منطقة اليورو تقترح على اليونان خصخصة أملاكها

الجدل يتزايد في الدول الأعضاء بالتكتل الموحد حول جدوى دعمها

TT

اقترحت رئاسة منطقة اليورو (التي تتعامل بالعملة الأوروبية الموحدة) على حكومة اليونان خصخصة أملاكها، بينما يتزايد الجدل في الدول الأعضاء بالتكتل الموحد حول جدوى مساعدة هذا البلد، بل وصل الأمر إلى أن المواطن الأوروبي في بعض الدول لم يعد لديه أمل في إمكانية استرداد الأموال التي حصلت عليها أثنيا كديون واجبة السداد. ففي الوقت الذي اقترح فيه رئيس مجموعة اليورو جان كلود يونكر، على الحكومة اليونانية خصخصة أملاكها بالطريقة نفسها التي اتبعتها حكومة ألمانيا الديمقراطية (الشرقية سابقا)، التي أسست بعد توحيد الألمانيتين قبل عشرين عاما شركة خاصة، أخذت على عاتقها خصخصة الممتلكات الحكومية وبيعها لشركات خاصة، جاء في استطلاع للرأي أجري مؤخرا أن 58 في المائة من الجمهور الهولندي يفضل عدم مساعدة اليونان. كما رأى أكثر من النصف بقليل أنه يجب إخراج اليونان من منطقة اليورو. في وقت تعتقد فيه الغالبية العظمى من المشاركين في الاستطلاع أن هولندا لن تستطيع استرداد أموالها من اليونان أبدا.

وقال يونكر، رئيس وزراء لوكسمبورغ، في تصريح لمجلة «دير شبيغل» الألمانية «سأرحب لو بادر الأصدقاء اليونانيون باتباع الخطوات التي قامت بها حكومة ألمانيا الشرقية عندما أسست وكالة خصخصة حكومية مستقلة للإشراف على نقل الممتلكات الحكومية إلى أيد خاصة». وأضاف يونكر أن الاتحاد الأوروبي سيقوم بمتابعة هذه الخطوات، متوقعا حصول حكومة أثينا على 50 مليار يورو من هذه الخطوة.

كما طالب يونكر الحكومة والمعارضة في اليونان بوضع المشكلات الداخلية جانبا، والعمل معا من أجل إخراج اليونان من مشكلة المديونية، قائلا «نطالب الحكومة والمعارضة بالاتفاق على تثبيت الميزانية ووضع الخلافات الداخلية جانبا». ولم يستبعد يونكر إعادة جدولة مخففة لديون اليونان بعد تثبيت الميزانية قائلا «بعد تثبيت الميزانية يمكن التحدث عن إعادة جدولة مخففة للديون اليونانية».

وفي الوقت نفسه، تعاني هولندا من انقسام حاد بشأن تقديم المزيد من المساعدات لليونان للتخلص من العجز المالي في ميزانيتها. ويرى وزير المالية يان كايس دي ياخر، أن على هولندا اعتماد خطة الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي بتقديم قرض طارئ جديد لليونان. وكانت هولندا قد قدمت العام الماضي 7.4 مليار يورو كقرض لمساعدة اليونان، شرط أن تبادر الأخيرة إلى إجراء تخفيضات جذرية في ميزانيتها العامة.

إلا أن اليونان فشلت في القيام بذلك، مما أوقعها في مزيد من المشكلات، وتحتاج من جديد لقروض إضافية من الأسواق المالية. ووافق كل من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي على منحها قروضا مالية، شرط أن تضع اليونان الأصول الحكومية كضمان للإيفاء بالديون. إلا أن هذه الضمانة غير كافية بالنسبة لكثير من السياسيين الهولنديين، ومن ضمنهم رئيس حزب الحرية غيرت فيلدرز. وعلى الرغم من أن فيلدرز هو الشريك الداعم لحكومة مارك روتا، فإن هذا الأمر لم يمنعه من توجيه النقد اللاذع لخطة تقديم المزيد من المساعدات إلى اليونان أثناء مناقشتها في مجلس النواب.

وحسب الإذاعة الهولندية العالمية «في الواقع أثار القرض الثاني استياء الكثير من الناس في هولندا، لأن البلاد تواجه نقصا في الميزانية أيضا، وتعتمد الحكومة سياسة التخفيضات في جميع المجالات. هذا الأمر أعطى انطباعا عند البعض من الهولنديين بأن الاقتطاعات المالية تطبق هنا من أجل دفع المعاشات التقاعدية في اليونان».

