وزير المالية السعودي: الموارد البترولية قادرة على تغطية الاحتياجات التمويلية لمشاريع المملكة

محافظ «ساما» يؤكد على وضع البنوك السعودية الجيد > سن التقاعد قد يمتد إلى 65 عاما هجريا

وزير المالية السعودي ومحافظ «ساما» ووزير الاقتصاد خلال مؤتمر «يورومني» في الرياض أمس (تصوير:أحمد يسري)
TT

بدد وزير المالية السعودي المخاوف من قدرة بلاده على تمويل المشاريع المقرر إنشاؤها خلال الفترة المقبلة، مرجعا ذلك الاطمئنان إلى أن مصادر تمويل المشاريع تأتي من خلال الموارد البترولية.

وقال وزير المالية السعودي الدكتور إبراهيم العساف لـ«الشرق الأوسط» إن بلاده لا تحتاج للبحث عن مصادر تمويل أخرى، وذلك عطفا على سعر وإنتاج البترول، وزاد: «نحن مطمئنون إلى أن الموارد الحالية ستغطي الاحتياجات خلال الفترة الحالية، وأنا أعتقد أنه على المدى المتوسط سيكون الوضع صحيا بالاعتماد على تلك المصادر».

وكان العساف يتحدث لـ«الشرق الأوسط» على هامش تدشين مؤتمر «يورومني» في الرياض أمس، الذي تنظمه الوزارة تحت عنوان «تنويع مصادر التمويل» بمشاركة واسعة من مديري بنوك محلية ودولية.

وأبدى العساف تحفظه على النسبة المقدرة من قبل صندوق النقد الدولي لنمو الاقتصاد في المملكة، التي حددت بنحو 7.5 في المائة خلال العام الحالي، متوقعا أن يتجاوز اقتصاد بلاده نسبة 4 في المائة خلال عام 2011، ومشيرا إلى أن قيمة الحزمة التنموية التي جاءت بها القرارات الملكية مؤخرا تقدر بنحو 80 مليار ريال لهذا العام (21.3 مليار دولار).

وبين أن الحزم التنموية هذه تنقسم في تقييم تكلفتها إلى قسمين؛ البعض منها يمكن تحديد قيمته الآن، مثل تكلفة بناء 500 ألف وحدة سكنية، ودعم صندوق التنمية العقارية، وراتب الشهرين، وكذا دعم الـ15 في المائة المتعلقة بغلاء المعيشة، في حين أن هناك بعض الأرقام يصعب تحديدها مثل قيمة المبالغ المخصصة لإعفاء المتوفين من تسديد الديون المقررة. ولفت العساف إلى أن الأرقام المحددة من قبل بعض الجهات تعتبر منخفضة وأن الأرقام الحقيقية ستكون أكثر من ذلك، وعلى مدى زمني يمتد إلى 4 سنوات أو أكثر، مذكرا بأنه من الصعب تحديد الرقم النهائي الآن للحزم التنموية وأن المعلومات المتعلقة بالموضوع ما زالت تصل إلى الوزارة.

وقال العساف إن الحزمة التنموية المتعلقة بالإسكان سيكون الإنفاق عليها بطيئا في البداية، ويتسارع خلال السنوات المقبلة، ولن ينفق عليها مبلغ مهم خلال هذا العام، وقدر قيمة المبلغ الذي صرف على راتب الشهرين، وبعض المصاريف الأخرى بحدود الـ50 مليار ريال (13.3 مليار دولار) أغلبها لراتب الشهرين. وعن مصادر هذه الإنفاقات، قال العساف إنه من المتوقع أن تحقق الإيرادات الحكومية فائضا هذا العام. وعليه، فإن الحزم التنموية ستمول من هذه الزيادة، وفي حال لم تكف، ستلجأ الدولة إلى مصادر أخرى، في إشارة منه إلى احتياطات المملكة. واستبعد أن يتم اللجوء إلى إصدار سندات لأجل تمويل هذه الحزم.

