وعد أوباما بالرفاهية الاقتصادية يصطدم بالواقع

معدل البطالة تضاعف في عهده

أوباما متحدثا في إحدى المناسبات («الشرق الأوسط»)
TT

في الوقت الذي كان الرئيس باراك أوباما على وشك نيل بطاقة الترشح للرئاسة عن الحزب الديمقراطي في مارس (آذار) 2008، ألقى خطابا سماه «استعادة الاقتصاد الأميركي»، لكن الانهيار الاقتصادي كان لا يزال في الأفق، ولكنه أشار إلى أن غالبية الأميركيين كانوا في وسط انهيار اقتصادي طويل المدى، قال إنه قادر على تغيير ذلك إذا ما انتخب.

وقال في خطابه الذي ألقاه في كوبر يونيون جنوب منهاتن: «يرى الكثير من الأميركيين أن الاقتصاد كان يعاني من كساد واضح خلال السنوات السبع الماضية».

بعد مضي 7 سنوات يمكن للرئيس أن يكرر نفس الكلمة مرة أخرى ـ أو ربما من سوء طالعه أن يقوم بتلك المهمة أحد خصومه من الجمهوريين.

وفي الوقت الذي يدشن فيه الرئيس أوباما حملته لانتخابات 2012 يواجه الرئيس تحديا مع الملايين من الأميركيين العاطلين عن العمل نظرا لارتفاع معدلات البطالة في عهده ـ فقد تضاعف معدل البطالة من 5.1% أثناء إلقائه ذلك الخطاب و9% في أبريل (نيسان) الماضي، بحسب الأرقام التي كشف النقاب عنها يوم الجمعة. لكن ربما يكون الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لطموحات الرئيس السياسية هو أن السواد الأعظم من الأميركيين الذين لا يزالون في وظائفهم غير سعيدين بالاقتصاد أيضا بحسب نتائج الاستفتاء.

وتشير البيانات الاقتصادية إلى أن الأسباب وراء حالة السخط، تزايد التباين في الدخول، وارتفاع أسعار الوقود وتراجع دخل الأسر رغم صعود أسواق الأسهم وتسجيل الشركات أرباحا قياسية. لكن وعد الرئيس «بحقبة من الرفاهية والفرص الذي تعهد به في 2008 لم يبد بعد».

ويقول مايكل لورنس، رئيس معهد السياسة الاقتصادية، المؤسسة البحثية المدعومة من العمال: «التحدي الذي يواجه الرئيس أنه عندما يحين الوقت لإعادة انتخابه مرة أخرى العام القادم، أعتقد أن الأميركيين لن يشعروا بإحساس قوي بالزخم الاقتصادي وهذا هو ما يأمل في أن يحدث من وجهة نظره، فقد انخفض معدل البطالة مقدارا ضئيلا خلال الأشهر القليلة الماضية، لكنك لا تملك الإحساس بأن الأفراد يشعرون بانتعاش قوي».

الرقم الذي يتم مراقبته عن كثب في كلا الحزبين هو معدل البطالة الذي زاد عن معدل 8% لـ27 شهرا متصلا ـ وهو ما يمثل إحدى أبرز المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.

في بداية عام 2008 قبل أن يتهاوى الاقتصاد ويرتفع معدل البطالة، كان أوباما يقيم حملته ضد المصاعب الاقتصادية الأشمل. وعلى عكس النمو الاقتصادي الذي شهدته البلاد في التسعينات، والذي أدى إلى أرباح كبيرة وملكية أكبر للمنازل من قبل الطبقة المتوسطة فإن النمو الكبير خلال قسم كبير من عهد الرئيس بوش تركز بشكل أكبر في ارتفاع الأجور. وأدت أرباح الإنتاج إلى زيادة أرباح الشركات وأسعار الأسهم دون الالتفات إلى الأجور المرتفعة والفوائد الممنوحة للعمال.

عندما تحدث أوباما في كوبر يونيون شرح أوباما أجندة أوسع من التخفيضات الضريبية إلى إصلاح الرعاية الصحية التي ستحارب الاتجاهات المضطربة، غير أنه بعد 10 أشهر من وصول أوباما إلى البيت الأبيض وقع أسوأ انهيار اقتصادي منذ الكساد الكبير، وهو ما أجبره على إعادة تنظيم أجندته.

