اليابان تتجه نحو الأسواق الخارجية لتمويل إعادة التعمير

ليست على شفا أزمة ديون لأن 95% من السندات مملوكة محليا

منذ الكارثة المزدوجة التي ضربت البلاد في مارس وحالة الطوارئ النووية، تحملت اليابان تكلفة مالية باهظة (أ.ب)
TT

دائما ما تكون الكوارث الكبيرة، مثل كارثة زلزال تسونامي في اليابان، قاتلة ودراماتيكية، ومع ذلك هناك اتفاق شبه تام بين الاقتصاديين الذين يقومون بدراسة هذه الكوارث على أنها لا تسبب الكثير من الضرر الاقتصادي على المدى الطويل، لا سيما في البلدان المتقدمة.

لكن هذه التوقعات الوردية في اليابان كانت مصحوبة بتحذير مفاده أن استرداد اليابان لعافيتها بشكل كامل سوف يتركها وهي تحمل النظرة التشاؤمية نفسها التي كانت موجودة قبل تدمير الساحل الشمالي للبلاد في 11 مارس (آذار).

وقد وجد خبراء الاقتصاد الكلي، الذين درسوا الكوارث الكبرى في جميع أنحاء العالم على مدى العقد الماضي، أن الاقتصادات الكبرى تكون قوية بالدرجة التي تمكنها من الإصلاح. وفي هذه الحالة، انتشرت الكارثة عبر مئات الأميال، لكنها لم تضرب المركز الاقتصادي؛ حيث إن منطقة توهوكو المتضررة لا تمثل سوى 2.5% من الناتج الاقتصادي في اليابان.

ومع ذلك، يتعين على الاقتصاد الياباني الذي يعتبر ثالث أكبر اقتصاد في العالم القيام الآن بمهمتين للإصلاح في آن واحد، تتمثلان في إعادة بناء الخط الساحلي الذي يتشبث بسكان ضربهم الوهن، وتزايد عبء الرعاية الاجتماعية والديون السيادية الضخمة. وقد زادت الكارثة الأخيرة من قائمة المشكلات الكثيرة التي يواجهها الاقتصاد.

وقال كازوماسا أجورو، وهو مدرس متخصص في الاقتصاد الكلي في جامعة هيتوتسوباشي في طوكيو: «في الأساس، لا يتغير اتجاه الاقتصاد على المدى الطويل، لكن كان هناك تدهور في الاتجاه الأساسي».

وقال الباحثون المتخصصون في دراسة الكوارث: إن الكوارث تؤدي إلى تأثير اقتصادي على مرحلتين؛ حيث تكون هناك ضربة قصيرة الأجل ثم تتبعها موجة سريعة من الاستثمار الخاص، وفرص العمل الجديدة والإنفاق الحكومي.

وهذا هو النمط الذي شهدته اليابان عندما ضرب زلزال بقوة 6.9 درجة بمقياس ريختر مدينة كوبه اليابانية في يناير (كانون الثاني) عام 1995؛ حيث فقدت هذه المدينة، التي تعتبر ميناء صناعيا، 6400 شخص، كما انهار نحو 100 ألف مبني. وقد نما اقتصاد البلاد بنسبة 1.9% في ذلك العام، وخلال أقل من عام ونصف العام عاد الإنتاج الصناعي لمدينة كوبه إلى طبيعته تقريبا.

وخلال شهرين منذ الكارثة المزدوجة التي ضربت البلاد في مارس وحالات الطوارئ النووية، تحملت اليابان العواقب الاقتصادية الأولى فقط، التي تبلورت الأسبوع الماضي في إعلان الحكومة أن اقتصادها قد انكمش بمعدل سنوي يبلغ 3.7% خلال الفترة من يناير إلى مارس. وفي حالة حدوث انكماش خلال الربع الثاني من العام على التوالي فمن المتوقع أن تعاني اليابان حالة ركود.

كان هذا الخبر بمثابة اختصار لكل ما حدث منذ وقوع الزلزال؛ حيث فقد نحو 200 ألف شخص وظائفهم نتيجة عمليات الإخلاء وهدم المباني، وفقا لإحدى شركات الأبحاث. كما قامت شركة «تويوتا» بتعليق الإنتاج المحلي حتى 17 أبريل (نيسان) وتعمل الآن بمعدل 50% فقط من طاقتها المعتادة. وإذ يساورها القلق إزاء إمدادات اليابان الضعيفة بسبب الكوارث، وضعت بعض الشركات، مثل شركة «نيبون ستيل»، خططا لتوسيع عملياتها في الخارج.

كما تواجه البلاد نقصا في الطاقة على المدى الطويل بعد تضرر محطة فوكوشيما النووية وغيرها من المحطات النووية التي تم إغلاقها. ويبدو انقطاع التيار الكهربائي القسري شيئا غير محتمل، ولكن يطلب من الشركات أن تقوم بترشيد استخدام الطاقة. وحتى يتم تجنب أوقات الذروة في استخدام الكهرباء، تعتزم بعض شركات صناعة السيارات إغلاق مصانعها خلال هذا الصيف يومي الخميس والجمعة من كل أسبوع – على أن يتم فتحها يومي السبت والأحد.

