مصر: القضاء الإداري يبطل عقد بيع «عمر أفندي» ويقضي برد فروعه للدولة بلا ديون

المحكمة اعتبرت قرارها بلاغا للنائب العام للتحقيق في مخالفات عملية البيع والإدارة

TT

قضت محكمة القضاء الإداري في مصر ببطلان عقد بيع سلسلة متاجر (عمر أفندي) الشهيرة مع إعادة ملكية الشركة بكل فروعها إلى الدولة بلا ديون مستحقة عليها.

وكان رجل الأعمال السعودي جميل القنبيط قد اشترى 85 في المائة من أسهم رأسمال «عمر أفندي»، التي تأسست عام 1856، في فبراير (شباط) من عام 2006 بقيمة إجمالية قدرها 520 مليون جنيه (87 مليون دولار)، وذلك في أول عملية خصخصة لشركات التجارة الداخلية بمصر. ويبلغ رأسمال «عمر أفندي» 17 مليون جنيه موزعة علي 17 مليون سهم.

وتضمن الحكم تحمل المشتري وحده كامل الديون والالتزامات التي رتبها خلال فترة نفاذ العقد، وجميع الخسائر الناجمة عن سوء إدارته وأيضا بطلان بيع القنبيط لنسبة 5 في المائة من رأسمال الشركة إلى مؤسسة التمويل الدولية.

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن عملية البيع جاءت مخالفة لقرارات اللجنة الوزارية للخصخصة، كما خالف قرار النائب العام الصادر بشأن المحافظة على الأصول الثابتة، إلى جانب تدني قيمة عملية الشراء.

وأشارت المحكمة إلى أن القضاء المصري هو وحده المختص بنظر هذا النزاع، وأي تحكيم دولي أو محلي باطل لا سند له من القانون.

وتعد الأحكام الصادرة عن محكمة القضاء الإداري بمثابة أحكام استئنافية، مشمولة بالنفاذ المعجل، ولا يوقف أثرها الطعن عليها أمام المحكمة الإدارية العليا (آخر درجات التقاضي بقضاء مجلس الدولة).

وقال حمدي الفخراني مقيم الدعوى القضائية ببطلان عقد «عمر أفندي» لـ«الشرق الأوسط» إن هذا الحكم يعد انتصارا على ما سماه «الفاسدين»، الذين أضروا وأهدروا المال العام وأضاعوا حقوق المصريين.

وتابع: «قالت المحكمة إن هذا الحكم هو بمثابة بلاغ للنائب العام، خاصة بعد ظهور كل تلك المخالفات، سأقوم خلال الأيام المقبلة بإعلام النائب العام وجهاز الكسب غير المشروع بهذا الحكم لكي يتولوا التحقيق في مخالفات هذا العقد، فهناك أطراف كثيرة متورطة، منهم وزير الاستثمار السابق محمود محيي الدين، ورئيس الشركة القابضة للتجارة السابق هادي فهمي».

وقالت المحكمة في أسباب حكمها إنه ثبت لديها من مطالعة الأوراق أن كراسة شروط عملية البيع تضمنت بيع كل أصول الشركة من أراض وعقارات وكل الفروع الرابحة، التي تحقق خسائر، بالمخالفة لقرارات اللجنة الوزارية للخصخصة التي نصت على استبعاد الفروع الخاسرة، والأصول غير الملائمة للنشاط.

وأضافت المحكمة أن البيع خالف قرار النائب العام الصادر بشأن المحافظة على الأصول الثابتة، وعدم التصرف فيها، وقرار الجمعية العمومية غير العادية للشركة القابضة بالالتزام بذلك.

وأشارت المحكمة في أسباب حكمها إلى أن تقييم الشركة لم يكن يتناسب مع الحقوق والمزايا التي منحها عقد البيع للمشتري؛ فبعد عملية البيع قام المشتري برهن 16 فرعا من فروع «عمر أفندي» مقابل الحصول على قروض وتسهيلات بنكية بنحو 462 مليون جنيه، وهو ما يقارب قيمة الصفقة بالكامل، البالغة 590 مليون جنيه.

وذكرت المحكمة أن المشتري امتنع عن صرف مستحقات العاملين وأجورهم وحوافزهم ومكافآتهم على النحو المقرر قانونا، كما لم يرد الأصول المستولي عليها دون وجه حق، وقام ببيع 5 في المائة من أسهم الشركة لصالح مؤسسة التمويل الدولية، بالتزامن مع حصوله على قرض بنحو 30 مليون دولار مقابل رهن عدد من الفروع.

وأشارت المحكمة إلى أن الدولة لم تتعامل مع شركة «عمر أفندي» على أنها صرح تجاري أسهم على مدار تاريخه في تلبية احتياجات قطاع عريض من الشعب، وجاء التعامل معه وكأنه رجس من عمل الشيطان يجب التطهر منه بأي ثمن، الأمر الذي يثير الشك والريبة حول حقيقة التصرفات التي قام بها جميع المسؤولين عن إتمام هذه الصفقة.

وأوصت هيئة مفوضين (تقريرها استشاري وغير ملزم للمحكمة) ببطلان عقد بيع شركة «عمر أفندي» وجميع فروعه البالغة 82 فرعا للقنبيط، الذي تم إبرامه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2006 بشراء المستثمر السعودي لنسبة 90 في المائة من أسهم الشركة نظير 590 مليون جنيه، مشيرة إلى أن الحد الأدنى الذي تم تقديره لعملية البيع وفقا لما جاء بتقرير لجنة رسمية في هذا الشأن كان مليارا و289 مليون جنيه (216 مليون دولار)، الأمر الذي يشير بجلاء إلى تدني قيمة الصفقة، وعدم تناسبها مع القيمة الحقيقية لها.

وأشارت الهيئة إلى أن العقد خالف الكثير من الضوابط المقررة قانونا ببيع أراض ومبان ملحقة بالشركة بأثمان زهيدة تقل كثيرا عن قيمتها الحقيقية، في حين أن قرار المجموعة الوزارية للخصخصة التي اضطلعت بعملية البيع تضمن أن يتم تأجير تلك الأراضي للمشتري بعقود انتفاع محددة المدة قابلة للتجديد بمعدلات زيادة سنوية.

وقال أحمد السيد، رئيس الشركة القابضة للتشييد، التي ستؤول ملكية شركة «عمر أفندي» لها لـ«الشرق الأوسط»: «الحكم جاء بعد الانتهاكات الواضحة في صفقة البيع، سنحيل الملف إلى هيئة من المتخصصين في مجال التجارة والتجزئة لوضع استراتيجية للعمل بالشركة، بما يحفظ حقوق الدولة والعاملين».

ويرى مصطفى زكي، الخبير الاقتصادي، أنه على الرغم من أن الحكم جاء ليرد حق الدولة، فإن توقيته ليس مناسبا، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «التوقيت الآن غير مناسب للحكومة، فلن تستطيع خلال الفترة الحالية تحمل الأعباء المالية للشركة».

وتابع: «شركات التجزئة بشكل عام لن تفيد الدولة كثيرا، يجب إعادة بيع الشركة مرة أخرى، أو إعادة صياغة العقد مع المشتري بما يضمن حقوق الدولة».