عجز في «الإسمنت» غرب السعودية و«التجارة» تكثف حملاتها ضد استغلال السوق السوداء

مشاريع مكة المكرمة ترفع الطلب والأسعار ترتفع إلى 5.3 دولار للكيس

TT

كشف مصدر مسؤول في وزارة التجارة والصناعة في السعودية عن تقديم مقترح لمحافظ محافظة جدة (غرب السعودية) لحل أزمة نقص كميات الإسمنت في المحافظة، والتي تصاعدت أسعاره بتخصيص مواقع محددة لبيع الإسمنت لتلافي العمالة الوافدة بعد محاولاتهم رفع الأسعار.

وأوضح صالح الخليل وكيل وزارة التجارة المساعد لشؤون المستهلك أن الوزارة قامت بتقديم الاقتراح بحيث تقوم أمانة جدة بتخصيص مواقع لبيع الإسمنت وتقوم الجهات الأمنية «الشرطة» بمساندة جهود الوزارة في عملية بيع ما يتم تحت إشراف الوزارة بحيث لا تتجاوز الأسعار سقف 14 ريالا (3.7 دولار) للكيس الواحد.

وأضاف الخليل: «لقد تجاوب مشكورا الأمير مشعل بن ماجد مع هذا الأمر والمقترح الذي قدم ونحن الآن ننتظر تخصيص هذه المواقع حيث تم الاتفاق مع عدد من الشركات لضخ كميات إضافية لحل الأزمة التي ستتحسن قريبا».

وكانت أزمة الإسمنت في جدة قد شهدت ارتفاعات ونقصا التي وصلت إلى أكثر من 20 ريالا (5.3 دولار) للكيس الواحد إضافة إلى نقص في السوق مما أثار كثيرا من تساؤلات المستهلكين حول آليات وإنتاج المصانع مقابل الطلب الكبير التي تشهده السعودية هذه الأيام.

وحول هذه الأزمة أرجع سافر العوفي، مدير مؤسسة لتجارة الإسمنت في السعودية، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن السوق في منطقة مكة المكرمة تشهد طفرة وشحا في كميات الإسمنت مقابل الطلب المتصاعد، مما أدى إلى عجز في تلبية رغبات المستهلكين المقبلين على المشاريع الكبيرة والصغيرة أيضا. وأضاف العوفي: «لقد شهدت الأسعار الأيام الماضية ارتفاعات غير مبررة، ونتمنى أن يكون لوزارة التجارة دور ملموس ومتابعة حقيقية حتى لا تتكرر هذه المسائل والقضاء عليها بشكل نهائي خاصة أن هناك عددا من العمالة الأجنبية توفر الإسمنت خارج المواقع المخصصة لها وبطرق غير رسمية بأسعار غير منطقية».

وأشار العوفي إلى أن «إنتاج المصانع يعتبر جيدا مقابل الكميات التي تنتجها هذه الأيام ولكن هناك بعض المشكلات التي تواجه أصحاب الشاحنات عند تحميل أكياس الإسمنت من المصانع حيث ننتظر قرابة 7 أيام حتى نحصل على الكمية المطلوبة (500) كيس، الأمر الذي صعد بالسعر إلى 20 ريالا (5.3 دولار) للكيس بالإضافة إلى إيجار يومي للشاحنات يعادل 300 ريال لليوم الواحد.

وزاد: «إن أسباب ارتفاع أسعار الإسمنت زيادة الطلب خلال الفترة التنموية التي تعيشها السعودية والتي تشهد إنفاقا حكوميا ضخما على مشاريع البناء»، متخوفا من تصاعد السعر خلال الأيام المقبلة مقابل زيادة الطلب المستمرة مما جعل هناك شحا حقيقيا داخل سوق الإسمنت.

وفي جولة لأحد المواقع المخصصة لبيع الإسمنت في محافظة جدة أكد عدد من المواطنين وجودهم منذ الصباح في الموقع الذي لم تكن به أي شاحنة إسمنت للحصول على أكياس الإسمنت.

فهد الحازمي أحد المواطنين الذين تعطلت مشاريعهم حيال هذه الأزمة مما دفع العمالة بوقف بناء منزله بسبب نقص أكياس الإسمنت لديه يبحث عن الإسمنت بأي سعر لاتفاقه على دفع أجر يومي للعمالة؛ حيث وجد أن هناك عمالة أجنبية تقوم ببيع الإسمنت بأسعار أعلى بطريقة غير نظامية «سوق سوداء» مطالبا وزارة التجارة بالنظر حول موضوع الأجانب واحتكارهم للشاحنات التي يستحوذون عليها قبل وصولها داخل مقرات البيع الرسمية للإسمنت.

