قطر توقع اتفاقيات لاستثمار 6.5 مليار دولار في إسبانيا

ملك إسبانيا يخرق البروتوكول ويستقبله على سلم الطائرة

TT

حينما حطت طائرة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في مدريد يوم الاثنين الماضي، كان يقف عند أسفل سلم الطائرة الملك الإسباني خوان كارلوس والملكة صوفيا، في انتظار الأمير وزوجته. وليس هذا إجراء معتادا في البروتوكول الإسباني، فمن المعتاد أن لا يستقبل الملوك الإسبان ضيوفهم أسفل سلم الطائرة إلا إذا كانوا يمثلون أهمية خاصة بالنسبة لهم. غير أن هؤلاء الزوار الذين يزورون إسبانيا لمدة ثلاثة أيام أكثر من مجرد ضيوف لهم أهمية خاصة، فهم بمثابة مفتاح لمنفعة إسبانيا. فبالإضافة إلى كون أمير قطر صديقا حميما لملك إسبانيا، كما تؤكد الحكومة الإسبانية، فقد بات الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني واحدا من ثلاث شخصيات ذات تأثير سحري على الاقتصاد الإسباني؛ نظرا لأنه أتى لإسبانيا ومعه مبلغ 4.400 مليون يورو، إلى جانب نية قوية لاستثمار هذا المبلغ بأكمله في المشروعات التجارية الإسبانية.

ومن هذا المبلغ سيتم تخصيص 2.100 مليون يورو لشراء 6.6% من أسهم شركة الأجهزة الكهربائية الإسبانية «إبيردولا». وفضلا عن ذلك سيتم توجيه مبلغ يزيد عن 300 مليون يورو لدعم إعادة هيكلة بنوك الادخار الإسبانية، التي تمثل أحد أكبر نقاط ضعف النظام المالي الإسباني، والتي أثارت فكرة إصلاحها مشكلات كثيرة بالنسبة لحكومة رئيس الوزراء خوسيه لويس رودريجيز ثاباتيرو. وعلى الرغم من ذلك فإن حجم أعمال واحدة من أغنى دول العالم لم يقتصر على بنوك الادخار فحسب، فقد أعلنوا أنهم يعتزمون استثمار أموالهم أيضا في بنك «سانتاندير»، إحدى أهم الشركات المالية في أوروبا. وبموجب هذه الاتفاقية ستقوم قطر بشراء 5% من أسهم الكيان التابع له في البرازيل، «سانتاندير برازيل»، مقابل مبلغ 1.935 يورو.

وفي إطار مطامح الحكومة القطرية، لا يمكن أن تكون كرة القدم بعيدة عن اهتمامات هذه الدولة الخليجية، ففي حقيقة الأمر كان رأس المال القطري قد دخل إسبانيا بالفعل منذ بضعة أشهر مضت، وهو ما تجلى في شراء أدوات فريق كرة القدم الإسباني، ملقا، في جنوب المدينة بمبلغ 25 مليون يورو. كذلك أبرمت الحكومة القطرية اتفاقا مع فريق كرة القدم «برشلونة»، أهم فريق كرة قدم في الدوري الإسباني، يتعلق برعايته بدءا من نهاية الموسم. وبلغت قيمة هذا الاتفاق 30 مليون يورو.

ولم تكن هذه الاتفاقات الاستثمارية الوحيدة لدول الخليج في مجال كرة القدم الإسبانية، فمنذ بضعة أيام مضت قامت الإمارات العربية المتحدة بشراء نادي «خيتافي»، وهو نادي مدينة خيتافي الواقعة بالقرب من العاصمة الإسبانية، مقابل 90 مليون يورو، وذلك عقب الخطوات التي اتخذها الأمير القطري. وفي حقيقة الأمر تعتبر الإمارات العربية المتحدة أحد المستثمرين الآخرين الجدد الكبار في إسبانيا، فحتى الآن استثمرت مبلغا قدره 6.200 مليون يورو في قطاعات مختلفة. وإلى جانب فريق كرة القدم، اشترت الإمارات العربية المتحدة حصة قيمتها 6.000 مليون يورو في شركة البترول الإسبانية «سيبسا»، كما وعدت باستثمار 150 مليون يورو في إعادة هيكلة بنوك الادخار.

وقد حددت الحكومة الإسبانية عملية إعادة الهيكلة هذه باعتبارها أحد الأهداف الأساسية لسياستها الاقتصادية في العام التالي، ويبدو أن ثاباتيرو وجد الحل في الخارج، بفضل الاتفاقات التي أبرمتها حكومته مع كل من حكومة قطر والإمارات العربية المتحدة والصين.

واتفقت ثلاث مؤسسات اقتصادية بارزة (جهاز أبوظبي للاستثمار، وجهاز قطر للاستثمار، ومؤسسة الاستثمار الصينية) مع الحكومة الإسبانية على استثمار مبالغ مختلفة في بنوك الادخار الإسبانية بهدف الخروج من حالة الكساد الاقتصادي التي تعاني منها هذه الكيانات. وفي الوقت الحالي تتفاوض هذه الكيانات حول تدعيم بنوك الادخار بنكا تلو الآخر بهدف دراسة حالة كل بنك منها على حدة على النحو المناسب. ومع ذلك فقد اتفقوا بالفعل على أن يستثمروا مبلغا قيمته 9.450 مليون يورو في هذه البنوك في ما بينهم (على أن تكون الصين المستثمر الرئيسي بمبلغ قيمته 9.000 مليون يورو).

وترحب إسبانيا بذلك. ففي يوم الاثنين الماضي، أثناء حفل عشاء أقيم في القصر الملكي، أوضح الملك الإسباني أن هذه الزيارة «فرصة ممتازة لتحفيز رجال الأعمال في كلتا الدولتين على تعميق الفهم المشترك في ما بينهم وعلى وضع خطط جديدة للتعاون». وأصر الملك خوان كارلوس على «أولوية علاقة العالم العربي في السياسة الخارجية لإسبانيا». وقال: «يجب أن تعمل علاقتنا السياسية الممتازة كحافز لتحقيق قفزة نوعية في القضايا الاقتصادية والتعاون التجاري». وعلى الرغم من أن العائلة المالكة كانت جهة الدعم الأساسية لهذه الزيارة الرسمية، قام ملك إسبانيا بدعوة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني على الغداء، حيث وقعوا مزيدا من الاتفاقيات، بعضها متعلق بالنقل والتأمين والتعاون في القطاع الرياضي، وهناك اتفاقيات أخرى متعلقة بالبنية التحتية وقطاع النقل ومجالات الدفاع والصحة والسياحة والثقافة. وقد وصل الشيخ حمد بصحبة زوجته الشيخة موزة بنت ناصر، التي لفتت الأنظار بأناقتها، وركز الإعلام الإسباني عليها، وتصدرت صور لها الصفحات الأولى في معظم الصحف الإسبانية. في حقيقة الأمر، أبرزت الكثير من الصحف جهود الشيخة موزة في ما يتعلق بموقف النساء العربيات وتوسيع نطاق الثقافة القطرية، دون إغفال حقيقة أن وجودها في إسبانيا يؤكد على أن هذه الدولة باتت هدفا رئيسيا للمستثمرين العرب في وقت تسود فيه حالة من الكساد الاقتصادي، وهو ما قد يساعد على إنقاذ الاقتصاد الإسباني.

* صحافية في صحيفة ألبايس الإسبانية متعاونة مع «الشرق الأوسط»