مدير «سكوبوس للاستشارات» لـ «الشرق الأوسط»: مجلس التعاون الخليجي أفضل تكتل عربي صمد ضد الأزمات

حسين القزاز: للاضطرابات السياسية أوجه إيجابية يمكن استثمارها

د. حسين القزاز («الشرق الأوسط»)
TT

قال مدير عام شركة «سكوبوس للاستشارات»، الدكتور حسين القزاز، المتخصص في مجالات الاستشارات والتدريب: إن مشكلة الثروات في المنطقة العربية تتمثل في فقدانها أوعية استثمارية تحتويها، داعيا إلى إزالة الحواجز بين الدول العربية، مع إيجاد رؤية متكاملة تحقق الاستفادة القصوى من تلك الثروات، بدلا من هروبها للخارج.. ويرى القزاز أن الاضطرابات السياسية التي تمر بها بعض البلدان العربية لها أوجه إيجابية كثيرة، ويجب أن نستثمرها مع وضع رؤية ومنظور تنمويين حتى تنطلق طاقة المواطنين بشكل أكبر وينمو الاقتصاد.

وقال: إن الوقت الحالي فرصة لتصعيد قيادات شباب الثورة ليصبحوا قيادات وسيطة في المجتمع ككل، في القطاعين العام والخاص والقطاع الأهلي، بعد أن أثبتوا أنهم فصيل خاص يجب استغلالهم بشكل أمثل.

وللدكتور حسين القزاز خبرة واسعة في مجال الاستشارات والتدريب فيما يتعلق بتحسين الأداء، وكذا الأداء المستند إلى أنظمة التخطيط والمراقبة، وإعادة الهيكلة التنظيمية للمؤسسات، والتطوير والتغيير، والإدارة الاستراتيجية، وتنمية الموارد البشرية في القطاعين الخاص والعام.

ويحمل الدكتور القزاز شهادة البكالوريوس، ودرجتي الماجستير والدكتوراه في إدارة الأعمال من جامعة ولاية أوهايو الأميركية. وتشمل خبرته السابقة عمله في هيئة التدريس في كلية إدارة الأعمال في جامعة الإسكندرية بمصر. وبصفته مدربا، قام الدكتور القزاز بإعداد وتقديم برامج حول مواضيع تتضمن القيادة وديناميكيات المجموعة، وتنفيذ التطوير المستمر، والإدارة الاستراتيجية وإدارة العلاقات في مواقع العمل.

* مع زيادة الاضطرابات في المنطقة العربية، عاد الحديث مرة أخرى عن الثروات العربية وكيفية استغلالها بشكل أمثل.. كيف يتحقق ذلك؟

- الثروات في المنطقة العربية لديها مشكلة، هي أنها ثروة مالية، فمن المفروض أن الثروة تبنى من خلال منظومة إنتاجية، وفي المنطقة العربية الثروات لن تبنى من خلال تلك المنظومة حتى يتم إنتاج فوائض مالية وثروات؛ فهي بدأت بالعكس، فالثروات توافرت من دون أن تكون هناك بنية مؤسسية للعمل بشكل جيد من خلالها، ولا توجد بنية تحتية، ولا حتى كتلة سكانية حرجة تكفي أي بلد للاستثمار. فالمشكلة الأزلية في الثروات العربية أنها لا توجد أوعية استثمارية تحتوي تلك الثروات، فالاقتصادات العربية ليست لديها طاقة استيعابية للاستثمار؛ لذلك فإنها تذهب للخارج. فإذا نظرت إلى الأمة العربية باعتبارها أمة واحدة، فهي لا تعاني نقص الثروات بشكل عام، المشكلة أنها ليست وحدة واحدة، لكن الأموال متوافرة في أماكن وغير متوافرة في أماكن أخرى، كما أن الأموال وحدها لا تكفي لتكوين مجتمع جيد، فأفضل شيء للاستثمارات العربية أن تتم على نطاق الأمة نفسها، ومن الأشياء التي نأمل أن نراها وسيكون لها مردود جيد في جميع أرجاء الدول العربية: إزالة الحواجز بين الدول العربية، وأن يحدث تكامل بين تلك الشعوب، فالأموال وحدها لا تحدث تنمية.

