محافظ النقد السعودي: نسير بخطى ثابتة نحو العملة الخليجية الموحدة

الجاسر توقع تعافي الاقتصاد العالمي بتفاؤل حذر

TT

قال محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) إن التوقعات الحالية للاقتصاد العالمي تتضمن أن يواصل الاقتصاد العالمي التعافي التدريجي من آثار الأزمة المالية، الذي يغلب عليه التفاؤل الحذر، مع بعض التنبؤات بنمو إيجابي في معظم بلدان مجموعة العشرين.

وشدد على أن العمل متواصل من أجل الوحدة النقدية الخليجية الموحدة، وذلك من خلال الجدول الزمني المحدد لها، مشيرا إلى أن المشروع تاريخي ومهم، ويوجد التزام سياسي واجتماعي ويسير بخطي ثابتة، مؤكدا أن المشروع فني بالدرجة الأولى، مدللا على العملة الأوروبية وتبعاتها كما يحدث في الوقت الحالي، في كيفية التزام الدول الأوروبية في مديونيات إحدى الدول الأعضاء في العملة، لافتا إلى أن أخطاء الدول الأوروبية تتعلم منها الدول الخليجية.

وأشار محمد الجاسر محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي إلى أنه في الولايات المتحدة الأميركية فإن الاقتصاد ينتعش فيها بوتيرة معتدلة، وتظل الأوضاع الاقتصادية في اليابان في حالة كساد، في حين تواجه عدة بلدان في أوروبا تحديات بالغة في المالية العامة مع تفاقم مشكلة الدين العام لبعضها. بينما تستمر الاقتصادات الناشئة في لعب دور المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي العالمي. وبين الجاسر أن آخر التقديرات لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي، تشير إلى أن الناتج المحلي الحقيقي العالمي سيسجل نموا قدره 4.5 في المائة في عامي 2011 و2012، مقارنة بنمو قدره 5.0 في المائة في عام 2010، وذلك بعد ركود حاد في عام 2009.

وأكد أن الارتفاع المستمر في أسعار الغذاء والسلع الأساسية تشكل تحديا للتعافي الاقتصادي، حيث يتوقع أن تبلغ مستويات التضخم 2.2 في المائة في الدول المتقدمة و6.9 في المائة في الدول النامية في عام 2011، مع توقع تراجعها في عام 2012 إلى 1.7 في المائة و5.3 في المائة على التوالي.

وكان الجاسر يتحدث خلال ندوة عقدت في العاصمة السعودية الرياض أول من أمس، نظمتها جمعية الاقتصاد السعودية، بحضور عدد من المسؤولين الحكوميين وأعضاء الجمعية.

وتابع الجاسر: «لقد كان لدول الاقتصادات الناشئة، بما فيها المملكة، دور فاعل في تحقيق النمو في الاقتصاد العالمي، فقد حققت هذه الاقتصادات نموا بلغت نسبته 7.3 في المائة في عام 2010، ويتوقع أن تحقق نسبة 6.5 في المائة في عام 2011، وهذا راجع إلى السياسات المالية والنقدية المتبعة وسياسات الإشراف والرقابة على المؤسسات المالية».

وزاد: «تعتبر التوقعات الاقتصادية السعودية في عام 2011 مشجعة وإيجابية للغاية، فقد استمرت الحكومة في اتباع سياستها المالية الخاصة بمواجهة التقلبات الدورية الاقتصادية من خلال إعلانها ميزانية تهدف لاستمرار تحقيق نمو مستدام، ومن واقع بيان الميزانية العامة للدولة، يتوقع زيادة الانفاق 40 مليار ريال وتحقيق عجز بالمبلغ نفسه. إضافة إلى ذلك، أعلنت الحكومة في مطلع عام 2011 مخصصات خاصة تبلغ 91.3 مليار ريال (24.3 مليار دولار) من فائض ميزانية عام 2010، وزعت على القطاعات الحيوية في مختلف مناطق المملكة لتعزيز استمرار النمو والتنمية».

وأشار إلى أن المملكة سجلت نموا حقيقيا في الناتج المحلي الإجمالي نسبته 4.1 في المائة في عام 2010، ويتوقع تحقيق معدل 4.3 في المائة في عام 2011، ولكن حزمة القرارات التي اتخذها خادم الحرمين الشريفين مؤخرا لتعزيز القوة الشرائية للمواطنين وزيادة الاستثمار في قطاعي الإسكان والصحة قد تدفع إلى ارتفاع تقديرات النمو إلى نحو 6 في المائة للعام الحالي.

