إلى أين يتجه الاقتصاد الأميركي؟

التضخم ارتفع بأسرع وتيرة في عامين ونصف العام

TT

ما زالت التساؤلات قائمة حول الوجهة التي سيأخذها الاقتصادي الأميركي مع المتغيرات الداخلية والخارجية التي تعرفها بنية أكبر اقتصاد في العالم. وقد تباطأ نمو الاقتصاد الأميركي بوتيرة أسرع من المتوقع وبلغ بـ1.8 في المائة خلال الربع الأول من هذا العام، حسب بيانات صادرة من وزارة التجارة الأميركية.

وقد أدى ارتفاع أسعار الغذاء والبنزين لانخفاض إنفاق المستهلكين ودفع مؤشر واسع النطاق للتضخم للارتفاع بأسرع وتيرة في عامين ونصف العام.

وأفادت البيانات بأن تباطؤ نمو الاقتصاد الأميركي نتج عن تقلص إنفاق الحكومة الأميركية بنحو 7.9 في المائة، خلال الربع الأول من 2011، بالإضافة إلى ارتفاع معدل الواردات خلال نفس الفترة، حيث شهد النمو الأخير في الربع الأول من 2011 انخفاضا مقارنة بالنمو الذي شهده الاقتصاد الأميركي بنحو 3.1 في المائة، في الربع الرابع من 2010 نتيجة ارتفاع أسعار الوقود، والذي أثر على نمو جيد لمعدلات الإنفاق الاستهلاكي في أكبر اقتصاد بالعالم، بالإضافة إلى تأثر قطاع التشييد والبناء ببرودة الطقس خلال شهر يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين.

وشهد الاقتصاد الأميركي انكماشا قويا وصل إلى 6.1 في المائة في الربع الأول من 2009 إلا أن التدخل الحكومي ساهم في عودة الاقتصاد الأميركي إلى النمو منذ الربع الثالث من 2009 حتى الآن لكن تباطؤ النمو منذ الربع الأول من 2010 من مستويات 5.7 في المائة إلى 3.1 في المائة في الربع الرابع من 2010 أثار مخاوف أسواق المال من عودة الضغوط الانكماشية على قطاعات الاقتصاد الأميركي المختلفة التي تحققت بعد بيانات الربع الأول من هذا العام.

ومنذ أغسطس (آب) 2010 ظهرت بوادر لخروج الاقتصاد الأميركي من الضغوط الانكماشية حيث أظهرت بيانات التضخم ارتفاعا طفيفا في مؤشر أسعار المستهلك بين 0.3 في المائة و0.5 في المائة خلال الربع الأخير من 2010 والربع الأول من هذا العام.

إلا أن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لا يعير اهتماما لذلك المؤشر الذي وصف بياناته بالمتباينة وتبنى مؤشرا يستبعد أسعار الغذاء والطاقة مما أثار تساؤلات تجاه الكيفية التي يتم بها تطبيق مبدأ استقرار الأسعار.

وبحسب بيانات صادرة من مكتب الإحصاء الأميركي يوم الاثنين الماضي، سجلت مبيعات المنازل الأميركية في مارس (آذار) الماضي نموا بنحو 300 ألف منزل مقارنة بـ270 ألف منزل في فبراير الماضي، ووصل متوسط أسعار المنازل الأميركية إلى 214 ألف دولار.

وقد يشكل تحسن البيانات لقطاع الإسكان الأميركي تخفيفا لحدة الانتقادات التي يواجهها بن بيرنانكي من احتمالات عدم نجاح برنامج التيسير الكمي للنهوض بالقطاع العقاري في الولايات المتحدة الذي ما زال يعاني من آثار الأزمة المالية التي دفعت الاقتصاد الأميركي إلى الركود منذ الربع الثالث من عام 2008.