* وماذا عن الدول الخليجية؟

- حتى الدول الخليجية الغنية بالبترول تعاني بشكل كبير الاستفادة القصوى من ثرواتها، فكان هناك اجتماع مع بعض رجال الأعمال في الكويت ودار الحوار حول أن استفادة هذا البلد من النفط في حدها الأدنى؛ لأنه يبيع النفط خاما، فلو تم عمل منظومة كاملة لتصنيع النفط ومنتجاته ستتضاعف القيمة المضافة بقدر الأموال التي يحصلون عليها من تصديره بعشرات المرات.. ففي الكويت هناك 13 صناعة مرتبطة بالبترول، والصناعات المرتبطة بالبترول في العالم تبلغ نحو 350 صناعة، فلو زادت الاستثمارات في هذه الصناعة ستكون القيمة المضافة عالية جدا. هناك أفكار كثيرة، لكن لن تأتي من دون التكامل والنظرة نحو الهدف من تلك الاستثمارات، فيجب أن تكون هناك رؤية، فالتنمية لا تحدث بمجرد توافر فوائض مالية، يجب أن تكون هناك منظومة متكاملة، من الموارد البشرية والإمكانات التنظيمية، والإرادة السياسية والاجتماعية والتكامل الإقليمي.

* وما أفضل الدول العربية التي لديها تكامل في هذا المجال؟

- بالنسبة للوطن العربي أرى أن دول مجلس التعاون الخليجي أفضل تكتل صمد ضد الأزمات، لكن التكامل على المستوى العربي ضعيف جدا؛ فلم تفلح التحالفات الإقليمية العربية في إزالة الحواجز بين الدول وإحداث التكامل الإقليمي.

* لكن الإمارات العربية، خاصة دبي، يعاني اقتصادها الآن بشكل كبير؟

- دبي عندها مشروع محدد الملامح، وهو أن تكون مهبطا، تجاريا ورياضيا، وإعادة التصدير، ولكي ينفذوا هذا النموذج أخذوا خطوات كبيرة حتى يهيئوا البنية التحتية الصالحة لهذا النموذج، لكن مع الأزمة التي مروا بها أعتقد أنهم سيغيرون نظرتهم ورؤيتهم للنموذج الاقتصادي لديهم، بحيث ترتبط بالتكامل مع الدول المجاورة لها، فتجربتهم السابقة أثبتت أنهم يستطيعون تنفيذ استراتيجيتهم، لكن جهودهم الحالية منصبة نحو الخروج من الأزمة.

* الدول العربية تمر بالكثير من الأزمات، وستخرج منها مثقلة بالأعباء.. إلى أي مدى ستتأثر تلك الدول بالاضطرابات السياسية؟

- الأزمة لها أوجه إيجابية، ويجب أن نستثمرها، وبالنظر إلى دولة مثل مصر، كانت فئة محدودة مسيطرة على قطاع الأعمال، سواء من ناحية إسناد الأعمال والعقود والحصول على الأراضي الزراعية والتراخيص، فكانت الأعمال كلها قائمة على شبكة الفساد، وبعد الخروج من أزمة الثورة، ستتم إزالة شبكة الفساد، وسنجد مجال الأعمال يتسم بالشفافية والنزاهة، وشركات التنظيم والإدارة ستساعد الشركات في هذه الحالة من خلال إعطائها منظومة للشفافية والحوكمة التي تمكن تلك الشركات من الاستفادة من الأوضاع الجديدة؛ لذلك لا أرى الفترة المقبلة فترة أزمة بقدر ما أراها فترة مواءمة وتعديلات هيكلية، فبمجرد أن تنتهي تلك الاضطرابات سيصبح لديك اقتصاد قوي جدا.. فالأهم في الثورة هو ما قامت به من إزالة الفساد من المجتمع، ويبقى أمامها جزء آخر هو إزالة البيروقراطية. والأهم خلال الفترة المقبلة وضع رؤية ومنظور تنمويين حتى تنطلق طاقة المواطنين بشكل أكبر وينمو الاقتصاد القومي بشكل جيد؛ فمتوسط دخل الفرد في مصر يبلغ 750 دولارا في السنة، وهو إنتاج هزيل جدا.

* لكن هناك شكاوى من ضعف إمكانات العمالة العربية بشكل عام! - لو نظرت للشباب الذين قاموا بالثورة ستجد أن أداءهم أكبر بكثير من أي عمالة في دولة أخرى، فلديهم قيم للتفكير وقدرة على العمل لو انتقلت بشكل جيد إلى قطاع الأعمال سينتج معجزات. وبالنسبة لمصر، لا ننسى أن هناك العشرات من المصريين تعليمهم ضعيف؛ لذلك من الطبيعي أن يكون إنتاجهم ضعيفا، فمنظومة العمل سيئة، حتى التدريب لن يفيد تلك العمالة بشكل كبير، لكن إذا نشط الاقتصاد ككل سينشط معه التعليم.

