الشركات الهندية تقوم بعمليات تعهيد في أميركا مع تغير موازين القوى الاقتصادية في العالم

ارتفاع الأجور في الهند دفعها للبحث عن فرص للنمو في الولايات المتحدة

TT

تخطى راي كابوانا صفوف الحجيرات الصغيرة في هذا المبنى الشاهق الواقع على مرمى حجر من وول ستريت في الوقت الذي يبذل فيه موظفوه نشاطا واضحا في الحديث عبر الهواتف طمعا في الحصول على شيكات المكافآت.

لكن رغم ذلك فموظفو كابوانا ليسوا من مضاربي الأسهم، بل هم موظفو مركز تلقي اتصالات، الكثير من هؤلاء من الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية الذين لم يحصلوا على درجات جامعية، بل إن البعض منهم لم يحصل حتى على شهادات الثانوية العامة. وجميعهم يعملون في شركة «أيغيس كوميونيكاشنز» التي تتخذ من مومباي مقرا.

حاول عمالقة التعهيد في الهند - التي تواجه ارتفاع الأجور في الداخل - البحث عن فرص للنمو في الولايات المتحدة، غير أنه مع صعوبة حصول العمال الهنود على تأشيرات العمل داخل الولايات المتحدة، بدأت بعض الشركات مثل «أيغيس» في استخدام موظفين من أميركا الشمالية، حيث يوجد أضخم عدد لعملاء الشركة، وهو ما يعيد التعهيد مرة أخرى إلى بلده.

يحاول كابوانا، مدير إداري للشركة في نيويورك، تنشيط مكتب نيويورك في بالموظفين ويحدوه الأمل في أن يتمكن العاملون، في يوم الأيام، من اكتساب قدرات موظفي مركز الاتصال في غوا بالهند. أحد مهام كابوانا في المركز تعيين موظفين في 176 حجيرة حيث يقوم العاملون بإجراء أو تلقي المكالمات الهاتفية للعملاء لتلقي وصفات الأدوية أو عقود الرعاية الصحية وإدخال والتأكد من المعلومات، وعادة ما يكون الراتب 12 إلى 14 دولارا مقابل الساعة وشيكات المكافآت قد تصل إلى 730 دولارا شهريا. ويقول كابوانا الذي لعب كرة القدم في القسم الثالث أيام الجامعة، والذي ارتدى مسبحة على معصمه ويحتفظ بصورة للمسيح على مكتبه: «نموذج توظيفنا بسيط، فأنا لا أهتم إن كنت قادما من بارك أفنيو أو من بارك بنش، فإذا كنت قادرا على القيام بعملك إذن فأنت مرغوب فيك».

تقول «أيغيس»، شركة تابعة لمجموعة «إيسار» الهندية التي تعمل في مجالات الطاقة والاتصالات وتشكيل المعادن، إنها ستتسيد الجيل القادم من التعهيد، وتقرب العمل مع عملائها العالميين. ويطلق مديرها التنفيذي على هذه الممارسة «التعهيد القريب»، والدعم المتنوع وأحيانا الدعم المتقاطع.

ويذكر ماذو فوبيولوريي، المدير التنفيذي ومنظم صفقات القسم الأميركي من شركة «إيسار»، كيف نما التعهيد في الهند في أواخر التسعينات وأوائل القرن الجديد والتفكير في أن تراجع مراكز الاتصالات في الولايات المتحدة مبالغ فيها. وأقنع المليارديران الأخوان رويا، مالكي شركة «إيسار»، بالسماح له بالقيام برهان غير متوقع، وفي عام 2000 تقدم لشراء الأصول المفلسة لشركة «تليكويسشن»، مركز خدمة العملاء الذي يعمل به 500 في آرلينغتون في تكساس بقيمة 2.5 مليون دولار.

أدى ذلك إلى مجموعة من عمليات الاستحواذ الأخرى في الولايات المتحدة وفي الخارج. واليوم يعمل في «أيغيس» 50.000 موظف من بين 70.000 موظف يعملون في شركة «إيسار» في قارات عدة. وهناك نحو 5.000 شخص يعملون في 9 مراكز تلقي اتصالات في الولايات المتحدة. وأشار إلى أن الشركة التي تهدف إلى مزيد من الاستحواذات بهدف زيادة عدد موظفيها في الولايات المتحدة إلى 3 أضعاف لتصل إلى أكثر من 150.000 موظف.

وقد بنيت هذه الاستراتيجية على الفكرة القديمة من القرب من العملاء وهي الفكرة التي طبقتها شركات مثل عملاق الائتمان الأميركي، «أميركان إكسبريس»، وشركة «هيومانا للتأمين» والوكالات الحكومية التي أحيانا ما تفضل إنشاء مراكز اتصال في أماكن قريبة من عملائها للتعامل مع خدمة العملاء في الخدمات التأمينية الحساسة والتأمين على الحياة والتمويل ومنتجات الرعاية الائتمانية.

ويقول فوبوليوري: «المستهلك هو الملك، فحيثما يرغب المستهلك أن تكون الخدمة يمكننا تقديمها له».