من جهته، أوضح عبد الله رضوان رئيس اللجنة الوطنية للمقاولين في مجلس الغرف السعودية أن التوزيع الجغرافي للمصانع المنتجة غير عادل، فنجد أن غرب السعودية يشهد نقصا للمصانع، خاصة أن مدينة الرياض يوجد بها أربعة مصانع؛ فمدينة مكة المكرمة تشهد أضخم المشاريع، والنقل أدى لتصاعد الأسعار وقلة العرض مقابل الطلب الكبير، فالمصانع لم ترفع الأسعار ولكن البعض من المواطنين والمقيمين يقومون بتخزين كميات من الإسمنت بعد سماعهم وتخوفهم من ارتفاع الأسعار. وأضاف رضوان: «إن هناك فروقا في سعر النقل بين المصانع من حيث البعد لذلك يجب أن نستحدث وسائل نقل متقدمة كالقطارات لكي يسهل توزيع الإسمنت من المصانع لأي جهة في السعودية». وأشارت اللجنة الوطنية للمقاولين في مجلس الغرف السعودية إلى أن «وجود الشائعات التي تكون غالبا غير صحيحة تسببت في إقبال كثيرين على الشراء بكميات أعلى من الحاجة وهذا بطبيعة الحال أدى إلى شح في الكميات المعروضة».

وقد أكدت وزارة التجارة في وقت سابق لـ«الشرق الأوسط» وجود اتفاق مع عدد من شركات الإسمنت، التي تزود عددا من المدن والتنسيق مع الفروع لبيع الكميات بسعر لا يزيد عن 14 ريالا، ومن ثم يختم على الفاتورة، لإعادة الناقلات مرة أخرى لضمان بيعها بالسعر المحدد من قبل الوزارة.

إلى ذلك، تحدث حسين بن عبد الوهاب بن دعجم المدير العام لشركة «الباحة القابضة» لـ«الشرق الأوسط» بأن هناك العديد من المصانع القائمة لم تعط حصتها من الوقود والتي بلغت نحو 50 في المائة من حصتها من الوقود.

وأضاف بن دعجم: «للأسف منذ أكثر من 4 سنوات ونحن نطالب بتصريح للمصنع والذي تبلغ مساحته 20 مليون متر مربع بطاقة إنتاجية تبلغ 12 ألف طن يوميا كطاقة إنتاج أولية، ويوفر نحو 600 فرصة عمل مختلفة ولكن لم نستطع إلى الآن البدء في الإنتاج وهذا ما قد يجعل هناك بعض النقص في زيادة ضخ الإسمنت في السعودية.

وكما أعلنت الوزارة عدم التواني في ردع المخالفين، أو التهاون في تطبيق الأمر الملكي بمعاقبة المتلاعبين بأسعار السلع الاستهلاكية من التجار، محذرا من عقوبة التشهير بأي جهة تجارية تقوم بالتلاعب ورفع الأسعار بشكل غير نظامي.

وأصدرت وزارة التجارة والصناعة نحو ثلاث قرارات بالتشهير خلال الأيام الماضية لعدد من المؤسسات المختصة بتوزيع الإسمنت وذلك لقيامها برفع سعر كيس الإسمنت إلى 20 ريالا، أي بزيادة 6 ريالات عن السعر المحدد من قبل الوزارة بعد صدور الأمر الملكي الذي منح الوزارة صلاحية التشهير بحق المتلاعبين بالأسعار.

ولم تقف أزمة ارتفاعات أسعار الإسمنت على البناء والتشييد، بل ألقت بظلالها على سوق الشاحنات «الناقلات» المستعملة في السوق المحلية بنسبة تجاوزت 30 في المائة من قيمتها السابقة، بحسب ما أكده متداولون في سوق الشاحنات في جدة.

وأوضح محمد الدوسري المستثمر في مجال الناقلات خلال حديثة لـ«الشرق الأوسط» أن سوق الناقلات خلال هذه الفترة شهدت ارتفاعا في أسعارها من قبل ملاكها بنسب متفاوتة وصلت إلى 30 في المائة من السعر السابق بعد زيادة الطلب عليها من قبل المستثمرين الجدد في سوق الإسمنت والشعير بعد الارتفاع الذي شهدته الأيام الماضية.

وأضاف الدوسري: «إن أزمة الإسمنت الوهمية وكثرة المشاريع التنموية في السعودية تعود إلى كثرة الطلب على تلك الشاحنات واستيرادها بكميات كبيرة من دول أوروبية، مشيرا إلى أن أغلبية الشاحنات في السوق تكون في الغالب مستوردة من دول أخرى.

وأوضح الدوسري: «لقد قمت بشراء ناقلتين قبل نحو 60 يوما بمبلغ نحو 160 ألف ريال للشاحنة الواحدة وخلال الأيام الماضية حاولت الحصول على شاحنة من نفس الطراز ولكن تفاجأت بصعود سعرها إلى 200 ألف ريال للشاحنة الواحدة، مشيرا إلى أن هناك تكهنات برفع الأسعار خلال الأيام المقبلة، والبعض يتوقع أن تعود الأمور إلى طبيعتها.

من جانبه، أكد علي الحرزي مستثمر في بيع وشراء الناقلات أن أسعار الشاحنات أرتفع في الفترات الأخيرة وبشكل ملحوظ لقلة المعروض وزيادة الطلب، مشيرا إلى أن التجار اتجهوا إلى السفر لخارج السعودية لاستيراد الشاحنات التي تتطلبها السوق السعودية بشكل خاص.

وأضاف الحرزي أن «سوق الناقلات تشهد حركة غير معتادة منذ مطلع العام الحالي مع ظهور عدد من المستثمرين والمقاولين الجدد بعد تصاعد المشاريع التنموية في السعودية، إضافة إلى أزمة الإسمنت التي أيضا هي جزء متسبب في ارتفاع أسعارها».