* أي أن التعليم مرتبط بالاقتصاد! - نعم؛ لأن التعليم في الماضي كان يغذي اقتصادا ضعيفا وفاسدا وليست لديه رؤية، فكان أقصى ما يتمناه النظام هو إرسال المصريين للعمل بالخارج، فخلال الـ30 عاما الماضية كان حلم الدولة المصرية، سواء الحكومة أو الأفراد، هو الهجرة خارج البلاد. فلم يكن هناك ضغط تنافسي لكي ينشط التعليم في البلاد؛ لأن أغلب المتعلمين بعد تخرجهم كانوا يقفون في طابور البطالة، لكن عندما يصبح لديك اقتصاد إنتاجي نشيط وتنافسي، مع وجود رؤية تنموية للبلد ككل، ستنبثق منها رؤية تنموية للقطاعات الأخرى، وسيكون التعليم أحد القطاعات التي سيشملها التطوير باعتباره قطاعا داعما، فيجب أن تتحسن، فالتعليم والاقتصاد مرتبطان وكلاهما يغذي الآخر.

* لدينا في مصر قطاع الأعمال الحكومي.. هل ترى أن هذا القطاع سيصمد في ظل الأزمات التي تمر بها البلاد؟

- قطاع الأعمال العام لن يستطيع أن يصمد خلال الفترة المقبلة، يجب أن يمر بتغيرات كبيرة حتى يستطيع أن يواجه القطاع الخاص؛ لأنه الآن مهيأ لنمو قوي. لكن أعتقد أن العوائق الأساسية التي كانت تمنع القطاعين العام والخاص عن العمل ستزول؛ فالقطاع العام كان من أكثر معاقل الفساد للحزب الوطني، لكن في ظل حكومة واعية وتعرف مجال الأعمال بشكل جيد، سينمو قطاع الأعمال الحكومي، وسينافس القطاع الخاص في السوق، فيجب عليهم، خلال الفترة الحالية، إصلاح هذا القطاع، وليس خصخصته؛ لأن الدولة ستضطر، خلال الفترة المقبلة، إلى أن تكون إحدى الركائز الأساسية للتنمية. وفي ظل إدارة رشيدة للاقتصاد، سيؤهل ذلك القطاعين العام والخاص للتعاون والمنافسة معا في آن واحد بما يخدم الاقتصاد بشكل عام.

* وما متطلبات الحكومة الحالية لعملية التنمية؟

- التنمية عملية متعددة المراحل ومتتالية؛ فهناك بنية تحتية للبلد تحتاج لبنائها، وأقصد بالبنية التحتية هنا التعليم، الذي يجب أن يؤسس بشكل جيد، كذلك البنية التشريعية التي تجب صياغتها على أسس سليمة، ويجب أن تشارك في صياغتها المؤسسات الإنتاجية للدولة بشكل كبير، والقطاع الخاص أيضا.

* هل ترى إذن أن مشكلة القطاعات الإنتاجية في مصر تكمن في القيادات؟

- القيادات هي أبسط وأسهل الطرق للوصول إلى النجاح، وأقصر السبل للحصول على نتائج إيجابية هي وضع قيادات سليمة، فهي التي تؤثر على استراتيجية وإدارة المؤسسات وغيرها.. وأرى الآن فرصة لتصعيد قيادات شباب الثورة ليصبحوا قيادات وسيطة في المجتمع ككل، في القطاعين العام والخاص والقطاع الأهلي ككل، فهم أثبتوا أنهم فصيل خاص، فيجب استغلالهم بشكل أمثل، وأن نبني عليهم، فهم جديرون بأن يقودوا المجتمع.

* لكن البعض يرى أن أغلب هؤلاء الشباب تعليمهم محدود، ولا يؤهلهم للقيادة! - ليس التعليم هو الأساس في عملية القيادة؛ فهؤلاء الشباب لديهم بذرة جيدة للعمل، ولديهم القيم والخصائص الحركية، فنقص التعليم يمكن تعويضه إذا كنت تمتلك الحد الأدنى من التعليم لكي تتمكن من التطوير، فلو لديك عقلية صحيحة، وإمكانات فكرية وعقلية سليمة، يمكن تعويض النقص في التعليم، لكن العكس غير صحيح، فإذا كان لديك أفضل إنسان متعلم في الدنيا، وكان يخشى على نفسه ومنكفئا على ذاته، فمهما فعلت لن تكون له أي ميزة لإفادة المجتمع.

