كيف أثرت نظرة الأميركيين للمال في خضم الركود على حالتهم الذهنية؟

القلق المالي ما زال كبيرا لدى معظم الأميركيين

TT

قد تؤثر نظرتك للمال بشكل كبير على كيفية توفيرك وإنفاقك للمال وتخطيطك لمستقبلك المالي، ناهيك عن تأثيرها على حالتك الذهنية والعاطفية بصورة عامة.

كانت هذه واحدة من النتائج التي توصلت إليها دراسة أكاديمية حديثة بعنوان «معتقدات المال والسلوكيات المالية: تطور جرد القوائم المالية لكلونتز»، والتي نشرت في العدد الحالي من مجلة «جورنال أوف فاينانشيال ثيرابي».

وتتزامن هذه الدراسة التي قام بها كل من براد كلونتز، وهو أستاذ باحث في جامعة ولاية كنساس، وسونيا بريت، وهي أستاذة مساعدة بالجامعة نفسها، مع تنامي القلق المالي الكبير بين معظم الأميركيين، حيث لا يزال معدل البطالة مرتفعا، فيما لم تستعد المنازل - الأصول التي جعلت الكثير من الناس يشعرون بالثراء قبل فترة الركود - قيمتها حتى الآن. ووفقا لمؤشر «ستاندرد آند بورز كيس شيللر»، فقد انخفضت أسعار المساكن في أكبر 20 مدينة أميركية مرة أخرى خلال شهر فبراير (شباط)، بعد تحقيق بعض المكاسب المتواضعة. أما بالنسبة لهؤلاء الذين ترتبط صافي أصولهم بقيمة منازلهم إلى حد كبير، فيمكن أن يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى تستعيد أموالهم المدخرة عافيتها، حتى في حالة انتعاش سوق العمل مرة أخرى.

ووسط هذا الاضطراب المالي، يقول كلونتز إنه بدأ في اختبار الملاحظات التي كان قد جمعها بفضل تمرسه كعالم من علماء علم النفس السريري في مدينة كابا بولاية هاواي لأكثر من عقد من الزمان، ووجد أن بعض الناس كانوا يشعرون بالضغط بسبب امتلاكهم للقليل جدا من المال، بينما كان يشعر آخرون بالقلق من فقدان ما لديهم أو يشعرون بالذنب لأنهم يملكون الكثير جدا، وبعض الناس يكرهون أي شخص لديه مال، في حين نجد أن آخرين ينفقون أموالهم على الفور من دون النظر إلى المستقبل.

وسألت الدراسة 422 شخصا عن نحو 72 معتقدا ذات صلة بالمال، ثم قامت بتحليل العلاقة بين الإجابات، وتوصلت الدراسة إلى أربع فئات أطلق عيها كلونتز اسم «القوائم المالية» وتشمل: تجنب المال، وعبادة المال، ووضع المال، ويقظة المال. لكن كيف قام بتعريفها؟

يتقاسم أولئك الذين يدخلون في دائرة «تجنب المال» المعتقدات التي تجعلهم ينأون بأنفسهم عن المال. وقال كلونتز إن هذه المجموعة قد تشعر بالقلق بشأن إساءة استخدام بطاقات الائتمان، وقد تشعر بأنها لا تستحق الحصول على المال، وربما تفسد حالتها المالية. ويميل الأفراد المصنفون في هذه الفئة إلى دخل وصافي أصول منخفضة.

أما أولئك المصنفون ضمن فئة «عبادة المال» فهم على العكس تماما من الفئة السابقة، لكن تصرفاتهم تتسم بالتدمير نفسه، فهم يعتقدون أن أي زيادة في الدخل أو أي مكسب مفاجئ وغير متوقع من شأنه أن يجعل كل شيء أفضل ويحبون الأشياء التي يمكن شراؤها. ويكون معظم المنتمين لهذه الفئة من المديونين لأنهم يستخدمون كل ما لديهم لشراء أشياء من شأنها أن تلفت نظر الآخرين. وأضاف كلونتز «إنهم يعتقدون أن المال سوف يحل جميع المشكلات، وهذا هو المعتقد الذي يصيب الغالبية العظمى من الأميركيين».