وتقول «أيغيس» على موقعها في الولايات المتحدة إن 90 في المائة من العاملين فيها من الأميركيين، وبهذا تكون «أيغيس» استثناء لا قاعدة. وحتى الآن فإن شركات التعهيد الضخمة التي تتخذ من الهند مقرا لها قد استقدمت الكثير من العاملين الهنود مستخدمين في ذلك تأشيرات «إتش 1 بي» و«إل 1» وكانوا الأكثر استخداما لهذه البرامج.

وتنافس «أيغيس» شركات أخرى مثل «ويبرو» و«تاتا» لخدمات الاستشارات و«غينيباكت» و«دبليو إن إس» و«إنفوسيستمز» في صناعة تصدير البرامج، التي يبلغ حجمها 60 مليار دولار. وتقوم غالبية هذه الشركات بتوسيع عمل التعهيد - من مراكز الاتصال إلى الخدمات المالية والاستشارات التقنية المتقدمة - إلى الولايات المتحدة. وفي الكثير من القضايا، أصبحت ركنا رئيسيا استراتيجية نمو الشركات. لكن القوات الاقتصادية والسياسية في هذه البلاد والهند تعمل على تعقيد الأوضاع.

البعض يقول إن ممارسة التأشيرات أثرت على الوظائف والأجور في الولايات المتحدة. وقد أنشئت فئات التأشيرة الجديدة وفق قانون الهجرة عام 1990 ما سمح للأجانب بالعمل في البلاد لما يزيد على 6 سنوات. وكان الهدف من وراء ذلك اجتذاب المواهب في مجال التقنية المتقدمة. وتقول شركة «تيك أميركا» مجموعة التجارة الصناعية، إن التأشيرات حيوية بالنسبة للابتكار الأميركي والتنافسية المستقبلية وتوفير الوظائف.

لكنهم تعرضوا للظلم أيضا، ففي الدراسة التي نشرت عام 2008، اكتشفت الحكومة تلاعبا وخروقات تقنية في 20.7 في المائة من تطبيقات التأشيرة «إتش - 1 بي»، وقد تنوعت هذه الخروقات من التلاعب في الوثائق إلى البيانات الخاطئة المتعمدة بشأن محل العمل والأجور ومهام العمل، بحسب دونالد نيوفيلد، بوزارة الأمن الداخلي خلال جلسة الاستماع التي عقدت في مارس (آذار) من ذلك العام.

وقد عمل مسؤولو الهجرة ووزارة الخارجية على اتخاذ إجراءات مشددة تجاه هذه الخروقات.

ويقول ديفيد تي توناهو، نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون خدمات التأشيرات: «سيكون هناك تحايل على القانون، لكن مهمتنا هي وقف الشركات التي تقوم بذلك».

ويتطلع بعض المشرعين لوقف هذه التصرفات وتشجيع شركات التعهيد في الهند على اتباع نموذج «أيغيس» في استخدام موظفين أميركيين في المواقع الأميركية. وقد انخفض إصدار التأشيرات إتش - 1بي» - 10.200 حتى الآن العام الحالي - بنسبة 43 في المائة منذ عام 2010 بحسب البيانات الفيدرالية. وقد أضافت إدارة أوباما العام الماضي رسوما بقيمة 2.000 دولار لكل تأشيرة «إتش - 1 بي» للشركات الكبرى وهو ما قد يعيق التقدم للحصول على هذه التأشيرات.

وقد شهدت الأعوام الماضية إبرام شركة «بي إن واي ميلون»، عقدا تقنيا مع شركة «إنفوسيستمز» الذي ستتولى بموجبه الأخيرة 70 في المائة من العمل التقني في الهند وترسل 30 في المائة من العاملين بالمشروع إلى الولايات المتحدة للعمل بتأشيرات عمل مؤقتة. وعادة ما يعيش هؤلاء الهنود في أحياء عرقية على أطراف المدينة ويعملون لساعات طويلة ويجنون أموالا أقل مما قد يتقاضاه الأميركي مقابل العمل ذاته. وتعد شركات «تاتا» لخدمات الاستشارات و«غينيباكت» و«إنفوسيستمز»، أكبر المستفيدين من برنامج تأشيرات «إتش - 1بي»، وقد جلبوا 30.000 عامل إلى البلاد خلال عام، من «إتش - 1بي» أو التأشيرات الأخرى.

ويرى منتقدو برامج التأشيرات مثل رونيل هيرا، أستاذ السياسة العامة في معهد روتشستر للتكنولوجيا أن ظروف العمل يمكن أن تتحول إلى نوع من العبودية، فالعاملون عادة ما يتلقون الرواتب التي كانوا يحصلون عليها في بلدانهم. فأصحاب الأعمال هم الذين يملكون التأشيرات - لذا لا يستطيع العامل المساومة على الأجور وإذا ما خسر وظيفته فسوف يغادر البلاد.

ويرى هيرا أن العاملين الهنود لا يزالون يشكلون 90 في المائة من موظفي شركات التعهيد في الولايات المتحدة. ويرى هو والكثير من المنتقدين الآخرين عن الكثير من هؤلاء الأفراد لا يتمتعون بمهارات أفضل من نظرائهم الأميركيين، لكنهم أكثر رغبة في العمل مقابل مبلغ مادي أقل.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»