تفاؤل الأسواق يتواصل مع عودة الثقة بالإدارة الأميركية

محللون: مقتل بن لادن يزيد من انتعاش الأسواق بعد تعافيها من الأزمات

متعامل في السوق يترقب ما يحمله المستقبل
TT

انخفض سعر خام برنت عن 124 دولارا للبرميل أمس الثلاثاء مع انتعاش الدولار من أدنى مستوياته في ثلاثة أعوام ومع ذيوع نبأ مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. وصعد مؤشر الدولار الذي يقيس أداء العملة الأميركية أمام سلة من العملات الرئيسية 0.3 في المائة لكنه ما زال قرب أدنى مستوى منذ نحو ثلاثة أعوام.

وقالت سيرين ليم، محللة السلع الأولية في بنك «إيه.إن.زد» في سنغافورة لـ«رويترز» «ما زالت الأسعار منخفضة ويرجع هذا على الأرجح إلى تأثير صعود الدولار».

وهبط سعر برنت في عقود يونيو «حزيران» 1.21 دولار إلى 123.91 دولار للبرميل بحلول الساعة 1030 بتوقيت غرينتش. وكان قد تراجع أيضا أمس بعد نبأ مقتل بن لادن على أيدي القوات الأميركية في باكستان. وفقد الخام الأميركي 1.18 دولار إلى 112.34 دولار. كان برنت قد تراجع في وقت سابق إلى 123.51 دولار للبرميل.

ورغم هبوط أسعار النفط فور انتشار نبأ مقتل بن لادن، قال محللون إن احتمال وقوع هجمات انتقامية واضطرابات بالشرق الأوسط قد يعزز السوق. وقال محللون في «كومرتس بنك» في تقرير «علاوة المخاطر قد ترتفع من جديد إذا أعقبت ذلك أعمال انتقامية... وما دامت الاضطرابات مستمرة في دول عربية لن يهبط سعر النفط هبوطا كبيرا بأي حال من الأحوال». ويترقب المستثمرون بقطاع النفط أيضا أحدث أرقام لمخزونات النفط الأميركية والمقرر إعلانها هذا الأسبوع. وأظهر أمس استطلاع لـ«رويترز» قبل إعلان تقارير صناعية وحكومية أن من المتوقع زيادة مخزونات النفط الخام الأسبوع الماضي مع تجاوز واردات الخام لمعدل طلبات المصافي.

وفي لندن قال مستثمرون إنهم يتوقعون أن تنتعش الأسواق ولا يتوقع أن يرى الذين اشتروا الأسهم في وقت تعاني فيه أوروبا من انتشار أزمة الائتمان، واليابان التي تعاني من حالات طوارئ نووية، والولايات المتحدة التي عانت من تضخم العجز في الميزانية، في نبأ مقتل أسامة بن لادن أي شيء آخر سوى أنه سيؤدي إلى انتعاش الأسواق المالية.

وقال توماس جي لي، كبير محللي الأسهم الأميركية في مصرف «جي بي مورغان تشيس بنيويورك»، إن مقتل بن لادن في باكستان قد يحفز المزيد من الأفراد على شراء الأسهم خلال الأشهر المقبلة. وقال جيم أونيل، رئيس إدارة أصول مؤسسة «غولدمان ساكس في لندن»، على الرغم من أن الهجوم قد يشجع الإرهابيين على شن هجمات جديدة، فإنه سيحفز التجار على بيع السلع وشراء الأسهم، في حين صرحت كاثلين بروكس، مديرة الأبحاث في مجموعة «جين كابيتال» بأن مقتل بن لادن لن يؤدي إلى تقليص تراجع الدولار.

وتشكل وفاة بن لادن علامة بارزة على انتهاء عشر سنوات من المطاردة التي بدأت بتدمير مركز التجارة العالمي في نيويورك في 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وفي حين رأي بعض الاستراتيجيين أن هذه العملية ستكون لها أهمية رمزية فقط مع انخفاض الأسهم الأميركية، قال جي لي إن المستثمرين سوف يجنون فوائد نتيجة لتزايد الثقة في الولايات المتحدة والرئيس باراك أوباما. وفي مقابلة مع برنامج «إن ذي لووب» الذي يقدمه بيتي ليو على «تلفزيون بلومبرغ»، قال جي لي إن رد فعل السوق أمس كان «صاخبا بصورة أساسية»، وأضاف: «إنه شيء إيجابي لأن الناس قد تجنبوا الأسهم لأنهم يعتقدون أنها محفوفة بالمخاطر. سوف يؤدي هذا في الأساس إلى زيادة التدفق على الأسهم».

