هل بلغ سعر النفط ذروته؟

وسط تقلبات كبيرة تشهدها السوق

TT

قد يدفع انخفاض أسعار النفط المفاجئ إلى التساؤل عما إذا قد بلغت أسعار النفط ذروتها في نهاية تعاملات الأسبوع الماضي، وذلك بعد أن شهدت أسعار النفط ارتفاعا إلى 114 دولارا لبرميل خام تكساس في بداية تداولات شهر مايو (أيار).

وتعتبر هذه المستويات قريبة من أسعار النفط قبل الأزمة المالية، التي كانت عند 147 دولارا للبرميل في يوليو (تموز) 2008، قبل أن تتراجع إلى مستويات ما دون 100 دولار لبرميل خام تكساس في نهاية تعاملات الأسبوع الماضي.

ويعد بقاء أسعار النفط فوق مستويات 70 دولارا الفترة الأطول منذ مايو 2009، حيث بقيت أسعار النفط في منحنى تصاعدي استجابة لارتفاع معدلات الطلب في الأسواق الناشئة، بالإضافة إلى تحسن نسبي لمعدلات الطلب على النفط في الدول الصناعية بعد حزمة من برامج الإنقاذ الحكومي لوقف تدهور الاقتصاد العالمي نتيجة الأزمة المالية. ويأتي ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات 114 دولارا لبرميل خام تكساس بوتيرة متسارعة في فترة لم تتجاوز أكثر من عامين منذ يناير (كانون الثاني) 2009، حين كانت الأسعار عند مستويات 30 دولارا للبرميل مقارنة باستغراق ارتفاع أسعار النفط من 30 دولارا في يناير 2004، إلى مستوياته القياسية عند 147 دولارا للبرميل قبل الأزمة المالية لمدة تتجاوز الأربعة أعوام.

وتعد هذه الفترة الوجيزة، التي شهدت فيها أسعار النفط ارتفاعا متسارعا مثيرة لمخاوف المراقبين من تشكل فقاعة أخرى مشابهة لما حدث قبل الأزمة المالية، حيث تزامن ارتفاع أسعار النفط في البورصات العالمية مع انطلاق برامج التيسير الكمي من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، التي دفعت أسعار النفط للارتفاع بنحو 80 دولارا منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2008، مما يثير احتمال بلوغ أسعار النفط ذروتها بعد توقف برامج التيسير الكمي في يونيو (حزيران) المقبل.

وذكرت منظمة «أوبك» في تقرير صادر عن المنظمة يوم الأربعاء الماضي إلى أن هبوط أسعار النفط جاء نتيجة تسييل صفقات في بورصات النفط العالمية، عقب تدافع المضاربين لجني أرباح تلك الصفقات، بعد تقرير صدر عن «غولدمان ساكس» ينصح فيه المستثمرين بسحب استثماراتهم من بورصات النفط.

ووصفت منظمة «أوبك» ما يحدث في بورصات النفط بالدافع الرئيسي للتحرك الأخير لأسعار النفط، حيث أشارت منظمة أوبك إلى وصول حجم التعاملات في بورصة «نايمكس» الأميركية إلى مستويات قياسية عند 1.1 مليار برميل يوميا، مما يوضح صعوبة استقرار أسواق النفط إذا ما بقيت البراميل الحقيقية عاجزة عن مجاراة الطلب على البراميل الورقية.

وارتفع متوسط أسعار سلة «أوبك» في أبريل (نيسان) الماضي بنحو 8 دولارات إلى 118 دولارا للبرميل، إلا أن متوسط أسعار سلة «أوبك» تراجع إلى 111 دولارا خلال الأسبوع الماضي، بعد أن شهدت أسعار النفط هبوطا قويا بنحو 17 دولارا في فترة قصيرة.

وأبقت منظمة «أوبك» على توقعاتها لنمو الطلب على النفط في 2011 عند 1.4 مليون برميل يوميا، حيث أشارت إلى أن توقعاتها لنمو الاقتصاد العالمي في هذا العام ما زال عند 3.9 في المائة، على الرغم من مؤشرات لتباطؤ الاقتصاد الأميركي.

وقالت منظمة «أوبك» إن تداعيات الزلزال المدمر على اليابان قد تشكل مخاطر على نمو الطلب، حيث هبطت معدلات الطلب في اليابان بنحو 300 ألف برميل يوميا في أبريل الماضي، إلا أن استمرار النمو الذي لم تتوقعه للطلب على النفط من قبل الاقتصاد الصيني بنحو 600 ألف برميل يوميا أسهم في تبديد المخاوف من تراجع نمو الطلب على النفط خلال هذا العام.

ولمحت منظمة «أوبك» إلى أن تباطؤ الاقتصاد الأميركي يعود إلى انخفاض الإنفاق الحكومي في الربع الأول من هذا العام، حيث سجل الاقتصاد الأميركي نموا بنحو 1.8 في المائة في الربع الأول، مقارنة بـ3.1 في المائة في الربع الرابع من 2010.

وتساءلت منظمة «أوبك» عن قدرة الإنفاق الاستهلاكي في الولايات المتحدة في المحافظة على معدلاته الحالية، خصوصا بعد انتهاء برامج التيسير الكمي للاحتياطي الفيدرالي الأميركي في يونيو المقبل.