وبسبب تدفق الأموال لإعادة إعمار المنطقة التي ضربتها الكارثة، يتوقع الاقتصاديون أن تمر اليابان بفترة من النمو، بداية من الربع الثالث للعام. وقال وزير الاقتصاد الياباني كاورو يوسانو: إن الركود «ظاهرة مؤقتة» وتوقع استمرار نمو الاقتصاد بنسبة 1% هذا العام.

وهذا يتفق مع الأبحاث الأخيرة لأجورو وخبير اقتصادي آخر يسمى موتوهيرو ساتو، التي قالت إن الكوارث التي ضربت اليابان ستعزز الناتج المحلي الإجمالي عام 2011؛ حيث سيتحول الانكماش الذي بلغ 1.44% إلى نمو بنسبة 2.22%. كما أشارت هذه الأبحاث إلى أن اليابان ستشهد تضخما طفيفا هذا العام، بدلا من الانكماش الطفيف الذي يزعج البلاد منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008.

ومع ذلك سيستغرق الأمر سنوات حتى تتكشف خيوط التركة الاقتصادية التي خلفتها هذه الكارثة، كما أن إعادة الإعمار تتطلب من الحكومة اليابانية – التي تعاني بالفعل ارتفاع إجمالي الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى نسبة 225% – دراسة زيادة الضرائب وغيرها من تدابير التقشف، وتقليل الإنفاق ورواتب الموظفين.

كما سيتعين على الحكومة اقتراض المزيد من المال وإصدار السندات. وعلى مدى السنوات الخمس المقبلة، ستكون اليابان بحاجة إلى تخصيص نحو 250 مليار دولار لعمليات إعادة الإعمار. ومن الواضح أن البلاد ليست على شفا أزمة ديون، نظرا لأن نحو 95% من السندات مملوكة محليا، لكن متطلبات إعادة الإعمار قد تدفع اليابان على نحو متزايد نحو الأسواق الخارجية.

ووفقا لحسابات أجورو وساتو، كان من المتوقع وصول نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 301% بحلول عام 2020 إذا لم تقع الكارثة، لكن الآن من المتوقع أن تصل هذه النسبة إلى 309%.

وقال ساتو: «قد يكون الارتفاع طفيفا، لكن احتمال إفلاس الحكومة سيزيد».

كما يعترف خبراء الاقتصاد الكلي المتخصصون في دراسة الكوارث بمتغير واحد لم تضعه الأبحاث في الحسبان، هو: كفاءة الحكومة. واجه رئيس الوزراء الياباني ناوتو كان دعوات لاستخدام الكارثة كعامل محفز للإصلاحات التي طال انتظارها، مثل زيادة الضرائب، وتحرير التجارة، وتحرير قطاع الطاقة، وتحديث الزراعة وصناعات الصيد. لكن هذه الخطوات كلها تواجه معارضة قوية من جانب جماعات المصالح القوية سياسيا، كما أن الفترة الوجيزة للوحدة السياسية في مرحلة ما بعد الكارثة قد أعطت بالفعل سببا للمشاحنات. وعلى الرغم من أن بعض أفراد حزب رئيس الوزراء يدفعونه للاستقالة، فإن رئيس الوزراء لديه القليل من الشجاعة والقوة السياسية.

وعلى الرغم من أن البرلمان الياباني قد مرر، الشهر الماضي، ميزانية خاصة بقيمة 50 مليار دولار، سوف تحتاج اليابان لعدة ميزانيات خاصة لاحقة وأكبر لتمويل إعادة إعمار المنطقة المنكوبة.

وتقول حكومة ناوتو: إن الميزانية الثانية قد تكون جاهزة بحلول أغسطس (آب)، لكن أحزاب المعارضة، التي تشير إلى وجود حاجة ملحة لتوفير المال للمنطقة المنكوبة، تريد أن تكون هذه الميزانية جاهزة بحلول الشهر المقبل، وإلا، حسب تهديدها، سيواجه ناوتو تصويتا بسحب الثقة. وفي هذه الحالة، سيكون رئيس الوزراء المقبل هو سابع رئيس وزراء ياباني خلال 6 سنوات. وقال ساتو: «تمر اليابان بمنعطف خطير. ما نحتاج إليه، من الناحية المثالية، هو الإصلاح الهيكلي، جنبا إلى جنب مع إعادة الإعمار، لكن السيناريو الآخر هو ألا يكون هناك إصلاح رئيسي، وفي هذه الحالة سوف نبقى في عقد كئيب من الزمن»

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بــ«الشرق الأوسط»

* أسهمت في كتابة التقرير المراسلة الخاصة أكيكو ياماموتو