وتراجعت الأسهم الأميركية أمس عند الفتح مع تعرض أسعار السلع الأولية لضغوط من ارتفاع الدولار بينما يفكر المستثمرون في إمكانية التوقف لالتقاط الأنفاس بعد موجة صعود الأسهم في الآونة الأخيرة. وتراجع مؤشر «داو جونز» الصناعي لأسهم الشركات الأميركية الكبرى 10.52 نقطة بما يعادل 0.08 في المائة ليصل إلى 12796.84 نقطة. وفقد مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» الأوسع نطاقا 2.97 نقطة أو 0.22 في المائة مسجلا 1358.25 نقطة. وهبط مؤشر «ناسداك» المجمع الذي تغلب عليه أسهم شركات التكنولوجيا 0.85 نقطة أو 0.17 في المائة إلى 2859.23 نقطة. وانخفضت السندات الحكومية أجل عشر سنوات بنسبة 0.01 نقطة مئوية لتصل إلى 3.28 في المائة في الساعة 5:11 مساء بتوقيت نيويورك، بعد ارتفاعها بمقدار ثلاثة كسور أساسية. وسجل الدولار أدنى مستوى له في 16 شهرا مقابل اليورو، في حين انخفض النفط الخام تسليم يونيو (حزيران) بمقدار 41 سنتا ليستقر عند 113.52 دولار للبرميل في نيويورك.

وارتفع مؤشر قياس الأسهم الأميركية بمقدار 8.3 في المائة مقارنة بالانخفاض الذي شهده هذا العام في 16 مارس (آذار) بعدما تجنبت اليابان كارثة نووية بعد أقوى زلزال يضربها على الإطلاق. وقد انتعش مؤشر «مورغان ستانلي» العالمي للأسهم في الأسواق الناشئة والمتقدمة بمقدار 10 في المائة منذ مارس (آذار) حتى مع سعي أوباما لخفض العجز بمقدار 4 تريليونات دولار في غضون 12 عاما وتزايد عائدات السندات اليونانية والآيرلندية وسط تنامي القلق بشأن أزمة الديون في أوروبا.

ومن ناحية تدفق الأموال، أضاف المستثمرون 598.6 مليار دولار لصناديق الاستثمار التي تشتري الديون خلال مدة عامين تنتهي في 31 مارس (آذار)، مقارنة بـ 30.6 مليار دولار بالنسبة للأسهم، وفقا لبيانات معهد شركات الاستثمار الذي يتخذ من واشنطن مقرا له. وقد ارتفع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بمقدار 110 في المائة بما في ذلك الأرباح خلال الأشهر الـ 26 الماضية، حسب بيانات «بلومبيرغ». وقال أونيل، الذي يعمل بمجموعة «غولدمان ساكس»: «إنها بادرة رمزية إيجابية بالنسبة للقيادة الأميركية، وباراك أوباما على وجه الخصوص. بالطبع، بعد رد الفعل الفوري، يجب على الأسواق توخي الحذر حيث إن بن لادن ربما لم يكن التهديد الأمني المباشر الوحيد لسنوات عديدة، وأولئك الذين يعتبرونه شهيدا لن يتوقفوا عن شن الهجمات نتيجة لقتله». ويتمتع المستثمرون بأكبر «سوق انتعاش» في 54 عاما بعد أن كسر 76 في المائة من الـ 500 شركة التي يضمها مؤشر «ستاندرد آند بورز» توقعات أرباح الربع الأول من العام نتيجة استمرار الانتعاش الاقتصادي. وارتفع الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 1.8 في المائة خلال الربع الأول من العام، وسوف يرتفع بمقدار 3.2 في المائة خلال هذا الربع، وينمو بسرعة خلال نهاية العام، وفقا لتقديرات الاقتصاديين في بلومبيرغ.

وارتفع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» لثمانية أشهر على التوالي عندما يتم تضمين الأرباح، ليكون بذلك قد وصل إلى أطول فترة من الانتعاش منذ عام 1995، طبقا لبيانات «بلومبيرغ». وتأتي هذه المكاسب نتيجة كفاح الديمقراطيين في الكونغرس لإيجاد أرضية مشتركة مع الجمهوريين المعارضين حول كيفية الحد من العجز المالي. وارتفع الدين الحكومي الأميركي إلى أكثر من الضعف ليصل إلى 14.3 مليار دولار وهو مستوى قياسي منذ هجمات 2001، وذلك بسبب الإنفاق على العمليات العسكرية في أفغانستان والعراق.