وسجلت معدلات البطالة انخفاضا إلى 8.8 في المائة في مارس الماضي مقارنة 9.8 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2010، الذي يعد تحسنا استمر منذ الربع الأخير من 2010، إلا أن تراجع معدلات البطالة في الاقتصاد الأميركي جاء نتيجة تراجع عدد القوى العاملة ولا يرتبط بتوافر فرص وظيفية جديدة تدل على قدرة سوق العمل على استيعاب تدفق القوى العاملة في اقتصاد الولايات المتحدة. وفي محاولة للتأكد من أسباب تراجع معدل البطالة قامت ليسا باروو، وهي باحثة اقتصادية لدى مصرف شيكاغو الفيدرالي، بدراسة بيانات مرتبطة بالتعداد السكاني خلصت إلى أن هبوط معدلات البطالة جاء نتيجة تباطؤ معدلات تسريح العاملين من وظائفهم وليس نتيجة نمو فرص العمل في الاقتصاد الأميركي.

وأفادت بيانات صادرة يوم أمس عن وزارة العمل الأميركية بارتفاع طلبات الإعانة للعاطلين عن العمل بنحو 429 ألف طلب إعانة في الأسبوع الماضي يشكل 34 ألف فرد منهم موظفون سابقون في دوائر حكومية، وبذلك يصل عدد الأشخاص الذين يعتمدون على مبلغ الإعانة الأسبوعي الذي يقدر بنحو 330 دولارا إلى ما يقارب 8.2 مليون فرد في الولايات المتحدة من أصل 13.5 مليون فرد عاطل عن العمل، الذي يعتبر تحديا أمام الاقتصاد الأميركي لاستيعاب 5 ملايين شخص لا يحصلون على إعانات خارج سوق العمل الأميركي.

وتعتبر بيانات سوق العمل الأميركي الأكثر أهمية لدى المراقبين للأوضاع الاقتصادية، حيث يشكل تحسن سوق العمل الأميركي مؤشرا على زيادة الإنفاق الاستهلاكي الذي يعد ثلثي الإنفاق العام في الاقتصاد الأميركي.

وفي خطوة غير مسبوقة منذ إنشاء الاحتياطي الفيدرالي الأميركي عام 1913، واجه بن بيرنانكي رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسئلة الصحافة المتعلقة بقرار السياسة النقدية الأميركية خلال الربع الثاني من هذا العام في مؤتمر صحافي عقد يوم الأربعاء الماضي.

وتعد إقامة مؤتمر صحافي أربع مرات كل عام خطوة ضمن خطوات تبناها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لتعزيز وسائل الاتصال بين صناع السياسة النقدية وأسواق المال لتحقيق الشفافية، والتي تساهم في استيعاب المراقبين للقرارات المتخذة حسب البيانات المتوافرة لدى الاحتياطي الفيدرالي الأميركي عن حالة الاقتصاد الأميركي.

وأفاد بن بيرنانكي بأن برنامج التيسير الكمي لشراء 600 مليار دولار من سندات الخزينة الأميركية، سيكتمل في يونيو (حزيران) المقبل، مشيرا إلى أن معدلات التضخم، ما زالت تحت السيطرة إلا أنه شدد على أن ذلك سيعتمد على بقاء توقعات التضخم منخفضة لدى المستهلك، وعلى عدم بقاء أسعار السلع، وخصوصا النفط، عند المستويات الحالية، حيث أبدى توقعا أمام الصحافيين بأن أسعار النفط قد وصلت إلى ذروتها على المدى الطويل.

وبادر الدكتور جون ميسون، أحد الاقتصاديين العاملين سابقا في الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، إلى التساؤل عن أثر برنامج التيسير الكمي الذي اتبعه الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على تحسن الاقتصاد الأميركي والذي لم يساهم في دفع عجلة الإقراض، حسب تعبيره، حيث أفاد بأن الاحتياطيات الفائضة لدى النظام المصرفي شهدت نموا مطردا إلى مستويات 1.7 تريليون دولار دون أن تتحسن معدلات القروض المقدمة من المصارف الأميركية إلى الشركات والمؤسسات العاملة في الاقتصاد الأميركي.

وأوضح الدكتور جون ميسون أن حجم القروض المقدمة من قبل المصارف الأميركية هبط بنحو 130 مليار دولار منذ أغسطس 2010، وهي الفترة التي أطلقت فيها المرحلة الثانية من برنامج التيسير الكمي.

