لاغارد ترمي «قفازها الناعم» في حلبة رئاسة النقد الدولي.. وتعلن ترشيحها

وزيرة الاقتصاد الفرنسية تسعى لاستمالة الدول الناشئة المطالبة بوضع حد لهيمنة أوروبا على المنصب

كريستين لاغارد برفقة مواطنها رئيس صندوق النقد الدولي المستقيل دومينيك ستروس - كان وبينهما وزير الخزانة الأميركي ثميوتي غيثنر (رويترز)
TT

أعلنت وزيرة الاقتصاد الفرنسية كريستين لاغارد أمس، ترشحها لمنصب مدير عام صندوق النقد الدولي الذي استقال منه دومينيك ستروس - كان بعد توجيه التهم إليه بالاعتداء الجنسي في نيويورك.

وقالت لاغارد، (55 عاما)، خلال مؤتمر صحافي في باريس «لقد قررت تقديم ترشيحي لمنصب مدير عام صندوق النقد الدولي».

وأضافت «هذا القرار اتخذته بعد تفكير طويل وبالاتفاق مع رئيس الجمهورية (نيكولاي ساركوزي) ورئيس الوزراء (فرنسوا فيون) اللذين يدعمانني بالكامل في هذه الخطوة»، مؤكدة أنها تريد «الحصول على أكبر توافق» ممكن.

إلا أن لاغارد وفي ما يمكن وصفه برمي «لقفاز ناعم» في حلبة السباق على رئاسة الهيئة الدولية، لم ترغب في أن تبدو مرشحة حزب واحد حتى لا تثير امتعاض الدول الناشئة التي لا تحبذ أن يظل المنصب حكرا على أوروبا.

وصرحت لاغارد «لست مرشحة المجموعة الأوروبية ولا المرشحة الأوروبية، ولا حتى الفرنسية»، موضحة أن الدعم الذي تحظى به «يتجاوز أوروبا».

وبموجب ميثاق غير مكتوب، فإن أوروبيا يتولى إدارة تأسيس صندوق النقد الدولي منذ تأسيسه غداة الحرب العالمية الثانية، بينما يترأس أميركي البنك الدولي.

وقالت لاغارد أمس إن كونها أوروبية يجب «ألا يشكل عائقا». ووعدت لاغارد، التي قالت إنها حصلت على دعم «العديد» من الدول، باحترام مدة ولاية مدير عام صندوق النقد الدولي في حال تم انتخابها.

وقد أعلن الاتحاد الأوروبي أمس رسميا، تأييده ترشيح الوزيرة الفرنسية. وقال بيان صدر عن باسم مانويل باروسو، رئيس المفوضية الأوروبية ببروكسل، وهي الجهاز التنفيذي للاتحاد، إن المفوضية تؤيد بشكل تام ترشيح لاغارد للمنصب، مشيرا إلى أنها تحظى باحترام المجتمع الدولي من خلال توليها لمناصب وزارية في فرنسا، كانت مكلفة بملفات المالية والاقتصاد والصناعة، كما أنها عضو في مجموعة اليورو، وتتولى حاليا رئاسة مجلس وزراء مالية دول مجموعة العشرين. وقال البيان الأوروبي إن المفوضية تعمل بشكل وثيق مع صندوق النقد الدولي، ويعتقد الاتحاد الأوروبي أن لاغارد لديها المواصفات المطلوبة لتولي المنصب، ووضع خطط لتعزيز الإدارة الاقتصادية العالمية، وهي أمور لا غنى عنها بالنسبة للصندوق ومساهماته الحيوية في استقرار الاقتصاد العالمي. ويأتي ذلك بعد أن أعلنت الوزيرة ترشحها لمنصب المدير العام لصندوق النقد الدولي، وقد حظيت بدعم زعماء ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة، وذلك قبل يوم من انعقاد قمة مجموعة دول الثماني في دوفيل.

في المقابل، رفضت دول البريكس الناشئة (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا)، نية إبقاء أوروبا هيمنتها على منصب المدير العام للصندوق، داعية إلى التخلي عن التقليد الذي ينص على أن يكون أوروبيا، على رأس الصندوق النقد الدولي، ويتوقع أن تعين المؤسسة الدولية رئيسها خلال فترة لا تتجاوز نهاية الشهر المقبل.

