«ستاندر آند بورز» تخفض توقعاتها الخاصة بتصنيف اليابان

أخذت في الاعتبار الشكوك حول قدرة الحكومة على معالجة آثار الزلزال

TT

بعد نحو سبعة أسابيع من الزلزال القوي وإعصار تسونامي اللذين ضربا منطقة شمال شرقي اليابان، لا يزال الاقتصاد الياباني يصارع من أجل العودة إلى حالته الطبيعية، كما تواجه الدولة تكاليف ضخمة خاصة بإعادة الإعمار، والتي ربما تشكل عبئا كبيرا على ماليتها العامة المتأزمة بالفعل.

وقد تجلت آخر التحذيرات من الحالة المالية للدولة أمس الأربعاء، حينما قامت مؤسسة التصنيفات الائتمانية «ستاندر آند بورز» بخفض توقعاتها الخاصة باليابان إلى سلبية، مشيرة إلى أن التكاليف الهائلة لعملية إعادة إعمار المناطق المدمرة - التي قدرت بنحو 50 تريليون ين أو 612.6 مليار دولار - من شأنها أن تؤدي إلى خفض التصنيف الائتماني لليابان ما لم تزد الحكومة اليابانية جهودها للحيلولة دون حدوث ارتفاع جديد في مستويات الديون الحكومية المرتفعة بالأساس.

واحتفظت مؤسسة التصنيفات الائتمانية بتصنيفها طويل الأجل للاقتصاد الياباني، الذي قد خفضته في يناير (كانون الثاني)، ثابتا عند المستوى - AA. غير أن توقعها السلبي الحالي أبرز حالة الشك الهائلة التي تلقي بظلالها على قدرة الدولة على التعافي من الأزمة التي تعرضت لها في 11 مارس (آذار).

هناك نحو 26.000 شخص مفقود أو لقي حتفه، فضلا عن عشرات الآلاف من المباني المهدمة ومئات الآلاف من السيارات المحطمة. ودخلت عملية الإمداد بالأجزاء الأساسية وقطع الغيار التي يحتاجها المصنعون في حالة من الفوضى، كما أدى تدمير محطة الطاقة النووية «فوكوشيما داييتشي» إلى تعطيل وصول إمدادات الطاقة إلى الأجزاء الرئيسية في الدولة.

ويشير المحللون إلى أن أشكال العجز في الطاقة المتوقع حدوثها أثناء أشهر الصيف الحارة يمكن أن تسبب تراجعا في المشروعات التجارية في الكثير من مناطق الدولة على مدى أشهر مقبلة.

وألقى بيان كل من «شارب»، شركة صناعة الإلكترونيات، و«أول نيبون إيروايز»، إحدى كبرى شركات الطيران في الدولة، يوم الأربعاء، الضوء على مشاعر الألم والشكوك التي تخالج الكثير من الشركات اليابانية.

وجاء في بيان لشركة «شارب»: «من الصعب جدا في هذا الوقت أن نقدر بشكل عقلاني تأثير الزلزال على نتائجنا المالية، والذي سيمتد عبر كل أنشطة عملنا، بدءا من الإنتاج وانتهاء بالمبيعات». وأوضح مسؤولون بشركة «أول نيبون إيروايز» أن هبوطا حادا شهدته حركة الطيران أدى بها إلى خسارة 19 مليار ين من عائدها.

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع خفضت شركة «كانون» مستوى التوقعات الخاصة بأرباحها ومبيعاتها السنوية، في حين ذكرت شركة «تويوتا» أن الأمر سيستغرق منها عدة أشهر حتى تتمكن من إعادة الإنتاج بمصانعها إلى مستوياته المعهودة قبل حدوث الزلزال.

وفي الوقت نفسه تأثر إنفاق المستهلك أيضا بشكل سيئ بالكارثة التي حلت باليابان، فقد أشارت الحكومة اليابانية يوم الأربعاء إلى أن معدلات المبيعات بالتجزئة في مارس انخفضت بنسبة 8.5% عنها في الفترة نفسها منذ عام مضى، وهو أكبر انخفاض تشهده خلال 13 عاما، والذي يعد أكبر مما توقعه المحللون.

وعلق ماساميتشي أداتشي، الاقتصادي في مؤسسة «جي بي مورغان تشيس» في طوكيو، في ملاحظة بأحد الأبحاث بقوله إن حدوث انتعاش ضخم في الاستهلاك «يبدو أمرا غير محتمل في المستقبل القريب». وأضاف: «من المتوقع أن يستمر القلق بشأن التنمية في محطة (فوكوشيما داييتشي) للطاقة النووية لفترة، ويبدو المستهلكون ممتنعين عن الإنفاق».

كل هذا أثر على اقتصاد كان بالفعل مثقلا بعوامل أخرى، أبرزها النمو الضعيف والانكماش وارتفاع نسبة السكان كبار السن، بالإضافة إلى مستويات دين حكومي مرتفعة قبل أن يضرب الزلزال اليابان في 11 مارس.

وقد أعدت مؤسسة «ستاندرد آند بورز» يوم الأربعاء الماضي تقديرا يفيد أن تكاليف إعادة الإعمار في اليابان يمكن أن تتراوح ما بين 20 تريليونا و50 تريليون ين.