وشدد على أهمية موضوع المؤتمر الذي يعقد تحت عنوان «تنويع مصادر التمويل» بوصفه موضوعا مهما في وقت لم يخرج فيه الاقتصاد العالمي تماما من آثار الأزمة المالية نتيجة لتأثر القطاعات المالية بالأزمة، مشيرا إلى أن توقع صندوق النقد الدولي حول التعافي الاقتصادي العالمي يفتقر إلى التوازن، حيث إن النمو الاقتصادي في الدول المتقدمة يتسم بالبطء مقابل نمو أقوى في بلدان الاقتصادات الناشئة وما يصاحبه من ضغوط تضخمية محتملة. ورأى أن التحديات التي تواجه الاقتصادات الكبيرة تختلف عنها في الاقتصادات الناشئة، مؤكدا أهمية تحقيق الضبط اللازم للمالية العامة في الاقتصادات المتقدمة لضمان استمرار التعافي الاقتصادي العالمي، فيما يتعين على الاقتصادات الناشئة زيادة الاعتماد على الطلب المحلي واتخاذ السياسات اللازمة للحد من الضغوط التضخمية. وشدد على أن الوضع المالي والاقتصادي للمملكة «مستقر، ولم يلاحظ أي تحركات مالية غير طبيعية، على الرغم مما تمر به المنطقة من أحداث غير مسبوقة»، مبينا أن المملكة مستمرة في برنامجها الاستثماري الضخم، ومن ذلك، ما أقر من إنفاق استثماري في ميزانية العام الحالي الذي بلغ 265 مليار ريال مع استمرار الاهتمام بالتنمية البشرية والسعي الحثيث لتسهيل أداء الأعمال وخفض تكاليف النشاط الاقتصادي.

وحول رفع سن التقاعد إلى 65 عاما أفاد محافظ المؤسسة العامة للتقاعد محمد الخراشي أن المؤسسة لاتزال تدرس رفع سن التقاعد لموظفي الدولة من 60 عاما هجريا إلى 65، معللا بأن 60 عاما تعني 58 عاما هجريا. وأوضح أن الإنفاق الفعلي «سيتجاوز ما قدر في الميزانية، نتيجة للأوامر الملكية الكريمة التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين بمناسبة عودته سالما معافى إلى أرض الوطن». وبين الدكتور العساف أن الأوامر الملكية روعي فيها الاهتمام الدائم من خادم الحرمين الشريفين بالفئات الأكثر حاجة في المجتمع؛ من إسكان وإقراض ميسر ورعاية اجتماعية تمثلت في حزمة كبيرة ومهمة من الدعم للفئات الأكثر احتياجات في المجتمع.

وأفاد وزير المالية أنه تم إدخال إعانة مؤقتة للعاطلين عن العمل لأول مرة بما يسهم في تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي، متوقعا أن يكون للإنفاق المرتبط بالأوامر الملكية أثر إيجابي إضافي على النشاط الاقتصادي المحلي ومن ثم النمو لهذا العام وللأعوام المقبلة.

وزاد: «السياسة الاقتصادية الكلية المالية والنقدية التي اتبعتها المملكة خلال السنوات الماضية أسهمت في توفير الحيز المالي الملائم لاتخاذ إجراءات قوية في مواجهة آثار الأزمة المالية العالمية وحافظت على متانة وسلامة القطاع المصرفي»، مشددا على أهمية أن يخرج المؤتمر بأفكار تمكن من التعرف على آليات التمويل الممكنة والتحديات التي قد تواجه تطويرها خاصة في ظل وجود البرنامج الإنفاقي والاستثماري الضخم الذي يتجاوز الجانب الحكومي ويشمل مشروعات ضخمة للقطاع الخاص، وهو ما يؤكد أهمية تنويع مصادر التمويل من خلال تطوير آليات ووسائل مبتكرة.

وأعرب عن أمله في أن يبحث المؤتمر قضية تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة بوصفها محركا مهما للنمو وتوفير فرص العمل.