* هل تقصد وضع الشباب في المناصب القيادية العليا؟

- أكثر ما تشكو منه المنظمات هو الإدارة الوسطى، وهذه الإدارة يتم من خلالها تنفيذ العمل فعلا، وهي ضعيفة جدا في بلد مثل مصر؛ لذا فإن إمكاناتنا التنفيذية في الشركات ضعيفة جدا، فإذا استطعنا وضع هؤلاء الشباب في هذه المنطقة وبإمكاناتهم القيادية هذه، مع استكمال تعليمهم، فنحن نضع طاقة قيادية واعية ومؤثرة، ستغير البلد كله.

* ما المدة الزمنية لإعادة الهيكلة، سواء في التعليم أو في القطاعات المختلفة للدولة؟ - المسألة نسبية، هناك أشياء تبدو صعبة، لكن من الممكن أن تتحقق سريعا جدا، من الممكن خلال 3 أعوام إحداث طفرة هائلة في المعطيات في التنمية، تنقلك إلى حقبة جديدة، سواء على مستوى فكر الناس وعلاقاتهم ببعض، من أول الأسرة حتى التعليم، أو المؤسسة الإنتاجية والعلاج ومؤسسة الأمن.

* هل تعتقد أن تغيير السلوك يتم بتلك السرعة؟

- نعم من الممكن تغيير نمط السلوك خلال تلك الفترة، لكن هناك بعض النتائج لن تظهر إلا بعد عشرات السنين، فلا تنسَ أن العهد الماضي وصل بالناس إلى مستوى من الانحدار وتوغل في جميع القطاعات، وهو ما أدى إلى فسادها، فأي شيء إيجابي يتم بناؤه خلال الفترة الحالية لن يظهر بشكل فوري. ومع ذلك أتوقع للاقتصاد خلال 2013 أن يكون أداؤه ضخما جدا إذا قارناه بعام 2010؛ لأننا على الرغم من النمو الذي حققناه خلال السنوات الماضية، فإن هذا الأداء كان متواضعا جدا لا يليق بمصر ولا بإمكاناتها؛ فمصر لديها مقومات أفضل ومختلفة عن دول متقدمة كثيرا مثل تركيا وماليزيا، فتكفي الكتلة السكانية الضخمة التي لديها قدر من التعليم بغض النظر عن جودته، إلى جانب الدافع نحو التعليم، هذا إلى جانب عدم وجود مشكلة طائفية مزمنة أو عرقية كما يحدث في بلاد أخرى.

* وكيف ترى القطاع الخاص في مصر خلال الفترة المقبلة؟

- الشريحة العريضة من المجتمع كانت تعاني، بشدة، الفساد المقبل من قمة الدولة، والقطاع الخاص كُبل بالوضع السياسي في تلك الفترة بشكل بالغ، فهذا القطاع يتعامل مع ثروة معينة يتم تداولها في المجتمع، ويتم توجيهها بشكل فاسد، وتتم تنمية هذا الفساد من خلال مشاريع احتكارية يستفيد منها عدد محدود من الأفراد ويكونون منها ثروات. فالطلب في مصر يقدر بـ10% من السكان، وهم الفئة التي لديها أموال، ويمثلون 8 ملايين نسمة، و30 مليون مصري لا يمتلكون الحد الأدنى من المعيشة، ثم الطبقة المتوسطة التي يعمل عليها القطاع الخاص ويحاول تنميتها بشكل أو بآخر، وتلك الطبقة تعاني بشكل كبير، وعندما يتقلص الطلب ليصبح عُشر المجتمع، والباقي يستهلكون الحد الأدنى للاستهلاك فهذا يمثل أزمة بالنسبة للقطاع الخاص، كما أنه في ظل القيم السيئة في المجتمع فإن الأموال التي تمتلكها الطبقة المتوسطة لا يتم إنفاقها بشكل رشيد. هناك تناقضات غريبة في المجتمع المصري بسبب القيم الفاسدة في المجتمع.. فعلى الرغم من الفقر وتراجع الدخل، فإن هناك رغبة في الاستهلاك بشكل لا يتناسب مع الإنتاج، وتلك الاتجاهات السلبية تقلل من الطلب على منتجات القطاع الخاص وتقلل من الموارد المتاحة له وتقلل من فرصته في النمو، والاحتكارات الضخمة تقلل من فرصة القطاع الخاص في الدخول في مجالات منتجة ومبتكرة جديدة، فهذا القطاع الخاص عنده مشكلة هائلة وهي أخطر من الحكومة، سيواجه تحديات كبيرة، خلال الفترة المقبلة.