هل تستثمر الصين تريليوني دولار في شراء ممتلكات أجنبية؟

من بينها مصانع ومناجم.. ومخاوف ألا تستفيد أميركا منها

الصين تملكت خلال الأعوام الأخيرة مجموعة من المناجم المهمة في أفريقيا (رويترز)
TT

على مدار 3 عقود، استثمرت الدول الغنية مئات المليارات من الدولارات في الصين، الأمر الذي ساعد في تحقيق أحد أكثر عمليات الازدهار الاقتصادي أهمية في التاريخ. والآن، تفكر الصين في رد الجميل لمثل هذه الاستثمارات. والسؤال هو هل ستكون الولايات المتحدة مستعدة وقادرة على المشاركة بشكل كامل؟ هذا ما تطرحه دراسة جديدة مزمع نشرها يوم الخميس.

على ضوء تدفق رأس المال بسبب الفائض التجاري الهائل واحتفاظها بأكبر احتياطات نقد أجنبي في العالم، بدأت الصين في نشر مصادر ثرواتها التي تم اكتشافها حديثا في كل بقعة من بقاع العالم – والتي تتنوع صورها ما بين مناجم نحاس في أفريقيا ومنشآت إنتاج الحديد الخام في أستراليا أو حتى مشروع لغاز حجر الأردواز في قلب ولاية تكساس الأميركية. وتتوقع الدراسة، التي كلف بإجرائها كل من جمعية آسيا في نيويورك ومركز «وودرو ويلسون الدولي» للباحثين في واشنطن، أنه على مدار العقد القادم، يمكن أن تستثمر الصين نحو تريليوني دولار في شركات أو مصانع أو ممتلكات بالخارج، وهو المبلغ الذي يمكن أن يساعد في إعادة النمو الاقتصادي من جديد في الولايات المتحدة وأوروبا.

غير أن التقرير، المنتظر نشره في مؤتمر صحافي في واشنطن يخطط وزير التجارة الأميركي غاري لوك لحضوره، يحذر أيضا من أن الولايات المتحدة تواجه مخاطر خسارة فرصة الاستفادة من حصة كبيرة من انتعاش الاستثمار الصيني بسبب السياسة والمنافسة المتزايدة بين الدولتين والاعتقادات الراسخة بأن الاستثمارات الصينية لا تلقى الترحيب في أميركا.

وتحذر الدراسة من أنه «إذا لم يتم علاج مشكلة التدخل السياسي»، فسنواجه خطر تحول بعض مزايا انتعاش الاستثمار الصيني – مثل خلق فرص العمل ورفاهية المستهلك وحتى الإسهامات في تجديد البنية التحتية للولايات المتحدة - لمنافسينا». وفي الوقت الذي حاولت فيه بنوك «وول ستريت» الضغط من أجل تنفيذ المزيد من الاستثمارات الصينية داخل الولايات المتحدة، على أمل أن تجلب صفقات أكبر للبنوك، ظلت واشنطن في حالة من الحذر والترقب – رغم أن إدارة أوباما تشير إلى ترحيبها باستثمار الأموال الصينية داخل الولايات المتحدة.

غير أن الانتقادات الموجهة للاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة تشتعل في واشنطن وبين الكثير من مسؤولي الولايات والمسؤولين المحليين. وأحد المخاوف التي يرد ذكرها بشكل متكرر هو أن الشركات الصينية، التي يعد كثير منها مملوكا بشكل جزئي أو كلي للحكومة، ستستخدم مشترياتها في الوصول إلى أسرار عسكرية. ويتمثل موطن خوف آخر في أن الشركات الصينية ستقوم بشراء شركات أميركية تقوم بعمليات تصنيع في الولايات المتحدة، ثم ستغلق مصانع هذه الشركات وتنقل الإنتاج إلى الصين.

بالطبع تعتبر الصين بالفعل قوة في الأسواق العالمية. فعلى مدار السنوات القليلة الماضية، قدمت قروضا بمليارات الدولارات لدول العالم النامي، كما مكنت الشركات المملوكة للحكومة من الحصول على حصص أقلية في شركات عالمية كبرى مثل «ريو تينتو» و«مورغان ستانلي» ومجموعة «بلاك ستون غروب».

