الفرنسية لاغارد في جولة تشمل السعودية والبرازيل والصين وروسيا والهند لكسب التأييد

لا تزال أقوى مرشح لمنصب رئاسة صندوق النقد الدولي

كريستين لاغارد (أ.ب)
TT

كانت البرازيل هي المحطة الأولى في جولة لوزيرة الاقتصاد الفرنسية كريستين لاغارد، بحثا عن الفوز بدعم إحدى أهم القوى الاقتصادية الصاعدة في إطار سعيها للظفر بمنصب المدير العام لصندوق النقد الدولي خلفا لمواطنها دومينيك ستروس – كان، الذي استقال مؤخرا من المنصب. ولدى وصولها إلى البرازيل، نقلت محطة «أخبار أوروبا» التلفزيونية عن كريستين لاغارد قولها: «أنا هنا لعرض ترشيحي لمنصب المدير العام لصندوق النقد الدولي، وأنا هنا أيضا للنظر في ما تتوقعه السلطات البرازيلية من الصندوق ومن مديره العام». وحسب ما جرى الإعلان عنه في بروكسل وباريس، ستزور لاغارد أيضا خلال الأيام القليلة المقبلة الهند والصين وروسيا والمملكة العربية السعودية، لحصد دعم تلك البلدان حتى يتسنى لها الفوز على منافسها المكسيكي أوغسطين كارستنس. ويرى العديد من المراقبين في بروكسل أنه بإعلان كريستين لاغارد ترشحها رسميا لمنصب مدير صندوق النقد الدولي، يمكن القول بأن أوروبا أصبحت تحظى الآن بمرشح قوي ولا ينافس. فوزيرة الاقتصاد الفرنسية المولودة عام 1956 تتمتع بخبرات كبيرة في هذا المجال، كما سبق لها إدارة شركة محاماة دولية في شيكاغو. تتحدث عن فهمها لآليات السوق قائلة: «نحن بحاجة لأن نكون أكثر دقة وصرامة في ما يتعلق بالسلع. فالمخاطر لا تتغير وكلها يؤثر بعضها في بعض. نحن بحاجة لآليات تنظيمية، وهو مما يعني وضع حدود لتلافي أن يتحكم صانعو السوق فيها كيفما شاءوا».

ويرى البعض أن الأزمة المالية والاقتصادية التي عصفت بالعالم، وكذا أزمة الديون الأوروبية، أعطت لاغارد الفرصة لإظهار مواهبها وجعلتها أحد أبرز وزراء الاقتصاد الأوروبيين، وموقفها التضامني مع اليونان في أزمتها لم يمنعها من أن تفرض على أثينا تجرع دواء الإصلاح المر ورفض إعادة جدولة ديونها. ومن وجهة نظر البعض، كان هذا بلا شك أمرا وافق هوى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي أعربت عن دعمها المطلق لوزيرة الاقتصاد الفرنسية بقولها: «لطالما قلت إن وزيرة المالية الفرنسية شخصية ممتازة وتتحلى بخبرة كبيرة. لا تظنوا أني أقول ذلك دعما لترشيحها؛ بل لأني لا أستطيع إيفاءها حقها». وتعتبر لاغارد من التكنوقراط الوافدين حديثا إلى عالم السياسة، فهي أول امرأة تتولى وزارة الاقتصاد وكان ذلك عام 2007 مع وصول نيكولا ساركوزي لـ«الإليزيه». ورغم أدائها الباهت في البداية، فإنها أصبحت بفضل حسن إدارتها للأزمة الاقتصادية ركنا لا يستغنى عنه في الحكومة ووزير الاقتصاد الأطول بقاء في المنصب في تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة. لكن أكثر ما يقلق لاغارد هو قضية «كريدي ليونيه»؛ فقد طلبت الوزيرة الفرنسية اللجوء للتحكيم الخاص لتسوية النزاع بين المسؤولين عن تصفية البنك المفلس ورجل الأعمال برنارد تابي، وهو ما كلف خزينة الدولة مبلغ 385 مليون يورو، وهو أمر استدعى اللجوء للقضاء لتحديد مسؤوليتها عنه. وينتظر أن يقرر القضاء في 10 يونيو (حزيران) إذا ما كان سيأمر بفتح تحقيق بشأنها أم لا، وهو اليوم نفسه لإغلاق باب الترشح لمنصب مدير الصندوق. وإذا ما أغلق ملف القضية، فربما تصبح لاغارد أول امرأة تدخل العالم الذي يسيطر عليه الرجال بيد من حديد. وأعلن الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي رسميا، تأييده ترشيح الفرنسية كريستين لاغارد لمنصب مدير صندوق النقد الدولي، خلفا لمواطنها دومينيك ستروس – كان، الذي استقال على خلفية اتهامه بالتحرش الجنسي. وقال بيان صدر باسم خوسيه مانويل باروسو رئيس المفوضية الأوروبية ببروكسل، وهي الجهاز التنفيذي للاتحاد، إن المفوضية تؤيد بشكل تام ترشيح لاغارد للمنصب، مشيرا إلى أنها تحظى باحترام المجتمع الدولي من خلال توليها مناصب وزارية في فرنسا كانت مكلفة بملفات المالية والاقتصاد والصناعة، كما أنها عضو في مجموعة اليورو، وتتولى حاليا رئاسة مجلس وزراء مالية دول مجموعة العشرين. وقال البيان الأوروبي إن المفوضية تعمل بشكل وثيق مع صندوق النقد الدولي، ويعتقد الاتحاد الأوروبي أن لاغارد لديها المواصفات المطلوبة لتولي المنصب، ووضع خطط لتعزيز الإدارة الاقتصادية العالمية، وهي أمور لا غنى عنها بالنسبة للصندوق ومساهماته الحيوية في استقرار الاقتصاد العالمي. في المقابل، رفضت دول الـ«بريكس» الناشئة (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا)، نية إبقاء أوروبا هيمنتها على منصب المدير العام للصندوق، داعية إلى التخلي عن التقليد الذي ينص على أن يكون أوروبيا، على رأس صندوق النقد الدولي.

