بشير مصيطفى لـ «الشرق الأوسط»: خطة الحكومة الجزائرية لمعالجة البطالة تتجاوز حقائق السوق والاقتصاد

الخبير الاقتصادي الجزائري: الاحتياطي غير الموظف في البنوك العمومية ارتفع إلى 17 مليار دولار

بشير مصيطفى («الشرق الأوسط»)
TT

تفاديا لتكرار الاضطرابات الخطيرة التي هزت البلاد مطلع العام، اتخذت الحكومة الجزائرية إجراءات عاجلة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، لامتصاص حالة الاحتقان. إذ قررت تمويل مشاريع لفائدة الشباب وتشجيع الاستثمار الخاص وضخت للغرض مبلغا قدره مليار دولار. «الشرق الأوسط» طرحت ثلاثة أسئلة على الخبير الاقتصادي بشير مصيطفى، تناولت مخاوف من زيادة معدل التضخم بسبب إنفاق أموال على اقتصاد غير منتج ويعتمد بشكل كامل على مداخيل النفط، وتناولت أيضا سياسة التشغيل وسعي الحكومة إلى شراء «سلم اجتماعي».. إلى نص الحوار:

* أعلنت الحكومة الجزائرية أنها ستنفق مليار دولار لتشجيع الاستثمارات الخاصة، وستخصص ثلث المبلغ لدعم مشاريع لفائدة الشباب. ما هي تداعيات هذه الإجراءات على الاقتصاد (مخاوف من التضخم)، مع ملاحظة أن الأنشطة التي ستستفيد من التمويل، غير منتجة للثروة..

- تستخدم الجزائر حاليا 6 آليات مباشرة للتشغيل، أهمها من حيث الاعتمادات المالية: وكالة تشغيل الشباب والقرض المصغر وصندوق التأمين على البطالة وعقود الإدماج والشبكة الاجتماعية. وهناك آليات غير مباشرة مثل صندوق ضمان القروض الموجهة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، البرنامج الوطني لتأهيل المؤسسات ويجري حاليا تنفيذ هذا البرنامج على 20 ألف مؤسسة.

بطبيعة الحال برامج ضخمة كهذه والتي تخص سوقا للعمل يتصف بمخزون بطالة قدره - حسب الأرقام الرسمية المعلنة - 1.7 مليون شخص أو 3 ملايين - حسب مصادر غير رسمية - وتدفق سنويا قدره 280 ألف شخص منهم 160 ألفا يحملون شهادات؛ برامج ضخمة في هذا المستوى تتطلب اعتمادات مالية مهمة. ويتعلق الأمر في الخطة الخمسية الجديدة بمليار دولار من أجل توفير مليوني منصب وإطلاق 200 ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة إضافة إلى 40 ألف مؤسسة مصغرة.

ومن الجانب التقني البحت ليست هذه هي التجربة الأولى التي خاضتها الجزائر في هذا الاتجاه، حيث بدأت الحكومة في ضخ السيولة لغرض التشغيل منذ البرنامج الإنمائي الأول عام 2001. ولكن نتائج العملية لم تكن في مستوى حجم الإنفاق العمومي بسبب الطابع الاجتماعي للعملية وعدم تطبيق معايير النجاعة على المؤسسات الجديدة إضافة إلى ارتفاع أعباء القروض والإيجار والعقار. تجربة وصفت بغير الناجحة دفعت بالسلطات العمومية إلى الضغط على تلك الأعباء من خلال الإجراءات التي تناولها قانون المالية التكميلي 2011 والتي عكست التدابير التي أقرها مجلس الوزراء في فيفري 2011، أي خفض الفوائد على القروض ورفع سقف القروض بدون فوائد والتنازل عن العقار الزراعي بصورة أكثر مرونة لفائدة الامتياز وإطلاق مشروع 36 منطقة صناعية وتمديد فترة الإعفاء من الأداء الجبائي لفائدة حملة المشاريع.

وعلى الرغم من أهمية تلك التدابير فإنها تظل تدابير من النوع الاجتماعي للأسباب التالية:

غياب رؤية حكومية للتوجهات المفضلة للاستثمار - طبيعة السوق الوطنية المنفتحة على التجارة الخارجية مما يعيق عملية التسويق أمام المستثمر الصغير - غياب تام لثقافة المقاولة لصالح قطاعي التجارة والمناولة.