قضى الرئيس الكثير من عامه الأول في الرئاسة في التعامل مع الصعوبات التي توقعها في بداية ترشحه للرئاسة ـ وول ستريت الموشكة على الانهيار وصناعة السيارات الأميركية، ثم قضى أوباما غالبية العام التالي يحاول دفع فواتير إصلاح الرعاية الصحية وتشديد الرقابة على قطاع المال اللذين كانا أولوية بالنسبة له في حملته خلال عام 2008. كانت النتيجة أن أوباما حقق قائمة طويلة من الإنجازات، لكن مواطني الطبقة الوسطى من الأميركيين لم يشعروا بتغييرات كبيرة في حياتهم. فالكثير من بنود الرعاية الصحية الجديدة لن تطبق إلى الآن، ولم يكن للتشريعات الأخرى أي تأثير على حياة من يملكون تأمينا صحيا. ويعترف مساعدو البيت الأبيض أن رسالتهم بشأن خطة التحفيز الاقتصادي وإنقاذ صناعة السيارات ـ التي تأثر بها عشرات الملايين من الأميركيين بصورة سلبية ما لم تمرر هذه الإجراءات ـ قد فشلت في إقناع الكثير من الأميركيين.

سلبية إلى حد بعيد تقول كايلا موك، 28 عاما، التي تعمل في متجر كبير في ماناساس: «من الناحية الاقتصادية يمكنني القول إن سياساته لم تفدني كما لم تضرني، لكني أعتقد أن السبيل الأمثل للخروج من هذه الأزمة الاقتصادية يتمثل في تمكين العمال، لكن ذلك لن يتم في ظل منح تخفيضات ضريبية للأثرياء».

الغارة الناجحة التي انتهت بمقتل أسامة بن لادن عززت من نسب تأييد الرئيس، لكنها لم تؤثر على الصورة السلبية لدى غالبية الأميركيين نتيجة السياسات الخاطئة في التعامل مع الاقتصاد بحسب نتائج الاستطلاع الذي أجرته صحيفة «واشنطن بوست» ومعهد بيو.

وخلال الفترة ما بين ربيع عام 2008 وسبتمبر (أيلول) 2009، عانى ما يقرب من ربع الأسر الأميركية من انخفاض دخل الأسرة بنسبة 25%، بحسب مؤشر الأمن الاقتصادي، وهو المعيار الذي يقوم به فريق من العلماء يقودهم جاكوب هاكر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة يال.

ورغم الحالة الصعبة التي تسبب فيها التدهور الاقتصادي، فإن تقرير ديسمبر (كانون الأول) 2010 قال إن عدم الأمن الاقتصادي لدى غالبية الأميركيين في تصاعد منذ سنوات ويبدو أنه لم ينخفض ولو قليلا منذ عام 2009. كانت بعض مقترحات إدارة أوباما التي تهدف إلى مساعدة الطبقة الوسطى، التي كان من بينها مضاعفة الائتمان الضريبي لرعاية الطفل بالنسبة للعائلات ذات الدخل المتواضع. وزيادة المعونات للعائلات التي تقوم على رعاية أقارب كبار في السن وتغطية أقساط قروض الطلاب وتوفير حسابات ادخار تقاعد آلية في مقر العمل، تعثرت في الكونغرس. لكن أكبر فائدة ملموسة قدمها الرئيس أوباما كانت التخفيضات الضريبية على الدخل في عام 2009 و2010 وخفض الضرائب على الرواتب هذا العام، والتي أضافت 1800 دولار في جيوب العائلات الأميركية.

لكن الكثير من عامة الأميركيين يعتقدون أن الضرائب لم تنخفض أثناء إدارة أوباما. ويقول مساعدو البيت الأبيض إن هذا لم يحدث سوى في قطاع الاتصالات وهو صحيح إلى حد ما، فالحالة المالية الخانقة في السيولة النقدية والحكومات المحلية في بعض القضايا زادت من الرسوم والضرائب وهو ما حال دون ظهور فوائد التخفيضات الضريبية.

ويقول الليبراليون إن أوباما قام بالكثير من الأشياء الجيدة، لكن عليه انتهاج خطة انتعاش اقتصادي أوسع يمكن أن تساعد العاطلين عن العمل وتعزز مكانة الطبقة الوسطى. ويقولون إن تركيز أوباما الجديد على خفض عجز الميزانية لن يقدم الكثير لتحسين أوضاع الأميركيين.

وتقول تمارا دراوت، نائب رئيس السياسة والبرامج في ديموس، منظمة الدفاع الاقتصادي: «كل المؤشرات تؤكد على أن طبقة وسطى قوية ستشارك بقدر أكثر جرأة في صنع السياسة مما هو مطروح الآن في واشنطن. وبالنظر إلى جميع المحادثات بشأن خفض الإنفاق لأنه السبيل الوحيد لخفض العجز في الميزانية سيكون من الصعب حقا حشد الدعم حول الاستثمارات العامة الجديدة الجريئة لأننا نعرف أنها مفتاح خلق طبقة متوسطة قوية».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»