وأضاف أن «قروض الرهن العقاري شهدت تدهورا بنحو 95 مليار دولار مقارنة بتدهور القروض الاستهلاكية بنحو 65 مليار دولار في نفس الفترة»، مما دفع الدكتور جون ميسون إلى التساؤل عن جدوى برنامج التيسير الكمي. ولفت إلى أن التفسير المنطقي الوحيد لبرامج التيسير الكمي هو مساعدة المصارف الأميركية للخروج من حالة ضعف الملاءة المالية وتجنيبها دخول مرحلة الإفلاس التي هددت النظام المالي بأكمله.

وقال ديفيد ميركل كبير اقتصاديي شركة «فيناكورب» للأوراق المالية إن أحد أهم تلك التساؤلات هو لماذا استبعد بيرنانكي بيانات أسعار الغذاء والطاقة من مؤشر أسعار المستهلك الذي يستخدمه كمقياس لقراءة بيانات التضخم، حيث أشار ديفيد ميركل إلى إمكانية معالجة اضطراب البيانات عبر استخدام معادلات لقياس متوسط التضخم دون إقصاء أسعار الغذاء والطاقة عن مؤشر أسعار المستهلك، الذي لا يعكس واقع آثار التضخم على الإنفاق لدى المستهلك.

ومنذ انطلاق برنامج التيسير الكمي في نوفمبر 2008 شهد الدولار الأميركي انخفاضا ملحوظا أمام سلة من العملات الرئيسية بعد بدء برنامج التيسير الكمي الأول الذي ضخ 600 مليار دولار لشراء سندات الرهن العقاري، حيث هبط مؤشر الدولار من مستوى 88 إلى 74 في نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2009، وعندما شهدت عمليات برنامج التيسير الكمي تباطؤا استدرك سعر صرف الدولار الأميركي خسارته أمام العملات الرئيسية، وعاود الارتفاع مرة أخرى إلى مستويات 88 إلا أن قيام الاحتياطي الفيدرالي بإطلاق مرحلة ثانية من برنامج التيسير الكمي في أغسطس 2010، عبر شراء 600 مليار دولار من سندات الخزينة الأميركية، دفع الدولار الأميركي إلى التراجع مرة أخرى خلال السبعة أشهر الأخيرة وصولا إلى مستويات 73 يوم أمس.

ويشكل العجز التجاري للاقتصاد الأميركي حجة لدى البعض لتبني سياسة ضعف الدولار الأميركي في محاولة لتعزيز الصادرات الأميركية إلا أن ارتفاع العجز التجاري لدى الولايات المتحدة منذ أبريل (نيسان) 2009 عند مستويات 26 مليار دولار إلى مستويات 46 مليار دولار في أبريل 2011، تزامن مع انخفاض سعر صرف الدولار في تلك الفترة، مما يقلل من قدرة الصادرات الأميركية من سلع وخدمات على معالجة العجز التجاري للاقتصاد الأميركي إذا لم تشهد الأسواق الناشئة في آسيا نموا في وارداتها من الولايات المتحدة عبر تعزيز الإنفاق الاستهلاكي المحلي للدول الناشئة. هذا الهبوط في سعر صرف الدولار أمام العملات الرئيسية بنحو 16 في المائة، أصبح جليا بعد أن سجلت أسعار الواردات ارتفاعا بنحو 9.7 في المائة منذ مارس 2010 والذي يمثل استمرارا لارتفاع أسعار الواردات بنحو 11.2 في الفترة ما بين مارس 2009 ومارس 2010 وقد أدى ارتفاع أسعار الواردات إلى تقلص مبيعات كبرى المتاجر الأميركية (وال مارت) والتي أفادت بأن ارتفاع الأسعار كبح نمو مبيعات التجزئة لديها، الذي تزامن مع هبوط مبيعات التجزئة الأميركية بنحو 300 مليار دولار منذ الأزمة المالية، حسب بيانات مكتب الإحصاء الأميركي.