وأكد الجاسر أن «جميع الأزمات المالية العالمية التي حدثت كانت نتيجة تقديم حوافز غير ملائمة تشجع على المجازفة التي تتسم بمخاطر مفرطة، وتتمثل هذه الحوافز عادة في التوسع الكبير في عمليات تقديم الائتمان، وتعتبر الأزمة الأخيرة من دون مثيل من حيث سرعتها وحدة تبعاتها. ولقد تميزت هذه الأزمة بوجود مجموعة محدودة من المؤسسات المالية ذات الأهمية الكبيرة للنظام المالي والتي اعتبرت أنها أكبر من أن تفشل».

وتابع: «بالنظر إلى ما جرى في الأسواق المالية العالمية، يمكن القول إن الركائز الرئيسية التي قامت عليها الأسواق المالية كانت واهنة وضعيفة، خاصة في ما يتعلق بمسألة التراخي في الرقابة المصرفية واعتماد بعض المؤسسات المصرفية في ميزانيتها على الإقراض المفرط، متزامنة مع أوضاع نقدية توسعية في مجموعة الدول السبع، وتهاون وكالات التصنيف العالمية. وكان يفترض من صناع السياسات المالية والجهات التنظيمية والإشرافية ومجالس إدارات المؤسسات المالية والمحاسبين والمدققين ومؤسسات التصنيف.. كل في مجاله، القيام بدور يؤدي إلى تطور الأسواق المالية واستقرارها والحفاظ على مصداقيتها ونزاهتها».

وأكد أن «السعودية عضو فاعل في مجموعة دول العشرين من منطلق أهميتها ودورها المؤثر في الاقتصاد العالمي، حيث تعد أكبر اقتصاد عربي ولديها أكبر احتياطي من النفط في العالم وطاقة إنتاجية فائضة تستطيع من خلالها تعويض أي نقص مفاجئ في الإمدادات النفطية، والمملكة ملتزمة بمبادرات المجموعة التي تهدف إلى تعزيز متانة النظام المالي العالمي».

وشدد على أن بلاده ظلت وبصفتها سوقا ناشئة، غير متأثرة بشكل كبير بالأزمة المالية العالمية نتيجة للسياسات التنظيمية الاحترازية الحصيفة والمتحفظة التي اتبعت على مدى عدة عقود. ويلاحظ المتابع حاليا أن واضعي المعايير العالمية بدأوا الآن في نشر معايير جديدة واتبعوا نهجا تنظيميا احترازيا أكثر تحفظا وحصافة.

وأكد أن مؤسسة النقد العربي السعودي تحرص على تبني موقف استباقي بخصوص تنفيذ التطورات التنظيمية الحديثة وأفضل الممارسات لتعزيز متانة المصارف والنظام المصرفي، مما يساعد على استمرار العمل وفق أسلوب تقييم المخاطر المحتملة.

وأكد أنه أشار قبل سنوات إلى السياسة الاقتصادية التي اتبعتها المملكة معتمدة على فكرة مواجهة تقلبات الدورات الاقتصادية بهدف الحد من آثار التذبذبات والمحافظة على استقرار الاقتصاد في حالات الطفرة والانكماش الاقتصادي في المملكة التي يعتمد اقتصادها إلى حد كبير على مورد سلعي واحد يخضع للتقلبات الكبيرة في أسواق النفط العالمية.

ولفت إلى أن «السعودية تواجه تحديا محددا وواضحا يتمثل في كيفية الاستخدام الأمثل لتدفقات عائدات النفط المتقلبة من أجل تطوير اقتصادها وتوفير فرص وظيفية كريمة للشباب السعودي، وثمة اهتمام هذه الأيام على المستوى العالمي باتباع السياسة نفسها، وبمطلب تخصيص احتياطات لدعم رؤوس الأموال ومخصصات احتياطية للقروض لمواجهة تقلبات الدورة الاقتصادية».

ولفت إلى أنه تم بذل جهد كبير في «لجنة بازل» ومجلس الاستقرار المالي لتدارس هذا الموضوع، وتم إقرار مبادئ لمواجهة آثار تقلبات الدورة الاقتصادية على القطاع المالي. وبهذا الخصوص، تصدرت المؤسسة القائمة مرة أخرى، لأنها شجعت المصارف السعودية على الاستفادة من وجود اقتصاد متنام خلال الفترة من 1991 وحتى 1997 لحشد رؤوس أموال جديدة واستخدام احتياطاتها محليا لزيادة رأس المال. ونتيجة لذلك، زاد رأسمال النظام المصرفي خلال تلك الفترة بنسبة 100 في المائة.

