صندوق النقد الدولي يواجه معضلة في اليونان

غالبية اليونانيين يفضلون بيع أصول لإنهاء أزمة الديون

TT

يواجه صندوق النقد الدولي معضلة في اليونان، حيث يتعين عليه أن يختار بين الاستمرار في دعم أثينا رغم تفاقم سلامة ماليتها العامة، وبين تركها تتخبط في أزمتها تحت طائلة التسبب بكارثة لمنطقة اليورو. وفي أثينا يقوم فريق من المؤسسة المالية الدولية ومقرها واشنطن بدراسة شروط تقديم الدفعة الخامسة من قرض الثلاثين مليار يورو، والذي سيكون الأكبر على الإطلاق في حال تم الوفاء به حتى النهاية. وبدأت هذه المهمة الحاسمة في العاشر من مايو (أيار) أي قبل أربعة أيام من توقيف المدير العام لصندوق النقد الدولي دومينيك ستروس – كان. وستمتد لفترات غير اعتيادية. ولا يوجد أي تأكيد بشأن ما سوف تتوصل إليه. وردا على سؤال يوم الجمعة لشبكة تلفزيون «بلومبرغ تي في» في دوفيل (فرنسا)، تهرب المدير العام بالوكالة للصندوق جون ليبسكي من الجواب. وقال «الأمر بسيط للغاية، هناك شروط ومعايير يفترض الوفاء بها لتسديد الأموال، وإن موظفينا بالتعاون مع نظرائهم الأوروبيين موجودون في أثينا حاليا، وهم في صدد بحث ذلك مع السلطات اليونانية». وصندوق النقد الدولي لا ينشر تقليديا شروطه ومعاييره. لكن بحسب مبدأ عام، فإنه يتعين على الدولة العضو التي تحظى بالمساعدة أن تضمن أنها تملك، حتى مستقبل منظور، التمويلات اللازمة لمواجهة التزاماتها. وبتعبيرات أخرى، فإن الصندوق لا يدعم سوى الدول التي لديها الوسائل لتسديد قروضها. وأوضحت المتحدثة باسم صندوق النقد كارولين أتكينسون قائلة: «نحن لا نقرض أبدا، ومجلس إدارتنا لا يسمح لنا بالإقراض على الإطلاق عندما لا يكون لدينا الضمانة (..) بأنه لن يكون هناك فارق كبير» بين مصادر التمويل والنفقات. ورأى رئيس مجموعة وزراء مالية منطقة اليورو (يوروغروب) جان كلود يونكر، أن هذا الشرط قد يحرج الدولة المعنية. وقال يوم الخميس «أشك في توصل الترويكا (صندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي) إلى الخلاصة التي تقول إن الوضع هو على هذه الحال». وحسابات اليونان في حالة مثيرة للقلق الشديد. فالبلد عاجز عن الاقتراض على المديين المتوسط والطويل. وقد وعد تحت ضغط الجهات المانحة بالقيام بعمليات تخصيص يمكن أن تدر عليه خمسين مليار يورو، لكن الواقع أنه لا توجد أي خطة مفصلة في هذا الإطار. وتساءلت وكالة الصحافة الفرنسية هل لا يزال هناك سبب بالنسبة لصندوق النقد الدولي للاعتقاد بتحسن اقتصادي في الوقت الذي يتوقع فيه عدد كبير من المانحين خسارة قسم من المبالغ المستحقة لهم؟ وبحسب مصدر على علم بالمفاوضات، فإن الصندوق لا ينوي أبدا ترك أثينا تغرق. لكنه لا يرى في الخطة الحالية للحكومة التزامات كافية للوفاء بكل الديون الموجبة على اليونان. ورأى آدم ليريك الاقتصادي في «أميركان إنتربرايز إنستيتيوت» أن المؤسسة المالية الدولية تدفع ثمن أخطاء ارتكبت قبل عام. وأوضح أن «اليونانيين عملوا بجد أكثر مما كنا نتوقع عموما. لكن الأمر هو أنه لم يتم الوفاء ببعض الشروط. وذلك يعود لإساءة فهم البرنامج منذ البداية (...) وبهدف بث الثقة، يتعين تمويل برنامج لصندوق النقد الدولي بالكامل من البداية حتى النهاية». وكان صندوق النقد الدولي يتوقع بالفعل عودة اليونان إلى أسواق الديون في 2012. وهذا الاحتمال لا يمكن التفكير فيه اليوم، لأنه ينبغي ردم الفجوة بطريقة أو بأخرى.