وتوقع أن يتجاوز الإنفاق موازنة السعودية في 2011 بما بين 10 و15 في المائة، مشيرا إلى أن بلاده قد لا تحتاج إلى استخدام الاحتياطات الأجنبية لتغطية الإنفاق الإضافي، وأنه يأمل أن يكون الإنفاق الحكومي الإضافي على الإسكان موزعا على 5 سنوات بدلا من 10 سنوات.

وكان المؤتمر قد بدأ بكلمة من بادريك فالون رئيس مؤسسة «يورومني» الاستثمارية، نوه فيها بمتانة وقدرة الاقتصاد السعودي على مواجهة التحديات، خاصة الأزمة المالية العالمية، مشيرا إلى أن حسن إدارة السياستين المالية والنقدية للمملكة أظهرت القدرات الحقيقية للمملكة التي أصبحت محركا مهما للاقتصاد العالمي. وأوضح أن المؤتمر الذي بدأ أعماله بالرياض أمس يشارك فيه نحو ألف شخصية من نحو 40 دولة وسط تغطية إعلامية غير مسبوقة، يدلل على ما تتمتع به المملكة من قوة وحضور اقتصادي فاعل على المستوى الدولي.

من جهته، قال الدكتور محمد الجاسر، محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، إن البنوك السعودية في وضع جيد لتقديم القروض للقطاع الخاص بفضل نسب كفاية رأس المال القوية، مشيرا إلى أن «نسبة كفاية رأس المال لدى البنوك السعودية في موقف جيد، والبنوك في وضع جيد لتقديم الائتمان للقطاع الخاص دون الضغط على ميزانياتها العمومية».

وأضاف أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في المملكة تبلغ 10 في المائة، مؤكدا أن الإدارة المالية والنقدية للبلاد أسهمت في تقليل مدى تأثر الاقتصاد الوطني السعودي بالأزمة المالية العالمية. وبين أن مؤسسة النقد عملت على تهيئة مناخ الاستثماري لتحقيق مزيد من النمو الاقتصادي خاصة للقطاع الخاص وتنويع مصادر التمويل لمقابلة النمو المضطرد. وتابع: «المصدر الأول للتمويل في السعودية ناجم عن مصادر محلية بفضل قوة الاقتصاد المحلي»، مشيرا إلى أن هناك بالفعل مصادر تمويل خارجية، بيد أن النسبة العظمى للتمويل تأتي من مصادر محلية، حيث تعمل الحكومة على توفير مصادر تمويل بالريال السعودي للوفاء بمتطلبات المرحلة الحالية. وأفصح الجاسر عن مواصلة مؤسسة النقد سياساتها المتحفظة الرامية إلى المحافظة على الاستقرار النقدي، مبينا أن القطاع الصناعي وجد له وسيلة مهمة للتمويل من خلال السوق المالية السعودية عن طريق طرح أسهم الشركات كاكتتاب عام وهو من الوسائل المهمة للتمويل. ولفت محافظ مؤسسة النقد إلى أن الصناديق الحكومية العديدة تقوم بعمليات تمويل كبيرة حيث قدمت مئات المليارات من الريالات لدعم المشاريع الصناعية عن طريق قروض واستثمارات طويلة الأجل. ودعا إلى ضرورة الاستفادة من أسباب الأزمة المالية العالمية واستخلاص الدروس والعبر لمنع وقوع أزمات مماثلة في السنوات المقبلة مطالبا بضرورة تعزيز بناء الأنظمة والتشريعات المالية في الرقابة على القطاع البنكي.

ويبحث المؤتمر خلال جلساته التسع التي تنعقد على مدى يومين موضوعات تتناول تنويع مصادر التمويل وكيف يمكن للمملكة توفير مصادر بديلة لرؤوس الأموال والقطاع العام وتمويل البنية التحتية إضافة إلى التمويل المصرفي والمملكة والدورة الاقتصادية العظمى للسلع.