وتابع: «تكرر هذا النجاح للعملية خلال الفترة من 2003 وحتى 2007 عندما رفعت المصارف رؤوس أموالها بنسبة 240 في المائة، ومما لا شك فيه أن هذه المخصصات الاحتياطية الإضافية لرأس المال كانت مفيدة جدا خلال فترات لاحقة من التباطؤ الاقتصادي وظهور تبعات الأحداث العالمية والإقليمية الأخيرة». وزاد: «وبالمثل، في مجال تخصيص احتياطات للقروض، مارست المصارف السعودية سياسة مواجهة التقلبات في الدورة الاقتصادية عن طريق زيادة نسبة تغطية مخصصات الاحتياطيات لديها للقروض المتعثرة بنسبة مرتفعة بلغت 202 في المائة في عام 2005، ومن ثم خفضها إلى 89 في المائة بنهاية عام 2009، وبلغت بنهاية مارس (آذار) 2011 نسبة 18 في المائة».

وأكد أن مؤسسة النقد العربي السعودي كمصرف مركزي وكوجهة رقابية لسوق ناشئة، حريصة كل الحرص على إدخال المعايير العالمية المناسبة في أنظمتها المالية، ولكن يساورها القلق تجاه الأسواق المتقدمة التي تسببت في الأزمة العالمية والتي قد لا تقوم بتطبيق تلك المعايير في الوقت المناسب أو بطريقة شاملة.

وأكد أنه من الواضح الآن أن الاستقرار المالي يتطلب التركيز على كل من المخاطر المتعلقة بالمؤسسات المالية والمخاطر في نطاق النظام المالي بشكل عام وعلى حد سواء، وأن المهمة الأساسية للقطاع المالي هي دعم الاقتصاد الحقيقي.

وأشار إلى أن المؤسسة تؤمن بأهمية التنسيق والموائمة بدرجة كبيرة بين السياسات التنظيمية والرقابية على مستوى الدول لمنع المضاربات المفرطة التي قد تحدث نتيجة للاختلافات في السياسات التنظيمية والرقابية بين الدول، بل إن هذا التنسيق يعد أفضل من وجود جهة تنظيمية مالية عالمية.

وشدد على أن الجهود التي تقوم بها مجموعة العشرين تعطي أملا كبيرا في أن جدول أعمال إصلاحات الأسواق المالية، الذي يجري العمل عليه حاليا، سيتم تنفيذه بشكل كامل وفقا للجدول الزمني الذي تتم متابعته بعناية وباستمرار، والأهم من ذلك هو الأمل بأن تعيد الإصلاحات الوضع الطبيعي والسليم إلى الأسواق المالية العالمية كي تعود إلى العمل بفعالية لتلبية احتياجات كل المتعاملين وخدمة الاقتصاد العالمي الحقيقي. ولفت إلى أن «مؤسسة النقد العربي السعودي لها فائدة من اتباع نهج محافظ واتخاذ إجراءات وتدابير استباقية تؤدي إلى إيجاد نسب رأسمال قوية ومخصصات احتياطية كافية للبنوك، كما أن اختبارات التحمل للبنوك تشير إلى أنه ليس هناك الآن مخاطر تهدد النظام المصرفي المحلي»، وأكد أن «المؤسسة ستستمر في ممارسة سياساتها التنظيمية والرقابية بصورة متجانسة وملتزمة بتطبيق المعايير الدولية للمحافظة على نظام مصرفي قوي قادر على توفير التمويل اللازم ذي الكفاءة لاقتصادنا مع القدرة على مجابهة الصدمات والأزمات غير المتوقعة».

وعن الاحتياطات السعودية، قال إن خفض المخاطر هو الأساس لإدارة أي احتياطات مالية، خاصة إذا كان الاحتياطي لدولة وليس لمؤسسة مالية، وليس لشخص، لأن المحافظة على الأصل هو الهاجس الأكبر لتلك الإدارة.

وتابع: «القطاع الخاص ينمو بشكل جيد. دائما نتطلع لأن يكون النمو أكبر. لست قلقا على القطاع الخاص، لكن أعتقد أن الإمكانات لو فعلت بشكل أفضل، فيمكن الآن التوظيف، أو أن تعطي العمالة السعودية حافزا أكبر. رؤوس الأموال في دولة مثل المملكة تعكس حجم الاقتصاد الوطني، لكن هل رؤوس الأموال تنمو بشكل يواكب الاقتصاد؟ إنها تنمو، ولم يأت ذلك النمو بشكل عفوي»، مشيرا إلى أن المخصصات التي تتفق المؤسسة مع البنوك على زيادتها بشكل مستمر خاصة في أوقات تحسن الوضع الاقتصادي، وفق حال عدم الحاجة لاستخدامها لمواجهة تدهور في محافظ البنك، تتحول إلى جزء من رأس المال.