بالإضافة إلى ذلك، فإن الصين لاعب رئيسي في أسواق الدين العالمية، بامتلاكها نحو 1.6 تريليون دولار من سندات الخزانة الأميركية، وهو استثمار يساعد في إبقاء أسعار الفائدة الأميركية منخفضة، كما يمول الدين الضخم لأميركا. غير أن الصين ما زالت لاعبا صغيرا نسبيا في الاستثمارات المباشرة في الخارج، التي تضم عمليات شراء حصص تصويت ضخمة في شركات ومصانع أجنبية. ويشمل ذلك أيضا الاستثمارات في مشروعات تعمير جديدة على أراض لم يتم بناء شيء عليها. وفي العام الماضي، بلغ حجم الاستثمارات المباشرة للصين في الخارج نحو 59 مليار دولار. وبالمقارنة، وصل حجمها في الولايات المتحدة إلى أكثر من 300 مليار دولار.

ولكن مع دفع بكين شركاتها الكبرى إلى الاتجاه للخارج والاستثمار في الموارد والتكنولوجيا، يمكن أن يقفز حجم استثمارات الصين سريعا ليتراوح ما بين 100 إلى 200 مليار دولار سنويا، حسب الدراسة التي أجرتها جمعية آسيا. وتتمثل المشكلة المحتمل أن تواجه بكين في أن الشركات الصينية لا تلقى دائما الترحيب في الخارج – ليس فقط لأن الصين تستحوذ على تأثير اقتصادي ضخم، ولكن لأنه يعتقد أن الشركات العملاقة التي تملكها الحكومة يتم دعمها ماليا من قبل الدولة وربما تعمل لصالح الحكومة.

ويشمل المنتقدون لمطامح الصين الاستثمارية من أعضاء الكونغرس السيناتور جاك ريد، الممثل الديمقراطي لولاية رودي أيلاند. وتحدث ريد إلى وكالة «رويترز» مؤخرا قائلا: «تربط الكثير من هذه الشركات علاقات متشابكة بحكومة الصين، بحيث يصعب تحديد أين تتوقف الشركة وأين تبدأ الدولة والعكس صحيح». وقد تمت عرقلة سلسلة من الصفقات الصينية التي اقترح تنفيذها في الولايات المتحدة من قبل جهات تنظيمية أو تعرضت لهجوم من جانب ساسة محليين، ممن يزعمون أن الصين يمكن أن تطلع على التقنيات العسكرية الحساسة أو تسيطر على موارد طبيعية قيمة. وفي عام 2005، سحبت شركة البترول الصينية العملاقة «كنوك» عرضها بشراء شركة البترول الأميركية العملاقة «آنوكال» بعد إجراء الكونغرس تحقيقا في عملية الشراء. وفي السنوات الأخيرة، تم منع عملاق الاتصالات الصيني «هواوي» أكثر من مرة من إجراء صفقات في الولايات المتحدة بدافع من مخاوف أمنية قومية. وفي وقت قريب، تعين على شركة «آنشان إيرن أند ستيل غروب»، الشركة الصينية الساعية لبناء مصنع بدائي نسبيا لإنتاج حديد التسليح في ولاية ميسيسيبي، أن تدخل في نزاع مع المعارضة السياسية الشرسة في الدولة، التي تشمل مخاوف من أن يؤدي المشروع إلى فقد وظائف وتهديد الأمن القومي. وجراء غضبها مما وصفته بالإجراءات الوقائية الصارمة المتخفية في صورة اهتمام بالحفاظ على الأمن القومي، رفعت بكين شكاوى شديدة اللهجة ضد واشنطن.

ووضعت وزارة الخزانة الأميركية الموضوع ضمن جدول أعمالها لإجراء حوار على مستوى عال حوله مع المسؤولين الصينيين اتفق على أن يكون الأسبوع القادم في واشنطن. وتقول لايل برينارد، أحد المسؤولين رفيعي المستوى بوزارة الخزانة الأميركية: «نحن نرحب بشدة بالاستثمارات من مختلف أنحاء العالم، بما فيها الصين».

