الأسواق تفقد ثقتها في البرتغال وسط مخاوف من استمرار تكاليف التمويل في البلاد

بعد يوم واحد من الموافقة على خطة لإنقاذها بـ115 مليار دولار.. اضطرت لشبونة لرفع معدلات الفائدة على ديونها

تزايدت المخاوف من استمرار تصاعد تكاليف التمويل في البرتغال مثلما كان الحال في اليونان وآيرلندا بعدما تم الاتفاق على تقديم المعونة لهما
TT

بعد يوم واحد من الموافقة على خطة إنقاذ بقيمة 115.5 مليار دولار، اضطرت البرتغال لرفع معدلات الفائدة على ديونها، مما يزيد مخاوف استمرار تصاعد تكاليف التمويل في البلاد، مثلما كان الحال في اليونان وآيرلندا، بعدما تم الاتفاق على تقديم المعونة لهما.

وفي حين تستفيد الدول الثلاث على المدى القصير من القروض المقدمة من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، فإن قدرتها على الاستمرار في زيادة التمويل قصير الأجل المقدم من المستثمرين الدوليين تعتبر أمرا حاسما. وارتفعت تكاليف الفائدة لكل من اليونان وآيرلندا، حيث يتوقع الكثير من المستثمرين أن تؤدي تدابير التقشف الصارمة والمدرجة في خطط الإنقاذ إلى زيادة الركود الاقتصادي في هذه البلدان، وتجعل من الصعب عليها تحقيق التوازن في الميزانيات وسداد الديون.

وتظهر قدرة البرتغال على ضمان مستهدفات عجز أيسر من صندوق النقد الدولي (5.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، مقابل وعد سابق من لشبونة بأن يكون 4.6 في المائة هذا العام، و4.5 في المائة لعام 2012، مقارنة مع تعهد سابق بأن يكون 3 في المائة) مخاوف داخل واشنطن وبروكسل من أن يؤدي الكثير من التقشف إلى آثار ضارة.

وعانت اليونان، على سبيل المثال، من فترة عصيبة للغاية للوفاء بأهداف تقليل العجز الموضوعة من قبل صندوق النقد الدولي وازداد انكماشها الاقتصادي. ومن جهة أخرى، شهدت آيرلندا - على الرغم من نمو صادرتها بشكل صغير - إشارات بسيطة على حدوث انتعاشة في الطلب المحلي. ومن المتوقع أن ينكمش الاقتصاد البرتغالي هذا العام والعام المقبل، وهو ما سيخلق واحدة من أطول فترات الركود الاقتصادي في أوروبا. ونتيجة لعدم قدرة قطاع التصدير على المنافسة، فمن المرجح أن تعود البرتغال إلى النمو ولكن على مدى طويل وبصورة بطيئة، لأن أسعار الفائدة في أوروبا تتجه نحو الارتفاع.

وبموجب حزمة مساعدات مالية لمدة ثلاث سنوات، سيتم تقديم 12 مليار يورو أو نحو 18 مليار دولار كرأس مال جديد للمصارف البرتغالية التي تم استبعادها من الأسواق المالية لأكثر من عام بسبب مخاوف المستثمرين من البرتغال واقتصادات أخرى متعثرة بمنطقة اليورو، وفقا لمسودة الاتفاق الذي نشر على الموقع الإلكتروني للمجلة البرتغالية «اكسبريسو».

وفي مقابل هذه المساعدات، تعهدت البرتغال ببيع أصول مملوكة للدولة بهدف جمع 5.5 مليار يورو، كما تعتزم بيع أسهم قبل نهاية العام الحالي في شركة الطاقة «إي دي بي» وشركة الخطوط الجوية «تي إيه بي».

كما يتوقع برنامج المساعدات أن تقوم البرتغال برفع قيمة ضريبة المبيعات على سلع مثل السيارات والسجائر، في حين تقوم بخفض الإعفاءات الضريبية للشركات والدعم الحكومي المقدم لشركات خاصة. وكجزء من مراجعتها الشاملة لتشريعات العمل، سيتم تخفيض مدفوعات الفصل من العمل، في حين يتوقع أن يتم إلغاء إعانات البطالة بعد 18 شهرا بدلا من ثلاث سنوات.