وقال عامل البناء المتقاعد كريس روتهاوزن لوسائل إعلام هولندية «نحن مضطرون هنا إلى الاقتطاع من ميزانية الرعاية الصحية للمسنين ومن ميزانية وزارة الدفاع، في وقت ترتفع فيه رسوم الضرائب المفروضة علينا بسبب الأزمة في اليونان». مع ذلك يشعر الآخرون بالقلق من التأثير السلبي المحتمل للأزمة في اليونان وبلدان أخرى على استقرار اليورو. يقول ميشيل إيميرزييل، وهو طالب ثانوي «يجب علينا مساعدتهم، هذا هو الدافع من الاتحاد الأوروبي، أن نكون معا في مواجهة الصعاب». ويشاطره هذا الرأي يان فان روتا، المدير المالي لبنك «إيه بي إن آمرو»، ويقول «من السهل القول يجب عدم مساعدة اليونان. لكن أنا قلق من إمكانية حصول سلسلة من ردود الفعل. إذا كانت هناك مشكلة في بلد ما، فإنها من المحتمل أن تنتقل إلى بلد آخر. ولا مصلحة لأحد في أن يحدث ذلك».

يأتي ذلك بعد أن قال المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية والنقدية أولي ريهن، إن الاقتصاد الأوروبي بات يعمل بسرعتين بسبب الاقتصادات الضعيفة داخل عدد من الدول التي تعاني من صعوبات في الديون السيادية. وقال ريهن أمام المنتدى الاقتصادي الأوروبي الذي انعقد مؤخرا في بروكسل «لسوء الحظ أننا بدءنا نعيش في أوروبا بسرعتين». وأضاف في حضور عدد كبير من الخبراء والاقتصاديين والمسؤولين الأوروبيين والأجانب أن بعض الدول تعافت بسرعة وبقوة، في حين أن أخرى تعاني من انكماش في الناتج المحلي الإجمالي أو تواجه نموا منخفضا جدا، وبالنسبة لمعظم الاقتصادات الضعيفة فإن تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل فاضح مرتبط بأزمة الديون السيادية». وقال إن تحرك الاتحاد الأوروبي لإنقاذ الاقتصادات المتسيبة نجح في منع الانهيار المالي وتجنب صدمات أشد عنوة للاقتصاد. وأضاف «التدخل لصالح إنقاذ اليونان في مايو (أيار) 2010 مكن من تجنيبها الوقوع في الإفلاس». وأوضح المسؤول الأوروبي أن برنامج التكيف اليوناني لا يزال قيد الاستعراض، وكرر أن المفوضية تصر على أن يسرع اليونانيون بوتيرة الإصلاحات. وأكد أنه من الواضح أن على اليونان التحرك بجدية نحو الإصلاحات وتعزيز برنامج الخصخصة قبل اتخاذ أي خطوات جديدة. وقال «أتوقع قرارات ملموسة من قبل الحكومة اليونانية في الأيام المقبلة». وتزامن ذلك مع توجيه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل انتقادات إلى حكومات الدول الأوروبية المدانة، وطالبت حكومات كل من اليونان والبرتغال وإسبانيا بتقديم إثباتات على نيتها في إجراء خطط تقشفية تخرجها من أزمة المديونية. وحسب تقارير إعلامية من برلين، وجهت ميركل انتقادات غير مسبوقة من رئيس حكومة ألمانية لقوانين سن التقاعد والعطل في هذه البلدان، مضيفة أن «الحديث لا يدور عن عدم تكبد ديون جديدة فقط، بل أيضا عن ضرورة ألا يتقاعد مواطنو دول مثل اليونان والبرتغال وإسبانيا أبكر من المواطنين الألمان».

وكان مفوض الاتحاد الأوروبي أولي ريهن أعلن الأسبوع الماضي أن توافق الأطراف على إقرار برنامج صندوق النقد الدولي لليونان شرط أساسي لاتخاذ مزيد من الخطوات. وأضاف ريهن في مؤتمر صحافي أعقب اجتماع وزراء مالية الاتحاد الأوروبي «إننا نتوقع أن تبدأ اليونان في تنفيذ برنامج الخصخصة من دون تأخير لتوفير 50 مليار يورو»، مشيرا إلى أن الخصخصة يمكنها أن تقلل الدين العام في اليونان بأكثر من 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2015 عند تنفيذها بالكامل، وهي حجر الزاوية في برنامج الإنعاش في اليونان.

وأكد أن الإصلاحات الاقتصادية في اليونان «ليست مسألة لعبة سياسية بل هي مصير وطني»، متسائلا «إذا كان ذلك ممكنا في كل من البرتغال وآيرلندا فكيف لا يكون ممكنا في اليونان؟». وتلقت اليونان 120 مليار يورو من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي خلال هذه السنة للتغلب على المشكلات الاقتصادية، لكن الوضع الاقتصادي استمر في التدهور، مما أدى إلى تكهنات أطلقتها وسائل إعلامية بأن أثينا ستدعو إلى إعادة هيكلة ديونها وطلب مزيد من القروض. وقال ريهن إن إعادة هيكلة الدين ليست مطروحة، مشيرا إلى أن عدد سكان اليونان يصل إلى عشرة ملايين نسمة، في حين أن لديها ديونا تصل إلى 330 مليار يورو.