ويقول بعض المراقبين إنه على الرغم من أن رئاسة الصندوق كانت حكرا على الأوروبيين منذ إنشائه، فإن المعادلة قد تتغير هذه المرة. وقال إنخيل غوريا، الأمين العام لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية: «يجب أن يكون الترشيح بناء على الكفاءة، وليس على الموطن الأصلي. لا ينبغي أن يكون هناك إقصاء أو ترشيح تلقائي». وحظوظ لاغارد تعززت خلال عطلة نهاية الأسبوع بعد إعلان التركي كمال درويش أنه لا يرغب في رئاسة صندوق النقد الدولي، لكن عليها الآن مواجهة محافظ بنك المكسيك المركزي أوغستين كارستنس الذي رشحته حكومته رسميا لذلك المنصب، واستقالة الخبير المالي دومينيك ستروس - كان، بسبب توقيفه في الولايات المتحدة بتهمة التحرش الجنسي دفعت بصندوق النقد الدولي، المؤسسة التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، فتح باب الترشيحات لمنصب المدير العام للصندوق وذلك حتى العاشر من الشهر القادم، وتحديد هدف بانتخاب رئيسه بحلول 30 يونيو (حزيران) المقبل. ويرى البعض أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يرمي بثقله من أجل فوز وزيرة ماليته كريستين لاغارد بالمنصب، على الرغم من أنه من الصعب أن يمنح لرئيسين متتالين من الجنسية نفسها، ويعتمد بالمقابل على دعم زملائه الأوروبيين خصوصا كاميرون الذي يرفض ترشيح سلفه براون للمنصب. ومن بين الأسماء الأخرى المطروحة للمنافسة على المنصب، المكسيكي أوغستين كارستينز الحاكم الحالي للبنك المركزي في المكسيك، الذي يمثل قوة اقتصادية صاعدة بدول وسط وجنوب أميركا، والإيطالي ماريو دراغي، الرئيس الحالي للبنك المركزي في إيطاليا، والمرشح العربي الوحيد محمد العريان الأستاذ الجامعي في كلية إدارة الأعمال التابعة لجامعة هارفارد، والجنوب أفريقي تريفور مانويل، وزير مالية جنوب أفريقيا الحالي، وهو الاسم الوحيد من القارة السوداء، ومن الهند مونتك سينغ أهلوواليا، نائب رئيس لجنة التخطيط الهندية وشري إس سريدار المدير الحالي لبنك الهند المركزي، والسنغافوري ثارمان شانموغاراتنام وزير المالية الحالي لسنغافورة. ويذكر أنه في خلال الأيام القليلة الماضية، لا حديث لمعظم وسائل الإعلام الأوروبية إلا عن حظوظ الفرنسية لاغارد في الفوز بالمنصب، وأشادت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في برلين بالمرشحة الفرنسية المحتملة لرئاسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد وقالت إنها «تحترم منذ فترة طويلة لاغارد»، وجددت ميركل مطالبة حكومتها بتسلم شخصية اقتصادية أوروبية للمنصب، قائلة «إن هناك أسباب كثيرة مقنعة لإسناد هذا المنصب لأوروبي». وعزت المستشارة الألمانية موقف حكومتها هذا للمشاكل المالية التي تمر بها منطقة اليورو، مشيرة إلى أزمة المديونية التي تعانيها دول أوروبية على رأسها البرتغال واليونان وآيرلندا وإلى ضرورة تسلم هذا المنصب شخصية ملمة بالمشاكل المالية التي تعانيها منطقة اليورو. وفي بروكسل، قالت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية بيا هانسن للصحافيين «إن صندوق النقد الدولي يحتاج إلى قيادة قوية، وموقف رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو واضح بهذا الشأن، حيث دعا إلى أن يكون خليفة ستروس من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، باعتباره من أكبر الممولين للصندوق، إلا أن كفاءة المرشح ستكون أمرا مهما». ووصفت الأمر بـ«لمقبول والمعقول»، باعتبار «أن أوروبا تساهم بما يزيد على 32% من أموال الصندوق، مما يجعلها الطرف الأكثر استحقاقا لمنصب الرئاسة»، وشددت المتحدثة على أن الظروف الحالية والأزمة الاقتصادية والتعاون الوثيق بين الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، كلها عوامل تساهم في زيادة رصيد الاتحاد لاحتلال هذا المنصب، مشيرة إلى ضرورة الحصول على موافقة باقي الشركاء الدوليين حول الأمر. وكانت إيطاليا قد رحبت بنية فرنسا ترشيح وزيرة ماليتها لاغارد للمنصب المذكور، واعتبر رئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو أن المدير الجديد لصندوق النقد الدولي يجب أن يكون «أوروبيا»، وقال ثاباتيرو إنه انطلاقا من تمثيله حكومة بلد أوروبي يطالب بأن يكون المدير الجديد «أوروبيا» ليكون قادرا على مواجهة التحديات الاقتصادية التي تواجه المنطقة.