ومن بين التدابير التي تهدف لخفض أجور القطاع العام، سوف تقوم الحكومة بخفض عدد العاملين بالإدارة المركزية بنسبة 1 في المائة سنويا بين عامي 2012 و2014، وبنسبة 2 في المائة في الإدارات الإقليمية والمحلية.

وقالت ماري ديرون، وهي مستشارة اقتصادية بارزة لشركة «إرنست آند ينغ»، إن حزمة المساعدات كان لها «تأثير بسيط على التدابير المالية، مما يعكس على الأرجح حقيقة أن البرتغال كانت بالفعل لديها خطط كبيرة موضوعة في حيز التنفيذ، وأن الكثير من التدابير المشددة ستواجه انخفاضا في العائدات».

ومع ذلك، لم تحدد مسودة الاتفاق سعر الفائدة المستحقة على الأموال المقرضة للبرتغال، مما يجعل من الصعب تقييم ادعاء رئيس الوزراء خوسيه سوكراتيس في وقت متأخر من يوم الثلاثاء الماضي أن حكومته قد تفاوضت على «صفقة جيدة تحمي البرتغال»، كما لم تحدد شروطا - لإنقاذها من المأزق المالي - أفضل من تلك التي تم قبولها العام الماضي من قبل كل من اليونان وآيرلندا.

وتأتي خطة الإنقاذ التي تبلغ قيمتها 115.5 مليار دولار، أو ما يعادل 78 مليار يورو، تماشيا مع تقديرات كبار المسؤولين الأوروبيين الشهر الماضي بشأن ما ستحتاجه البرتغال للتغلب على المأزق المالي. وكتب محللون في بنك «باركليز كابيتال» في مذكرة بحثية يوم الأربعاء الماضي «يدل حجم حزمة المساعدات على عزم سلطات الاتحاد الأوروبي إقامة سياج حول المشكلات حتى لا تتعدى محيطها في البرتغال، لا سيما في ظل مخاوف السوق الكبيرة بشأن اليونان ومخاطر العدوى اللاحقة التي يمكن أن تنشأ عن ذلك».

من الجدير بالذكر أن سوكراتيس قد استقال من منصبه في شهر مارس (آذار) الماضي، بعد رفض البرلمان الموافقة على مقترحاته بشأن اتخاذ تدابير إضافية للتقشف. ومن المزمع أن تقوم البرتغال بإجراء انتخابات عامة في الخامس من يونيو (حزيران) بهدف كسر الجمود السياسي. ويقود سوكراتيس حكومة انتقالية في هذه الأثناء.

وفي غضون ذلك، لم يتحمس بعض المحللين للمقارنة التي أجراها سوكراتيس بين حزمة الإنقاذ في البرتغال وما تم في بلدان أخرى. ومع قرب انعقاد الانتخابات، يأمل سوكراتيس أن يجني مكاسب سياسية من خلال التفاوض على خطة الإنقاذ، على الرغم من أن أحزاب المعارضة تتهمه بالمسؤولية عن المشكلات التي اضطرت البرتغال للسعي إلى خطة إنقاذ في المقام الأول.

وكتب جيل مويك، المحلل في «دويتشه بنك»، في مذكرة بحثية يوم الأربعاء الماضي «ربما تسرع سوكراتيس في الإعلان عن الخطة على الملأ، مما أدى إلى تهميش المعارضة وإظهار دوره في المفاوضات على أنه يهدف إلى حماية قاعدته الانتخابية».

وطلبت الحكومة الانتقالية بشكل رسمي الحصول على المساعدة الشهر الماضي، بعد أن فشلت في تحقيق مستهدفها في ما يتعلق بالعجز في عام 2010، وبعد سلسلة من التخفيضات في التصنيف الائتماني الذي رفع تكاليف الاقتراض البرتغالية إلى مستويات قياسية. وزادت هذه التطورات من المخاوف بشأن قدرة البلاد على الوفاء بالتزاماتها في إعادة التمويل.

