البيانات الاقتصادية الأوروبية تظهر تصاعد مخاطر التضخم وتباين مستويات النمو

في ظل استمرار أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو

TT

عكست البيانات الاقتصادية التي صدرت من منطقة اليورو، الوضع العام الذي تشهده المنطقة في ظل تصاعد مخاطر التضخم، و مواجهة أزمة ديون سيادية في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة تباينا لمستويات نمو الأعضاء، وهو ما انعكس سلبا على مستويات الثقة.

وبداية بمؤشر توقعات أسعار المستهلكين عن شهر أبريل (نيسان) الماضي حيث ارتفع مسجلا 2.8% من 2.6% للقراءة السابقة بينما كانت التوقعات تشير إلى 2.7%. هذا الارتفاع الذي شهده المعدل قد يضغط على البنك المركزي الأوروبي لاتخاذ المزيد من إجراءات لتقليص السياسة النقدية والتي بدأها في بداية الشهر الماضي عندما رفع سعر الفائدة بنحو 0.25% لتصل إلى 1.25% لكبح جماح التضخم.

وكان كلود تريشيه - رئيس البنك الأوروبي - أشار في وقت سابق إلى أن البنك سوف يقوم بكافة الإجراءات الضرورية من أجل السيطرة على الأسعار وعدم وصولها إلى المناطق الخطرة، ومشيرا في ذلك إلى أن التضخم لم يصل إلى المستويات الخطرة بعد. وإن كان قد نوه في المؤتمر الصحافي السابق بأن السياسة النقدية الجديدة التي تم اتخاذها تعد مناسبة في الوقت الراهن وذلك بسبب المخاطر التصاعدية للتضخم في الوقت الذي يسعى فيه البنك إلى تجنب الضغوط من قبل ارتفاع التضخم واسع النطاق والعمل على كبح جماح التضخم للتأكيد على دعم مستويات النمو في المنطقة.

وأعلن مكتب الإحصائيات الأوروبية (يوروستات) أن معدلات عجز الموازنة لعام 2010 بلغت في دول منطقة اليورو 6% بينما وصلت النسبة إلى 6.4% في مجمل دول الاتحاد الأوروبي، وبالتالي تكون معدلات عجز الموازنة في دول التكتل الموحد قد سجلت تراجعا إجماليا في عام 2010 مقارنة بالعام الذي سبقه سواء بالنسبة لمنطقة العملة الأوروبية الموحدة، اليورو أو في مجمل دول المجموعة الأوروبية الموحدة، واستند التقرير في نتائجه على المعطيات التي قدمتها الدول الأعضاء في التكتل، مؤكدا أن معدلات عجز الموازنة كانت قد سجلت عام 2009 نسبا تقدر بـ6.8% في مجمل دول الاتحاد و6.4% في دول منطقة اليورو، «أما بالنسبة للمديونية، فقد سجلت ارتفاعا محدودا بين عامي 2009 و2010»، وقال التقرير إن نسب المديونية كانت في منطقة اليورو 79.3% عام 2009، وارتفعت إلى 1.85% العام الماضي، أما بالنسبة لدول الاتحاد الـ27، فقد تحركت نسب المديونية العامة بين 74.4% إلى 80% بالنسبة للفترة نفسها وكانت دول مثل آيرلندا واليونان قد سجلت أعلى نسب عجز مالي في العام الماضي، بينما تم تسجيل أدنى النسب في عدة بلدان مثل لوكسمبورغ، وفنلندا والدانمرك وإستونيا، «أما السويد فقد سجلت توازنا تاما في موازنتها خلال عام 2010، أي إن نسبة العجز قد بلغت نسبة صفر في المائة» وحول نسب المديونية العامة بالنسبة للناتج القومي المحلي في كل بلد، فقد سجلت أقل المعدلات في عدة دول مثل استونيا، تليها بلغاريا، ثم لوكسمبورغ، ورومانيا، بينما وصلت نسب المديونية العامة للعام الماضي في دول مثل إيطاليا إلى 119% وبلجيكا 96% وفرنسا 81.7 في المائة، وأوضح التقرير أن هناك 14 دولة أوروبية تراوحت نسب المديونية العامة فيها بين 60 إلى 70% من مجمل الناتج القومي.