ومنذ 1946 تتولى شخصيات أوروبية إدارة صندوق النقد الدولي، في حين يتولى أميركيون إدارة البنك الدولي، الأمر الذي دعا عددا من الدول الناشئة وفي ظل الظروف العالمية الراهنة إلى انتقاد هذه السياسات والمطالبة بالحصول على هذه المناصب منها البرازيل والصين والهند، في الوقت الذي ترى فيه شخصيات أوروبية أن وزيرة الاقتصاد الفرنسية كريستين لاغارد تعد مرشحة مثالية لخلافة المدير المستقيل. وأعرب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي اليوم عن تأييده لمرشح أوروبي يحل محل دومينيك ستروس - كان مدير عام صندوق النقد الدولي.

وقال ساركوزي في بيان إنه يريد أن يجري اختيار رئيس صندوق النقد الدولي المقبل في «عملية مفتوحة وشفافة»، مشيرا إلى أن أوروبا لديها القدرة على تقديم مرشح بارز لهذا المنصب.

ويذكر أنه في عام 2007 تسلم ستروس - كان مهام منصبه كمدير لصندوق النقد الدولي خلفا للإسباني رودريغو راتو، الذي طبع هذه المؤسسة المالية بالانفتاحية الاقتصادية وبطابع التشدد مع الدول التي تعاني مصاعب مالية ولكنها على الرغم من ذلك كانت تتسم بالعجز والشيخوخة وكانت غير قادرة على توقع الأزمة الاقتصادية البادية في الأفق. ومع بدء عصر جديد تحدث عن مضمونه قائلا: «على الصندوق ألا يكون مقطوع الصلة بالواقع وأن تكون له شرعيته، أي عليه أن يتكيف، يتكيف مع العولمة ومع النوع الجديد من الأزمة المالية الذي يصاحبها والذي نستطيع أن نستشرف حدوثه الآن في الولايات المتحدة بسبب الرهن العقاري، وأن يتكيف مع أي أزمات أخرى قد تحدث». وعلى الفور بدأ الرئيس الجديد تطبيق سياساته فيبيع جزءا من مخزون الصندوق من الذهب ويستغني عن عدد من كوادر الصندوق العاطلين عن العمل، فتحول الصندوق إلى منظمة غنية وضاعفت الدول الأعضاء مساهماتها المالية فيه. ستروس - كان قام أيضا بتحديث النظام الأساسي للصندوق عبر إعطائه دول الاقتصادات الصاعدة حقوق التصويت في مجلس الإدارة. فأصبح للصين وروسيا والبرازيل والهند وزن غير معهود في الإدارة، وتخلت أوروبا عن مقعدين من مقاعدها التسعة في المجلس. وقام أيضا باستثمار كبير الحجم في أزمة الديون التي ضربت الدول الأوروبية وهي الأزمة التي تبعت الأزمة المالية العالمية، ولكنه قبل أن يفعل ذلك قام بتفعيل حزمة من الإجراءات التحفيزية لهذه الدول عبر إقراض مبلغ مائة مليار يورو لثلاث دول من منطقة اليورو هي اليونان وآيرلندا والبرتغال، وأربع من خارجها هي المجر ولاتفيا ورومانيا وبولندا. لكن مقابل فرض إجراءات تقشفية صارمة وهو ما أثر سلبا على شعبية الصندوق في هذه البلاد. ومع ذلك فقد استطاع ستروس - كان تحسين صورة الصندوق في أماكن أخرى بفضل إلغائه الفوائد على الديون التي اقترضتها الدول الفقيرة. الشيء الوحيد الذي لم ينجح رئيس صندوق النقد السابق في فعله هو إكمال المسيرة الإصلاحية التي بدأها وفي تحقيق حلمه بوضع الصندوق في طليعة المؤسسات العالمية، بيد أنه قد نجح على الأقل في تمهيد الطريق لذلك.