وتظل نسبة التلوث البيئي في شمال شرقي اليابان غير معروفة، وعلى الرغم من أنه من المتوقع أن تعود سلاسل الإمداد إلى حالتها الطبيعية، فإنه يمكن أن تتخذ بعض الشركات قرارا بنقل حصة أكبر من إنتاجها إلى خارج البلاد. كذلك يمكن أن يؤدي التعطل الكبير في سلاسل إمدادات الشركات إلى تقويض مواقع مهيمنة يحتلها الكثير من الشركات في القطاعات التي تعمل بها، حسبما أشار تاكاهيرا أوغاوا، محلل التصنيفات الائتمانية في مؤسسة «ستاندرد آند بورز» في مؤتمر هاتفي.

وفي حين أنه ليس من المحتمل أن تؤثر الكوارث بشكل سلبي على إمكانية تحقيق الاقتصاد نموا طويل الأجل، فإن تلك الاحتمالية تقل على أية حال. فليس من المرجح أن يرتفع معدل النمو على المدى المتوسط لمستوى أعلى من المعدل السنوي المقدر بنسبة 1%، وفقا لما ذكرته مؤسسة «ستاندرد آند بورز».

وتتوقع مؤسسة التصنيفات الائتمانية أن يصل صافي الدين الحكومي العام إلى نسبة 145% من إجمالي الناتج المحلي في العام المالي الذي يبدأ من مارس 2014، ليكون أعلى من آخر تقدير وضعته، والذي حددته فيه بنسبة 137%.

يمتلك المقدار الأكبر من الدين الحكومي الياباني مستثمرون محليون، وبصرف النظر عن مشكلاتها الأخرى، لا يزال لدى اليابان فائض محاسبي في الوقت الحالي. ويشير المحللون إلى أن هذا يعني أن أي انخفاض في تصنيف أي دين لن يكون من المحتمل أن يؤثر بشكل سيئ على أسواق الدين اليابانية أو أن يزيد من تكاليف الاقتراض الحكومية بشكل حاد.

بالفعل لم تشهد عائدات السندات الحكومية اليابانية تغيرا كبيرا بعد تغيير النظرة من قبل مؤسسة التصنيفات الائتمانية، في حين أغلق مؤشر الأسهم «نيكي 225» اليوم على ارتفاع نسبته 1.4%، غير أن المسؤولين الحكوميين أسرعوا بطمأنة المستثمرين على حالة المالية العامة في اليابان.

قال وزير المالية، يوشيهيكو نودا، حسب وكالة «رويترز»: «تبذل الحكومة الآن قصارى جهدها من أجل تقديم الإسعافات اللازمة وإعادة الإعمار، ما بعد الكارثة. ومن المهم المضي قدما في الإصلاح المالي في الوقت نفسه». وعقب قائلا: «الإصلاح المالي شيء لا يمكننا تجنبه».

وعلى الرغم من ذلك فإن الخيارات المتاحة لليابان لتعزيز اقتصادها دون زيادة حجم ديونها على المدى الطويل تعتبر محدودة. إن البنك المركزي لا يمكنه خفض أسعار الفائدة، التي تقترب بالفعل من الصفر، مما يعني أن إجراءات الدعم التي أعلن عنها في أعقاب حدوث الزلزال المدمر ركزت على تسهيل الإقراض وضخ السيولة النقدية في الأسواق المالية.

ويرى الاقتصاديون أنه في اجتماع وضع سياسات بنك اليابان «بنك أوف جابان» يوم الخميس، ربما يضيف البنك المركزي برنامجا لدعم عمليات شراء السندات الحكومية وسندات الشركات.

ومن المتوقع أن يقوم البرلمان في الوقت نفسه بالتصديق على ميزانية إضافية قيمتها 4 تريليونات ين. وأشار أداتشي، الاقتصادي بشركة «جي بي مورغان» إلى أنه بدأت تجرى مناقشات حول تخصيص ميزانية ثانوية أكبر تغطي عمليات إعادة الإعمار واسعة النطاق، إلا أنه لم يتضح بعد حجم هذه الميزانية وكيف سيتم تمويلها.

في غضون ذلك ألقى التصنيف المنخفض لليابان مجددا الضوء على مستويات الدين الضخمة باقتصادات الكثير من الدول المتقدمة في العالم، فقد ارتفعت مستويات الدين الحكومي في اليابان والولايات المتحدة والكثير من الدول الأوروبية، أبرزها اليونان والبرتغال وإسبانيا وآيرلندا، بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، الأمر الذي يلقي بالمزيد من الضغوط على كاهل السياسيين والتي ترغمهم على القيام بإصلاحات مالية شاقة.

في الأسبوع الماضي وجهت مؤسسة «ستاندرد آند بورز» تحذيرا مماثلا للولايات المتحدة، أشارت فيه إلى أن التصنيف الائتماني المحدد لها وهو AAA بات مهددا بسبب العجز في ميزانيتها وعدم الوضوح بشأن الأساليب التي تعتزم الحكومة الأميركية انتهاجها لتقليل عبء الدين.