ومن التضخم إلى بيانات الثقة حيث انخفض مؤشر مناخ الأعمال عن شهر أبريل ليصل إلى 1.28 من 1.41 للقراءة السابقة وجاء بأدنى من التوقعات التي كانت تشير إلى 1.40. وتراجع مؤشر الثقة في الاقتصاد خلال أبريل ليصل إلى 106.2 من 107.3 للقراءة السابقة بينما كانت التوقعات تشير إلى 107.00، وانخفض مؤشر ثقة المستهلك في نفس الفترة ليصل إلى -11.6 من -11.4 للقراءة السابقة. وكذا تراجع مؤشر الثقة الصناعي ليصل إلى 5.8 من 6.6% وانخفض مؤشر الثقة الخدمي إلى 10.4 من 10.8 للقراءة السابقة. وانخفاض مستويات الثقة يعد بالأمر الطبيعي في ظل هذه الظروف التي تمر بها المنطقة مؤخرا خاصة بعد أن اتجه البنك إلى رفع سعر الفائدة والتي قد تؤدي إلى تباطؤ وتيرة تعافي المنطقة ككل وقد تؤثر سلبا على بعض اقتصادات المنطقة والتي تواجه هشاشة في النمو أو غارقة في الانكماش خاصة الدول ذات التعثر المالي.

وحتى الآن لم تنته معضلة أزمة الديون السيادية في المنطقة خاصة بعد أن اقتربت البرتغال من الحصول على المساعدة من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، وكذا لا تزال اليونان تعاني مما خلفته هذه الأزمة ومن ثم لا توجد عوامل قوية مساعدة على دعم الثقة في المنطقة وإن كان الاقتصاد الألماني لا يزال يدعم نمو المنطقة ككل لكن حالة عدم التأكد والمخاوف بشأن ما يحدث مستقبلا في تغير السياسيات المالية والنقدية أرهقت من مستويات الثقة بشكل عام. على الرغم من ذلك فإن معدل البطالة أظهر تحسنا بعض الشيء في مارس (آذار) حيث أظهر تراجع عدد العاطلين عن العمل بنحو 9 آلاف شخص ليصل إجمالي عدد العاطلين إلى 15.6 مليون شخص. وجاء ثابتا عند مستوى 9.9% ودون تغير عن القراءة السابقة. وفي تقرير منفصل أظهر المعهد القومي للإحصاء في إسبانيا أن معدل البطالة سجل 21.3% في الربع الأول من 20.3% للربع السابق له، وبالتالي تبقى إسبانيا أكبر دولة صاحبة أعلى معدل للبطالة في المنطقة.

ويأتي ذلك فيما أكد خبير مالي أوروبي بارز، أن منطقة اليورو لن تخرج من أزمة الديون التي تواجه بعض دولها الأعضاء دون معاناة. وقال كبير الخبراء الماليين في البنك المركزي الأوروبي يورغن شتارك في حديث مع قناة التلفزيون الألمانية الثانية (زد دي إف) إن طريق خروج منطقة اليورو من أزمة الديون «لن يكون خاليا من الآلام». وحذر المسؤول المالي من خطط بشأن إعادة جدولة ديون الدول الأوروبية الثلاث اليونان والبرتغال وآيرلندا كما يقترح بعض المسؤولين في الوقت الحاضر. وكانت أنباء ترددت الأسابيع الماضية عن أن الحكومة اليونانية لن تكون قادرة على تسديد ديونها الأمر الذي يتطلب إعادة جدولة هذه الديون وبالتالي إعفاء حكومة أثينا من دفع جميع ديونها. وحذر شتارك من هذه الخطوة قائلا: «إعادة جدولة ديون الحكومة اليونانية وبالتالي خفضها يبدو ربما أسهل الطرق لكن هذا الحل لن يساهم في حل مشكلة الديون التي تعاني منها ميزانية حكومة أثينا وكذلك في حل المشكلات الهيكلية التي يعاني منها اقتصادها». ووصف الخبير المالي الذي يتولى منذ عام 2006 منصب كبير الخبراء الماليين في البنك المركزي الأوروبي اقتراحات إعادة جدولة اليونان بأنها «قصيرة النظر ومرتبطة بتداعيات سلبية كثيرة» على اقتصادات الدول التي تعاني من المشكلة. وأضاف شتارك أن اقتصادات هذه الدول «ستبقى لفترة طويلة تعاني من عزلة في أسواق الأموال» وستكون «مضطرة إلى الاعتماد على رؤوس أموال أجنبية». ورأى الخبير المالي أن الطريق المثالي للخروج من الأزمة هو مواصلة سياسة التقشف والإصلاحات الاقتصادية التي اتخذتها هذه الدول وقيامها بتسديد ديونها كاملة الأمر الذي يعني أن طريق خروج منطقة اليورو من أزمة الديون «لن يكون خاليا من الآلام».