تقرير اقتصادي: تحويلات المغتربين اللبنانيين لم تتأثر بالأزمة العالمية

10% من سكان لبنان تركوه خلال 15 عاما

TT

في أول تقرير من نوعه عن تداعيات الأزمة المالية العالمية على تحويلات المغتربين إلى لبنان، حدد بنك «بيبلوس» أسباب صلابة هذه التحويلات في العدد المرتفع للمغتربين، وعدم حدوث تداعيات سلبية على سعر الصرف في البلدان التي هي مصدر للتحويلات، وعدم حصول عودة جماعية للمغتربين، وارتفاع المخاطر الاقتصادية في بلدان مجلس التعاون الخليجي.

وأمل رئيس مجلس إدارة ومدير عام مجموعة بنك «بيبلوس» فرانسوا باسيل «أن يكون توقيت نشر هذا التقرير، وسط حالة عدم اليقين السياسي الداخلي وعدم الاستقرار في المنطقة، دافعا للسلطات اللبنانية كي لا تفترض أن مساهمة المغتربين في الاقتصاد اللبناني عموما وتحويلاتهم المالية خصوصا ستستمر تلقائيا». وحث المسؤولين على وضع استراتيجية واضحة وشاملة لزيادة الروابط بين الانتشار اللبناني ووطنهم الأم.

ويظهر التقرير الذي أصدره قسم البحوث والتحاليل الاقتصادية في مجموعة بنك «بيبلوس»، وسيتم نشره من قبل البنك الدولي في كتاب سيصدر عن تداعيات الأزمة المالية العالمية على تدفقات تحويلات المغتربين إلى الدول النامية، أن متانة تحويلات المغتربين إلى لبنان تحددها عوامل محلية وخارجية.

وأشار التقرير إلى أن تحويلات المغتربين إلى لبنان تراجعت بشكل ملحوظ في بداية الأزمة المالية، ولكن هذا التأثير كان قصير الأجل نسبيا، واقتصر على الفصل الثالث من عام 2008، والفصل الثاني من عام 2009. هذا في حين ارتفعت تحويلات المغتربين إلى لبنان بنسبة 5.3 في المائة في 2009 بالمقارنة مع انخفاض هذه التحويلات إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة 6.3. وكان لبنان البلد الوحيد في المنطقة، حيث أسفرت الأزمة عن صدمة إيجابية لتحويلات المغتربين بلغت 1.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2009. وبحلول نهاية عام 2009، أصبح لبنان أكبر متلق لتحويلات المغتربين في المنطقة من حيث القيمة، ونسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، ونسبة لعدد المقيمين (per capita).

وقد حدد التقرير أربعة عوامل رئيسية أسهمت في صمود التحويلات إلى لبنان خلال الأزمة المالية العالمية، وهي: أولا، الهجرة المستمرة منذ عام 1975، التي شكلت العامل الأكثر أهمية للتدفق المستمر للتحويلات، بغض النظر عن الظروف السياسية أو الاقتصادية المحلية، فقد بلغ عدد المهاجرين بين عامي 1992 و2007 ما لا يقل عن 466000 أي نحو 10.3 في المائة من السكان اللبنانيين المقيمين، وفي ذلك دلالة واضحة على حجم الهجرة الكبير. وثانيا، قدرة الكسب الفعلية والمحتملة للمهاجرين حين غادروا البلاد، والنسبة العالية من المغتربين الذين يساعدون أسرهم والذين يزورون البلاد بشكل منتظم. وفي الواقع، كانت نسبة 45.4 في المائة من المهاجرين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 سنة يحملون شهادات جامعية عندما غادروا البلاد، و39 في المائة من المهاجرين الذين هم أكبر من 35 سنة كانوا يحملون شهادات علمية عند هجرتهم. كما أن 55 في المائة من المغتربين غادروا البلاد لأسباب تتعلق بالعمل. وثالثا، سعر صرف الليرة اللبنانية المثبت مقابل سعر الدولار الأميركي علما بأن ثلاثة أرباع التحويلات إلى لبنان مصدرها اقتصادات ترتبط عملاتها بالدولار. وهذا ما حمى لبنان من تقلبات سعر صرف العملات حول العالم. رابعا، عدم حصول عودة جماعية للمغتربين إلى لبنان في بداية الأزمة المالية العالمية. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى قدرة المغتربين اللبنانيين على التأقلم مع الظروف الاقتصادية المستجدة، وكذلك حذرهم من احتمال تجدد الاضطرابات السياسية في لبنان، وإدراكهم عدم وجود فرص عمل كافية في بلدهم.

كما يظهر التقرير ترابطا إيجابيا بين عدم الاستقرار السياسي وتدفقات التحويلات إلى لبنان خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) 2005 إلى مايو (أيار) 2008، وهي فترة عدم الاستقرار السياسي في لبنان.

كما استنتج التقرير أن التحويلات إلى لبنان ارتفعت مع ارتفاع مستوى المخاطر الاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي خلال الأزمة المالية العالمية، مما يعكس عامل «الملاذ الآمن» الذي يمكن أن يسبب عودة التحويلات لأغراض الاستثمار إلى لبنان خلال الركود الاقتصادي في البلدان المضيفة، الذي انعكس بمستوى لم يسبق له مثيل من تدفقات رؤوس الأموال إلى لبنان في 2009.