وتوقعت أوبك أن تشكل الإمدادات النفطية خارج المنظمة لهذا العام ارتفاعا بنحو 700 ألف برميل يوميا، مقارنة بارتفاع الطلب على نفط «أوبك» بنحو 400 ألف برميل في اليوم، مما قد يرفع معدل إنتاج منظمة «أوبك» إلى 29.9 مليون برميل يوميا في نهاية 2011، مقارنة بـ29.5 مليون برميل في العام الماضي.

وسجلت معدلات الطلب على السلعة الناضبة ارتفاعا من 85 مليون برميل يوميا في عام 2009 إلى 88.8 مليون برميل يوميا مع نهاية الربع الأول من هذا العام، وذلك حسب بيانات وكالة الطاقة الدولية. وشكل الطلب على النفط من قبل الدول الصناعية نموا بنحو 800 ألف برميل عند 46.3 مليون برميل في الربع الأول من هذا العام مقارنة بـ45.5 مليون برميل لمتوسط الطلب في 2009.

واستحوذت الدول الناشئة على مجمل نمو الطلب العالمي على النفط، حيث ارتفع الطلب بنحو 3.6 مليون برميل منذ نهاية عام 2009 إلى مستويات 42.5 مليون برميل، كان نصيب التنين الصيني منها نموا بنحو 1.6 مليون برميل يوميا.

وفي المقابل، بلغت الإمدادات النفطية في العالم 88.7 مليون برميل يوميا في الربع الأول من هذا العام، مقارنة بـ84.4 مليون برميل يوميا في الربع الأول من 2009، مما يشير إلى حالة مشدودة بين معدلات الطلب والعرض في الأسواق النفطية العالمية، بنحو 100 ألف برميل يوميا، حسب بيانات وكالة الطاقة الدولية، إلا أن المخزونات التجارية لدى الدول المستهلكة ما زالت تغطي أي نقص مفاجئ من المعروض، حيث بلغت مستويات المخزونات التجارية لدى الدول المستهلكة الأعضاء في منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي ما يعادل 59 يوما من الطلب في مارس الماضي، وهو ما يمثل 2.6 مليار برميل من النفط، الذي يشير إلى أن المخزونات العالمية ما زالت متخمة بالمعروض، مما يدل على استقرار الأسواق النفطية.

ويعد قطاع النقل المستهلك الأكبر لسلعة النفط، حيث يمثل استهلاك قطاع النقل 53 في المائة من الاستهلاك العالمي من النفط يوميا، مما يبقي الطلب على النفط بشكل مطرد على الرغم من دخول مصادر أخرى لتوليد الطاقة في قطاع النقل كالوقود الحيوي.

وشكل نمو الطلب على النفط من قطاع النقل في الدول الناشئة الحصة الأكبر من نمو الطلب في قطاع النقل عالميا بنحو 3.2 في المائة في العام الماضي، مما عوض انخفاض الطلب في قطاع النقل لدى الدول الصناعية بنحو 2 في المائة في الفترة نفسها.

وفي تطور ملموس في قطاع النقل، رفعت الحكومة الألمانية نسبة الوقود الحيوي في تركيبة وقود الديزل إلى عشرة في المائة، على الرغم من احتجاج صناع السيارات على هذه الخطوة.

وألقى الكثير من المراقبين اللوم على سياسة تبني الوقود الحيوي كمسبب رئيسي لارتفاع أسعار الغذاء، حيث ينتهي مصير كميات كبيرة من محاصيل الغذاء إلى خزانات السيارات لتشغيل محركاتها. وفي خطوة مماثلة، تحاول الحكومة الأميركية الدفع بمشروع جديد لرفع نسبة الوقود الحيوي إلى 15 في المائة من إجمالي الوقود المستهلك في الولايات المتحدة. وذكرت منظمة «أوبك» في تقريرها الأخير أن الكثير من المراقبين يتوقعون أن تتسبب سياسة الوقود الحيوي في ارتفاع معدلات التصحر، نتيجة الدعم الحكومي لصناعة الوقود الحيوي، الذي دفع 40 في المائة من إنتاج الذرة العالمي إلى أن يستهلك من قبل قطاع النقل في الدول المستهلكة.

وحسب بيانات صادرة لجمعية صانعي السيارات الأوروبية، انخفض معدل الطلب على السيارات الجديدة بنحو خمسة في المائة في مارس (آذار) الماضي، حيث انخفض الطلب على السيارات الجديدة في إيطاليا وإسبانيا بنحو 28 في المائة، مقارنة بانخفاض قدره 57 في المائة في اليونان، إلا أن نمو مبيعات السيارات في فرنسا وألمانيا بنحو 11 في المائة استطاع امتصاص تدهور مبيعات السيارات الأوروبية.

وشكل تسونامي اليابان الأثر الأكبر في تدهور مبيعات السيارات في العالم، حيث هبطت مبيعات السيارات بنحو 51 في المائة، الذي يعد الأسوأ منذ عام 1968، إلا أن شركتي «تويوتا» و«هوندا» تتوقعان عودة الحيوية لمبيعات السيارات في نهاية 2011.

وواكب الاقتصاد الصيني تطلعات قطاع النقل، حيث شهدت مبيعات السيارات نموا بنحو 5 في المائة في مارس الماضي، عبر بيع 1.8 مليون سيارة جديدة، إلا أن توقف المساعدات الحكومية لشراء سيارات جديدة دفع نمو مبيعات السيارات إلى التباطؤ.