ويراهن ليريك على أن «الصندوق سيقرض الأموال في النهاية. وستتفق اليونان والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي على برنامج جديد. وسيقطع اليونانيون وعودا جديدة، وسيوافق الأوروبيون وصندوق النقد الدولي على شروط أكثر ليونة». وقد أظهر استطلاع للرأي، أمس، أن الأغلبية الساحقة من اليونانيين يفضلون بيع وتطوير أصول حكومية لجمع 50 مليار يورو (71.19 مليار دولار) لتفادي التعثر في سداد ديون البلاد المتفاقمة. وأظهر الاستطلاع الذي أجرته «كابا للبحوث» لصالح صحيفة «تو» بينما 80 في المائة من المشاركين يوافقون على أن تستخدم اليونان أصولها للمساهمة في تعزيز أوضاعها المالية. لكن 83 في المائة شككوا في قدرة الحكومة على تنفيذ مثل هذا البرنامج الطموح، وقالوا إن رئيس الوزراء جورج باباندريو ينبغي أن يتولى الإشراف عليه. وقال نحو 48 في المائة ممن شملهم الاستطلاع أن تعزيز النمو ينبغي أن يكون الأولوية الرئيسية للبلاد، بينما اقترح 38 في المائة استخدام حصيلة بيع أصول للنهوض بالاقتصاد، وقال 35 في المائة إنه ينبغي استخدام الأموال في سداد الديون.

وطلب مسؤولون من الاتحاد الأوروبي من أثينا أن تكثف عمليات الخصخصة، واقترحوا إنشاء مؤسسة وصاية للإشراف على عملية مشابهة للمؤسسة التي خصخصت شركات ألمانيا الشرقية بعد سقوط الشيوعية. ويأتي في مقدمة برنامج الخصخصة «سيفنج بوست بنك» و«أو تي آي تليكوم» وأكبر ميناءين في البلاد. وتتضمن مرحلة ثانية مقررة في العام المقبل حصة تصل إلى 34 في المائة في شركة المراهنات «أو بي إيه بي» وما يصل إلى 17 في المائة في المؤسسة العامة للكهرباء. من جهة أخرى ذكرت صحيفة يونانية، أمس، أن اليونان تدرس إنشاء بنك لتجميع الديون المتعثرة على غرار ما فعلته إسبانيا لتنظيف حسابات بنوكها من السندات اليونانية عالية المخاطر وجعل هذه البنوك أكثر إغراء أمام المشترين المحتملين. وقالت صحيفة «تو» بينما قد يجري إنشاء بنك لتجميع السندات اليونانية عالية المخاطر الموجودة في حوزة البنوك الحكومية التي من المزمع خصخصتها مثل بنك الادخار البريدي. وقالت الصحيفة دون أن تنسب لأي مصدر «مع أخذ بنوك الادخار الإسبانية التي تعاني من مشكلات كنموذج فإن وزارة المالية تدرس مقترحات لتنفيذ الفكرة في البلاد». وقال «بنكيا الإسباني» الذي تكون من اندماج سبعة بنوك ادخار الشهر الماضي إنه سينشأ مثل هذه الوحدة في محاولة لجذب مستثمرين قبل الأدراج في البورصة. ومن المعتقد أن البنوك اليونانية تحوز نحو 50 مليار يورو من السندات اليونانية السيادية القائمة. وفقدت السندات جزءا كبيرا من قيمتها الاسمية في أعقاب أزمة الديون اليونانية، بينما تعني إعادة هيكلة محتملة للديون اليونانية مزيدا من الخسائر للبنوك.