غير أن بعض الخبراء يشيرون إلى أن الآراء المعارضة للاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة ما زالت محتدمة عبر أنحاء الدولة، إلى حد أنه ليس من المحتمل أن تجذب الولايات المتحدة على مدار السنوات القليلة القادمة الاستثمارات الضخمة التي تشير دراسة جمعية آسيا إليها باعتبارها استثمارات متاحة. ويقول ديريك سكيسورز، خبير الشؤون الصينية بمؤسسة «هيرتيغ فاونديشن»، معهد ذو سياسة محافظة في واشنطن: «ليس ثمة احتمال يشير إلى أن ذلك سيحدث». ويضيف: «هم يريدون استثمار مبالغ ضخمة، ولكن لن يسمح لهم أحد هنا بهذا. فالمناخ السياسي السائد في واشنطن الآن معاد للصين». ويقول دانيال إتش روزين، المؤلف المشارك في الدراسة مع ثيلو هانمان، وعضو رئيسي في «ردويام غروب»، شركة الاستشارات الاقتصادية في نيويورك، إنه إذا ما تم إبعاد الشركات الصينية، يمكن أن تقل فرص الاستثمار في الولايات المتحدة بشكل ملحوظ. كما يحذر أيضا من أن ذلك يمكن أن يدفع الصين إلى الانتقام من الشركات الأميركية العاملة داخل الصين، وفي الوقت نفسه تثبيط بكين عن المضي قدما في الإصلاحات التي يمكن أن تجعل أسواقها التجارية والمالية أكثر انفتاحا وشفافية.

قال روزين: «ظلت أميركا تناقش هذا الموضوع لمئات السنين. ولكن بمرور الوقت، قررت أميركا أن ترحب بالاستثمارات من الخارج». وأضاف: «استنتاجنا هو أن الصين لن تكون استثناء من هذا القرار».

ولضمان أن أميركا تحصل على نصيبها من أموال الصين، تطالب الدراسة واشنطن بإرسال رسالة واضحة مؤيدة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري مفادها أن الاستثمار الصيني في الولايات المتحدة مرحب به وأنها ستحمي أي عملية نظر فحص لمستوى الأمن القومي من التدخل السياسي وستتعاون في العمل مع الصين من أجل تعزيز شفافيتها عند عرضها الاستثمار في الولايات المتحدة.

ويرى بعض المحللين أن الصين تستحق أن يلقى عليها بعض من اللوم فيما يتعلق بمعارضة استثماراتها بالخارج، ليس فقط في الولايات المتحدة وإنما في أي دولة أخرى.

فليست الشركات الصينية على درجة شديدة من الشفافية، فضلا عن أن كثيرا من استثمارات الصين تجريها مجموعة محدودة من الشركات التي تملكها الحكومة والتي تحصل على تمويل منخفض، مما يمنحها، على حد قول بعض المحللين، ميزة غير عادلة في التنافس على الموارد أو الأصول.

غير أن كثيرا من المحللين يقولون إن الصين والولايات المتحدة في أمس الحاجة إلى بعضهما البعض. إذ إن الصين الآن تمتلك رأس المال الذي يشكل حاجة ماسة بالنسبة للمشاريع التجارية الأميركية، كما تمتلك الولايات المتحدة التكنولوجيا والقوة العاملة عالية المهارة.

يقول أورفيل شيل، مدير مركز العلاقات الأميركية الصينية بجمعية آسيا والشخص الذي أعطى توجيهاته بإجراء الدراسة، إن الولايات المتحدة يجب أن تنهض بدورها في تحسين العلاقات مع الصين.

وتحدث شيل في مقابلة أجريت معه قائلا: «أشعر بحالة من الانزعاج الزائد وبخيبة أمل بسبب التجاهل المتعمد من جانب الأميركيين للتحدي التنافسي الذي تمثله الصين بالنسبة للولايات المتحدة، بما في ذلك استثمارها في الخارج». واستطرد قائلا: «الصين تبحث عن أماكن لاستثمار أموالها فيها، ويمكننا أن نستفيد من ذلك. فإن لم نجد سبيلا للترحيب بالصين، فمن المؤكد أن الأموال الصينية ستذهب لمكان آخر».

* خدمة «نيويورك تايمز»