 مليار يورو، بينما يبلغ العجز في الموازنة 10.5 مليار يورو، وقيمة حزمة المساعدات 80 مليارا. ويتوقع أن تتسلم لشبونة أول دفعة من المساعدة منتصف الشهر المقبل، إذ يتوجب عليها سداد 5 مليارات يورو من الديون في الخامس عشر من يونيو (حزيران)، وقال وزير المالية البرتغالي تيشيرا دوش سانتوش: «نتوقع إكمال البرنامج في منتصف مايو (أيار)، نتوقع أننا سنقر البرنامج وأيضا المساعدة المالية التي طلبناها، خلال اجتماع (اليوروغروب) في السادس عشر من مايو». ويتوقع أن تتبنى الحكومة البرتغالية المؤقتة حزمة من التدابير التقشفية أكثر صرامة من الحزمة التي رفضها البرلمان البرتغالي وأدت إلى استقالة الحكومة. وفي إطار متصل تظهر فعاليات أوروبية مخاوفها من تنامي شعبية اليمين المتشدد في فنلندا الذي توجده انتقادات حادة للمشروع الأوروبي الوحدوي، ويأتي ذلك بعد أن استطاع تيمو سويني زعيم القوميين الفنلنديين أن يجعل من حزبه القوة السياسية الثالثة في فنلندا، وليصبح بذلك الحزب الوحيد الذي حقق تقدما كبيرا في آخر انتخابات تشريعية في البلاد. ففي 4 سنوات استطاع مضاعفة نسبة نجاحه في الانتخابات من 4 في المائة عام 2007 إلى 19 في المائة في 2011، أي بما يعادل 5 أضعاف. تعود أسباب ذلك إلى الأزمة التي تعانيها الديمقراطية الفنلندية ونجاحه في جذب قطاع كبير من الذين اعتادوا الامتناع عن التصويت وأيضا لاستغلاله موضوع الهجرة، كما أن تركيزه بشكل خاص على الاتحاد الأوروبي رفع من أسهمه أكثر فأكثر. ويقول الفنلندي تانيل هايكا، وهو محلل سياسي: «اتسمت الحملة الانتخابية الأخيرة بخطاب معاد لأوروبا غير مسبوق في فنلندا وهو شيء جديد تماما»، وفنلندا عضو في الاتحاد منذ عام 1995، وهي الدولة الإسكندنافية الوحيدة التي تستعمل اليورو وتعد واحدة من الدول الغنية في الاتحاد، ويبلغ دخل الفرد فيها 34 ألف يورو تقريبا سنويا. والحملات الانتخابية التي هاجمت خطط الاتحاد لدفع فاتورة ديون أعضائه لاقت قبولا واسعا لدى الفنلنديين، وهم في ذلك لا يختلفون عن بقية الدول الأوروبية الأخرى الغنية التي ترفض المشاركة أيضا. ويفسر تيمو سويني موقفه بالقول: «الحقيقة هي أن الاتحاد الأوروبي ينتهك قوانينه هو بالتحديد، فالدستور يمنع تقديم الأموال للمساعدة وهو واضح بخصوص هذا الأمر. فنحن يجب أن لا نتحمل عبء ديون الآخرين، بل نريد أن تكون أوروبا منطقة اقتصادية حرة. أنا لست معاديا لأوروبا ولكنني لا تعجبني هذه النزعة الفيدرالية التي تتزايد في الاتحاد منذ عدة سنوات»، والبرلمان الفنلندي، على خلاف برلمانات الدول الأخرى، له حق الاعتراض على طلب المساعدات المالية الذي يقدمه الاتحاد، ولذا فإن بروكسل تريد التأكد من أن نتيجة الانتخابات لن تؤثر على خطة الإنقاذ المالية الموجهة للبرتغال.

ولا تزال البرتغال، التي طلبت الأسبوع الأول من الشهر الحالي مساعدة مالية دولية لتفادي الإفلاس، تعاني في مواجهة الأسواق. وكانت البرتغال قد قررت مؤخرا الاستجابة لضغوط الأسواق، واللجوء إلى المساعدات الخارجية بعد أن اشتد حولها الخناق بسبب أزمة الديون السيادية وأعطى رئيس المفوضة الأوروبية جوزيه مانويل باروزو موافقته المبدئية لتقديم مساعدة مالية للبرتغال التي تشهد أزمة مالية شبيهة بتلك التي شهدتها اليونان. نحو 80 مليار يورو هي قيمة المساعدات المالية الدولية التي تحتاجها لشبونة لتخطي أزمتها. ومن المقرر أن يقدم الاتحاد الأوروبي نحو ثلثي المساعدة المالية التي ستستفيد منها البرتغال في حين يقدم صندوق النقد الدولي القيمة المالية المتبقية. وللاستفادة من هذه المساعدات المالية، فإن على لشبونة إجراء سلسلة من المفاوضات حول إصلاحاتها الهيكلية؛ فمجموعة المانحين لا ترغب في المجازفة حتى على حساب الاستقرار في منطقة اليورو، وعملت كل من بلجيكا وإسبانيا خلال الاجتماع الأخير لوزراء المال والاقتصاد في دول الاتحاد الأوروبي على إزالة أي مخاوف لدى الدول الأعضاء الأخرى في منطقة اليورو، من انتقال العدوى إليهما بعد أن وصلت إلى البرتغال. وبعد أن عبر وزراء المالية في دول الاتحاد عن مخاوفهم من انتقال عدوى العجز المالي إلى إسبانيا نظرا إلى ارتباط اقتصادها بشكل وثيق بالاقتصاد البرتغالي، لكن وزيرة المالية الإسبانية، إيلينا سالغادو، نفت ذلك؛ إذ تقول: «لا أرى أي خطر عدوى، نحن بعيدون عن ذلك تماما». من جانبه جاءت ردود وزير المالية البلجيكي، ديدير رايندرز، هادئة للغاية وهو يتحدث عن الموازنة البلجيكية، وقال إن بلاده حققت نتائج جيدة للغاية في موازنتها، وتعتبر من أفضل النتائج على الصعيد الأوروبي، وأكد لنظرائه الأوروبيين استمرار بلاده في تقليص الدين العام، وهو أمر كان قد توقف خلال السنوات الماضية بسبب عمليات إنقاذ البنوك، وأشار إلى أن هناك خططا ابتداء من 2012 للوصول إلى معدل أقل من 3 في المائة، طبقا للشروط الأوروبية للموازنة، على أن يتحقق ذلك في 2015.

من ناحيته، قال وزير المالية السويدي، أندرس بورغ، في اجتماع المسؤولين الماليين الأوروبيين في العاصمة المجرية، بودابيست: «إن كل دولة عضو قد تحتاج إلى مبالغ كبيرة من المال، سواء كانت داخل منطقة اليورو أو خارجها، والإشكالية في حالة البرتغال أن طلب المساعدة المالية جاء متأخرا»، وعقب الاجتماع قال وزراء مالية الاتحاد الأوروبي إن على الحكومة البرتغالية خفض موازنتها بشكل أعمق، وخصخصة الشركات الحكومية مقابل حصولها على مساعدة مالية قد يقرها الاتحاد الأوروبي قبل منتصف مايو المقبل.