أما القلق بشأن «وضع المال» فيحدث عندما يتم الربط بين قيمة الناس الشخصية وصافي ثرواتهم، وغالبا ما تتورط هذه الفئة من الناس في مخاطر مالية كبيرة لأنهم يريدون أن يكونوا مصدرا للقصص عن المكاسب الكبيرة بهدف ترك انطباع قوي لدى أصدقائهم (لا تتوقع منهم أن يخبروك في حالة عدم نجاح هذه الرهانات الكبرى).

أما البلاء الوحيد الذي لم يكن له تأثير سلبي كبير على مستقبل الناس المالي فكان هو «يقظة المال»، حيث لا يحبذ من يعاني من هذا الاضطراب تبادل المعلومات حول دخله أو ثروته، لكنه أيضا لا ينفق بحماقة. ومع ذلك، فإن الحذر المفرط من الإنفاق يمكن أن يحرم هؤلاء الناس من التمتع بفوائد الأشياء التي يمكن أن يشتريها المال. وقال كلونتز «ربما يكون بعض القلق والحذر بشأن المال هو شيء جيد بالنسبة للمحصلة النهائية».

توضح المخطوطات الأربع المشكلات التي ترتبط بالمال بصورة أقل مما يمثله المال في حد ذاته، وهذا ليس غريبا لكن الشيء الغريب حقا هو أن الدراسة قد وجدت علاقة بين المعتقد الذي ينتمي إليه الشخص وخلفية عائلته من حيث العرق أو الجنس أو مستوى التعليم أو الدخل.

يصنف الغالبية العظمى من الناس الذين أجريت عليهم الدراسة على أنهم إما حاملو شهادة جامعية أو دراسات عليا، ويتم تقسيم دخلهم إلى أربع فئات بالتساوي، من أقل من 30 ألف دولار في السنة إلى ما يزيد على 100 ألف دولار، وكان وضعهم الاقتصادي في الطفولة ينتمي إلى الطبقة الوسطى عموما، ما عدا عدد بسيط ممن قالوا إنهم فقراء أو أثرياء. وفي الواقع، جاءت العلاقة الوحيدة المرتبطة بخلفية العائلة في المجموعة التي ركزت اهتمامها على المال كوسيلة لتحسين الصورة الاجتماعية، وكانت الغالبية العظمى منهم ممن نشأوا فقراء.

كما تطرقت الدراسة إلى لحظات الصدمة المالية في حياة الناس، ووصف كلونتز حالات الأسر التي كانت تعاني من الديون، وعلى وشك أن تفقد منازلها. ففي حالة واحدة، قامت الجدة بإنقاذ الأسرة من المأزق المالي، وفي حالة أخرى توصلت الأسرة إلى وسيلة للحفاظ على المنزل. وفي كلتا الحالتين، كانت النتيجة واحدة، لكن مع اختلاف الوسيلة.

وقال كلونتز «إذا قامت الجدة بإنقاذ العائلة اليوم، فهذا يدل على أنه لا داعي للقلق بشأن المال. أما في حالة كثرة الحديث عن فقدان المنزل، فيمكن أن يؤثر هذا عليك وتعيش حياتك خائفا من خسارة كل شيء».

إذن ما هو الحل؟ يقول كلونتز «يتعين على الناس أن يكونوا أكثر مرونة في طريقة تفكيرهم بخصوص المال ودوره في حياتهم»، مضيفا «إننا بحاجة للتعرف على مجموعة المعتقدات المناسبة، وتعديل المعتقدات غير المناسبة أو التخلي عنها».

وكانت الدراسة تهدف، ضمن أهداف أخرى، إلى استخدام النتائج في عمل اختبار يمكن استخدامه من قبل المختصين والمستشارين الماليين لفهم معتقدات الأشخاص بشأن المال بطريقة سريعة. واستنتج كلونتز أن الاختبار يمكن أن يوفر للمختصين ساعات من المحادثات، ويساعدهم على فهم كيف توصل المريض إلى اعتقاد معين عن المال، كما يمكن أن يكون الاختبار جزءا من استبيان تقييم المخاطر بالنسبة للمستشارين الماليين.

* خدمة «نيويورك تايمز»