وقد سافر مسؤولون من صندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي إلى لشبونة في أبريل (نيسان) لمناقشة حزمة المساعدات التي من شأنها أن تسمح للبرتغال بتلقي تمويل بقيادة الاتحاد الأوروبي بحلول يونيو، عندما ستواجه أصعب العقبات في إعادة التمويل هذا العام.

وإذ يؤكد على الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها البرتغال، توقع صندوق النقد الدولي الشهر الماضي أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 1.5 في المائة هذا العام، و0.5 في المائة في عام 2012.

ويوم الأربعاء الماضي، أعلنت وكالة إدارة الديون بالبلاد أن البرتغال باعت سندات خزانة لأجل ثلاثة شهور بمتوسط عائد يبلغ 4.65 في المائة، وهي النسبة التي فاقت نسبة العائد الذي حققته البرتغال عندما باعت مثل هذه السندات في العشرين من شهر أبريل، والتي كانت 4.05 في المائة.

وقالت كيارا كريمونيزي، المحللة في بنك «يوني كريديت» الإيطالي، إن المزاد قد سار على ما يرام، مع الوضع في الاعتبار أن ارتفاع تكلفة التمويل كان دون المستوى في السوق الثانوية. ومع ذلك، طالبت بتوخي الحذر، وأضافت «البرتغال لن تكون في مأمن من ضغوط السوق خلال الأشهر المقبلة، نظرا لأنها لا يزال يتعين عليها إقناع الأسواق بأن لديها استراتيجية نمو تتمتع بالمصداقية، ومع الوضع في الاعتبار أن مناقشة إعادة هيكلة الديون اليونانية سوف تستمر».

وفي الوقت نفسه، اقتربت فنلندا يوم الأربعاء الماضي من أن تكون أحد الداعمين المحتملين لحزمة الإنقاذ المقدمة للبرتغال، حيث قرر أكبر حزب في البرلمان الفنلندي فصل مفاوضات إنقاذ منطقة اليورو عن المحادثات بشأن تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الفنلنديين الحقيقيين، الذي ينتقد عمليات إنقاذ منطقة اليورو وحصل على 19 في المائة من الأصوات في الانتخابات التي جرت الشهر الماضي.

ويمكن أن تسمح هذه الترتيبات لفنلندا بأن تقرر ما إذا كانت تؤيد تقديم المزيد من المساعدات في منطقة اليورو قبل اجتماع وزراء المالية الأوروبيين في السادس عشر من شهر مايو (أيار)، وكذلك قبل تشكيل حكومة فنلندية ائتلافية جديدة، أم لا.

ويوم الثلاثاء الماضي، ألقى سوكراتيس الضوء على اتفاق الدائنين لمنح البرتغال مزيدا من الوقت لخفض العجز في الميزانية بأكثر مما كانت تتوقعه حكومته. وفاجأ هذا التنازل بعض المحللين، نظرا لأنه قد يسمح للبرتغال ببساطة بتأجيل أوراق مالية مستحقة في أسواق المال لتغطية احتياجاتها من التمويل العام المقبل. ومع ذلك، تأتي المفاوضات التي جرت في البرتغال وسط تنامي المخاوف من أن تضطر اليونان قريبا لإعادة هيكلة ديونها على الرغم من تلقيها تمويلا طارئا العام الماضي. وحصلت اليونان على خطة إنقاذ بقيمة 110 مليارات يورو، في حين حصلت آيرلندا على خطة بقيمة 85 مليار يورو.

وقال رالف سولفين، وهو اقتصادي في «كوميرس بنك»، إن «الشروط المعتدلة نسبيا للبرنامج تشير إلى أن الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي سيكونان على استعداد لإظهار موقف لطيف تجاه اليونان وآيرلندا في ما يتعلق بالشروط القاسية نسبيا لبرامج المساعدات المالية الخاصة بهما إذا لزم الأمر».

* أسهم في التقرير ستيفن كاسل

* خدمة «نيويورك تايمز»