إلى ذلك، أشار وزير الاقتصاد والتخطيط خالد القصيبي إلى تبني السعودية في عام 2005، استراتيجية بعيدة المدى للاقتصاد السعودي تستشرف أفقا زمنيا يمتد حتى عام 2025، مشيرا إلى أنها أرست أهداف المملكة على المدى البعيد من خلال توفير إطار جامع للخطط الخمسية المتعاقبة لتحقيق رؤية شاملة للمملكة بحلول 2025، وأبان أن الأهداف الاستراتيجية تشمل هدفين رئيسيين؛ هما مضاعفة حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بحلول 2025، وإحداث تحسن مماثل في مستوى نوعية الحياة للمواطنين، واستهداف تحقيق تقدم ملموس على صعيد تطوير هيكل الاقتصاد الوطني وتنويع قاعدته الإنتاجية من خلال تعزيز دور القطاعات الإنتاجية والخدمية غير النفطية. وقال إن «الاستراتيجية تستهدف كذلك تحقيق نمو في القطاعات الإنتاجية غير النفطية بمعدل سنوي متوسط يبلغ 7 في المائة خلال مدة الاستراتيجية، وهو ما يفوق معدل النمو السنوي المستهدف للناتج المحلي الإجمالي الذي يبلغ 5.7 في المائة»، مشيرا إلى أن القطاع الصناعي سيكون بمثابة قاطرة النمو الأساسية للقطاعات الإنتاجية والاقتصاد الوطني ككل، فاستهدف أن ينمو القطاع الصناعي بمعدل سنوي متوسط يبلغ 8.1 في المائة وهو المعدل الأعلى بين جميع القطاعات. وتابع: «قطاع الخدمات سيكون مستهدفا في هذه الاستراتيجية لتحقيق معدل نمو سنوي متوسط يبلغ 7.4 في المائة خلال مدة الاستراتيجية».

وشدد وزير الاقتصاد والتخطيط على أن تحقيق أهداف الاستراتيجية يتطلب الاعتماد بشكل أكبر ومتزايد على قطاعات الأنشطة ذات المحتوى المعرفي والتقني المرتفع والإنتاجية العالية، وهي القطاعات التي تتمتع منتجاتها بميزات تنافسية قائمة على الجودة والنوعية والتكلفة والمنافسة.

المؤسسة العامة للتقاعد تستثمر نصف مليار دولار في سوق الأسهم

* أفصح مسؤول رفيع المستوى في المؤسسة العامة للتقاعد السعودية على هامش المؤتمر بأن المؤسسة استثمرت ملياري ريال (533.3 مليون دولار) في سوق الأسهم السعودية في مارس (آذار) الماضي، مشيرا إلى أن السوق واعدة وأن المؤسسة مستمرة في الاستثمار.

وقال محمد الخراشي محافظ المؤسسة العامة للتقاعد السعودية: «نحن نستثمر في قطاعات عديدة؛ مثل البتروكيماويات والبنوك والاتصالات والإسمنت»، مشيرا إلى أن استثمارات المؤسسة موزعة بنسبة 47 في المائة في الأسواق الخارجية و53 في المائة في السوق المحلية.

وأضاف الخراشي أن المؤسسة تركز على مضاعفة الاستثمارات إلى مثليها في السوق المحلية، حيث تتوافر فرص كبيرة، مشيرا إلى أن العائد على الاستثمارات الرأسمالية للمؤسسة بلغ 8 في المائة في 2010، ووصف ذلك بأنه جيد جدا، لا سيما في ظل الظروف الراهنة، موضحا أن الاستثمارات الخليجية تتركز في أوروبا وآسيا والأسواق الناشئة.

وعن مدى تأثر استثمارات المؤسسة بالاضطرابات في الأسواق التي تستثمر فيها، قال: «كل استثماراتنا آمنة ولم تتأثر على الإطلاق»، مؤكدا أن المؤسسة تستثمر في قطاع العقارات السعودي، ومن أبرز المشروعات التي تستثمر فيها «مركز الملك عبد الله المالي»، ويعد المركز أحد المشروعات العملاقة التي تنفذ في المملكة حاليا. وذكر أن المبلغ المعتمد للاستثمار في المركز هو 28 مليار ريال (7.8 مليار دولار)، مبينا أن المرحلة الأولى من المشروع اكتملت ببناء 16 مبنى، وتوقع إتمام عمليات البناء في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012.