ويتوقع أن تعين المؤسسة الدولية رئيسها خلال فترة لا تتجاوز نهاية شهر يونيو (حزيران) الحالي.

ويقول بعض المراقبين إنه رغم أن رئاسة الصندوق كانت حكرا على الأوروبيين منذ إنشائه، فإن المعادلة قد تتغير هذه المرة. وقال آنخيل غوريا، الأمين العام لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية: «يجب أن يكون الترشيح بناء على الكفاءة، وليس على الموطن الأصلي. ينبغي أن لا يكون هناك إقصاء أو ترشيح تلقائي». وحظوظ لاغارد تعززت بعد إعلان التركي كمال درويش أنه لا يرغب في رئاسة صندوق النقد الدولي، لكن عليها الآن مواجهة محافظ بنك المكسيك المركزي أوغسطين كارستنس الذي رشحته حكومته رسميا لذلك المنصب. واستقالة الخبير المالي دومينيك ستروس - كان، بسبب توقيفه في الولايات المتحدة بتهمة التحرش الجنسي، دفعت بصندوق النقد الدولي، المؤسسة التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، إلى فتح باب الترشيحات لمنصب المدير العام للصندوق وذلك حتى 10 يونيو (حزيران) الحالي، وتحديد هدف بانتخاب رئيسه بحلول 30 يونيو الحالي. ويرى البعض أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يرمي بثقله من أجل فوز وزيرة ماليته كريستين لاغارد بالمنصب رغم أنه من الصعب أن يمنح لرئيسين متتالين من الجنسية نفسها، وهو يعتمد، في المقابل، على دعم زملائه الأوروبيين، خصوصا كاميرون الذي يرفض ترشيح سلفه براون للمنصب. ومن بين الأسماء الأخرى المطروحة للمنافسة على المنصب، المكسيكي أوغسطين كارستنس المحافظ الحالي للبنك المركزي في المكسيك الذي يمثل قوة اقتصادية صاعدة بدول وسط وجنوب أميركا، والجنوب أفريقي تريفور مانويل وزير مالية جنوب أفريقيا الحالي وهو الاسم الوحيد من القارة السوداء. ومن الهند، مونتك سينغ أهلوواليا، نائب رئيس لجنة التخطيط الهندية، وشري إس سريدار المدير الحالي لبنك الهند المركزي، والسنغافوري ثارمان شانموغاراتنام وزير المالية الحالي لسنغافورة.

يذكر أنه في 2007 تسلم ستروس – كان، مهام منصبه كمدير لصندوق النقد الدولي خلفا للإسباني رودريغو راتو، الذي طبع هذه المؤسسة المالية بالانفتاحية الاقتصادية وبطابع التشدد مع الدول التي تعاني من مصاعب مالية، ولكن رغم ذلك، فإنها كانت تتسم بالعجز والشيخوخة وكانت غير قادرة على توقع الأزمة الاقتصادية البادية في الأفق. ومع «كان» بدأ عصر جديد تحدث عن مضمونه قائلا: «على الصندوق أن لا يكون مقطوع الصلة بالواقع وأن تكون له شرعيته، أي عليه أن يتكيف.. يتكيف مع العولمة، ومع النوع الجديد من الأزمة المالية الذي يصاحبها، الذي نستطيع أن نستشرف حدوثه الآن في الولايات المتحدة بسبب الرهن العقاري، وأن يتكيف مع أي أزمات أخرى قد تحدث». وعلى الفور بدأ الرئيس الجديد في تطبيق سياساته، فباع جزءا من مخزون الصندوق من الذهب واستغنى عن عدد من كوادر الصندوق العاطلين عن العمل، فتحول الصندوق إلى منظمة غنية وضاعفت الدول الأعضاء مساهماتها المالية فيه. ستروس – كان، قام أيضا بتحديث النظام الأساسي للصندوق عبر إعطائه دول الاقتصادات الصاعدة حقوق التصويت في مجلس الإدارة؛ فأصبح للصين وروسيا والبرازيل والهند وزن غير معهود في الإدارة، وتخلت أوروبا عن مقعدين من مقاعدها التسعة في المجلس. وقام أيضا باستثمار كبير الحجم في أزمة الديون التي ضربت الدول الأوروبية، وهي الأزمة التي تبعت الأزمة المالية العالمية، ولكنه قبل أن يفعل ذلك قام بتفعيل حزمة من الإجراءات التحفيزية لهذه الدول عبر إقراض مبلغ مائة مليار يورو لثلاث دول من منطقة اليورو؛ هي: اليونان وآيرلندا والبرتغال، وأربع من خارجها؛ هي: المجر ولاتفيا ورومانيا وبولندا.. لكن مقابل فرض إجراءات تقشفية صارمة، وهو ما أثر سلبا على شعبية الصندوق في هذه البلاد. ومع ذلك، فقد استطاع ستروس - كان تحسين صورة الصندوق في أماكن أخرى بفضل إلغائه الفوائد على الديون التي اقترضتها الدول الفقيرة. الشيء الوحيد الذي لم ينجح رئيس صندوق النقد السابق في فعله هو إكمال المسيرة الإصلاحية التي بدأها وتحقيق حلمه بوضع الصندوق في طليعة المؤسسات العالمية، بيد أنه قد نجح على الأقل في تمهيد الطريق لذلك.