ولهذا من المحتمل أن يصب ضخ السيولة في خانة رفع الطلب على النقود في السوق الداخلية دون مقابل مضمون من الناتج مما يزيد من نسبة التضخم.

وهناك حالة واحدة يمكن فيها تجنب هذا السيناريو هو توجيه آليات وحوافز التشغيل نحو القطاعات كثيفة العمالة ومرتفعة القيمة المضافة وهي: البتروكيمياء - الصناعات الغذائية - الصناعات الميكانيكية والإلكترونيك - الصناعات المعرفية.

وأيضا هناك آلية يمكن للدولة استغلالها في هذا الاتجاه وهي تملك أصول المؤسسات المتعثرة وإطلاق شركات صغيرة ومتوسطة بملكية حكومية بحتة في القطاعات المذكورة على أن تتم خصخصتها فورا بصيغة التسيير لفائدة الكوادر الشابة والطموحة.

* هل أنتم ممن يرون بأن السلطات بصدد شراء «سلم اجتماعي» بواسطة هذه الإجراءات ولا تسعى لبناء اقتصاد حقيقي؟

- نعم، إذا تفحصنا الشروط التي وضعتها الحكومة للاستفادة من تدابير التشغيل، نرى أن هناك تساهلا في منح الاستفادات تحت ضغط التوجيهات الرسمية، وقد بلغ التساهل درجة متقدمة في قطاع البنوك والصناديق لدرجة إدماج تلك المؤسسات المالية الحكومية في مسعى التشغيل دون مراعاة حقيقية لتدابير «الحذر» وهذا تحت غطاء الخزينة: مثلا تحمل الدولة لفارق سعر الفائدة بين 1 في المائة وسعر السوق.

هذا يدل على أن المسعى يتجاوز حقائق السوق والاقتصاد ويفضل تلبية الطلب على الشغل والسكن والأجور بغض النظر عن الرؤية الوطنية التي تفترض إجراءات مكملة على مستوى حماية المنتوج الوطني وتشجيع الصناعات المعدة للتصدير وإحلال الواردات. وكآخر مؤشر عن هشاشة البنية الاستثمارية بالجزائر بعد مضي 10 سنوات عن بداية تطبيق سياسة التشغيل في الجزائر نجد ما يلي: ارتفاع مستوى الواردات في الربع الأول من 2011 بنسبة 10 في المائة عن الفترة نفسها للعام 2010. وانخفاض نصيب الإنتاج الصناعي في الناتج الداخلي الخام إلى 5 في المائة وهو رقم قياسي من حيث الهشاشة. وارتفاع حصة التوظيف العمومي من الكتلة النشطة إلى 15 في المائة وهو رقم قياسي في الدلالة على عدم إنتاجية سوق الشغل. وارتفاع كمية الاحتياطي غير الموظف في البنوك العمومية إلى 1400 مليار دينار أي 17 مليار دولار.

* كيف يمكن أن تبني الجزائر اقتصادا قويا يكون بمأمن من تقلبات السوق النفطية؟

- يكون ذلك بتعيين حكومة جديدة ذات مصداقية في جانب التخطيط للاقتصاد على آفاق بعيدة أي مزودة باستراتيجية، ورؤية حقيقية لاتجاهات الاقتصاد العالمي وإمكانيات الاقتصاد الوطني. واعتماد أسلوب الأقطاب الصناعية في القطاعات التي تمتلك فيها الجزائر مزايا نسبية للمنافسة. وتحسين الإدارة الاقتصادية بإحلال الكوادر الشابة في مراكز التسيير والقرار محل الوجوه القديمة. ويكون أيضا بالتوجه فورا نحو خفض الواردات بنسبة لا تقل عن 25 في المائة في مرحلة أولى لصالح الإنتاج الوطني ووضع قيود إدارية على التجارة الخارجية لصالح المؤسسة الوطنية.

زيادة على رفع كل الحواجز على الاستثمار المنتج في قطاعي الزراعة، الصناعات الغذائية والصناعة نحو أسلوب «الاستثمار صفر عوائق» من أجل كسر الاحتكار أولا وخفض تكاليف الإنتاج لتلبية الطلب الداخلي وتحقيق التنافسية في الأسواق الخارجية.