وأدى هذا إلى انخفاض مؤشر خيارات بورصة شيكاغو «فيكس» القائم على السعر الذي يدفعه المستثمرون للتأمين ضد التذبذب باستخدام خيارات على مؤشر «ستاندرد آند بورز»، إلى أدنى مستوياته في ثلاث سنوات ليصل إلى 14.62 في 28 أبريل (نيسان)، وهو أدنى إغلاق منذ يونيو (حزيران) 2007 وانخفاض بنسبة 50 في المائة منذ أعلى إغلاق لهذا العام، 29.40، بعد زلزال اليابان. وارتفع المؤشر بنسبة 8.4 في المائة ليصل إلى 15.99 يوم أمس، ليكون أقل من متوسط السهم عبر تاريخه الذي يمتد إلى عقدين من الزمان وهو 20.36.

وقال جيريمي وين، رئيس تداول خيارات مؤشر «فيكس»: «لو حدث هذا في عام 2009 عندما وصل مؤشر فيكس إلى 40، ربما كان سيشهد السوق ارتفاعا بمقدار 5 في المائة وانخفاض مؤشر فيكس بمقدار 5 نقاط، ولكن لا يمكن تحقيق ذلك الآن بسبب ما نحن فيه، حيث إن مؤشر فيكس هو بالفعل في مستوى منخفض جدا بالمقارنة بالسنوات الأخيرة».

لقد وضع مقتل بن لادن كلا من أميركا وحلفائها في وضع دفاعي ضد انتقام محتمل بعدما تعهدوا بمواصلة الحرب على الإرهاب. وقال ليون بانيتا، مدير وكالة الاستخبارات المركزية، اليوم في رسالة إلى موظفي الوكالة أن وفاة بن لادن تعد «ضربة كبيرة» لتنظيم القاعدة، لكنه حذر من أن الإرهابيين «سيحاولون بكل تأكيد الانتقام» ممن قتلوا بن لادن.

وقال الملياردير كينيث فيشر، الذي يشرف على 45 مليار دولار في شركة «فيشر للاستثمارات» في منطقة ودسايد بولاية كاليفورنيا، إن القضاء على زعيم التنظيم الإرهابي لا يؤثر على معدل التوسع في الاقتصاد أو أرباح الشركة ولن يجعل أميركا الشمالية أو أوروبا أكثر أمنا.

وأضاف فيشر: «سأكون مندهشا للغاية إذا حدث تأثير كبير نتيجة لهذه العملية. سوف يظل تنظيم القاعدة موجودا ولن نكون محبوبين من أولئك الذين يكرهوننا، لذلك لن تؤدي هذه العملية إلى حل أي شيء. لن تغير الأرباح، ولن تغير الاقتصاد، ولن تزيل قلقنا من الإرهاب».

وقالت بروكس، مديرة الأبحاث في مجموعة «جين كابيتال»، من غير المرجح أن يؤدي التفاؤل نتيجة مقتل بن لادن إلى ارتفاع الدولار، وأضافت أن هذه تعد فرصة للمستثمرين لزيادة الرهانات على أن العملة سوف تنخفض لأنه من المستبعد أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي الأميركي برفع سعر الفائدة على القروض قصيرة الأجل بين البنوك في أي وقت قريب. وقال توماس كالدويل، المدير التنفيذي لشركة «كالدويل للأوراق المالية» في تورونتو، التي تدير نحو مليار دولار كندي (1.05 مليار دولار أميركي)، إن وفاة بن لادن تعني أنه سيتم ربط الأصول المالية بالبيانات الاقتصادية بصورة أكبر. وربما تظهر التقارير الواردة هذا الأسبوع أن طلبات المصانع قد ارتفعت في شهر مارس (آذار)، وأن معدل التوسع في صناعات الخدمات الأميركية قد ارتفع، وأن الرواتب في المجالات غير الزراعية قد ارتفعت للشهر السابع، وفقا للاقتصاديين الذين قامت مؤسسة «بلومبيرغ» باستطلاع آرائهم.

وقال كالدويل: مقتل بن لادن لن يغير من طبيعة الصراع. إنه شيء إيجابي وضربة قوية، ولكن أعتقد أن الأسواق تتأثر أكثر بالأمور الاقتصادية».