الفساد يكلف دافع الضرائب في أوروبا 172 مليار دولار سنويا

المفوضية تهدد بنشر أسماء الدول المتهاونة

TT

تابع الرأي العام الأوروبي بقلق كبير، إعلان الجهاز التنفيذي الأوروبي أن الفساد يكلف التكتل الأوروبي نحو 120 مليار يورو (حوالى 172.5 مليار دولار) سنويا، ورأى الكثير من المواطنين الأوروبيين في ردود فعل على ما أعلنت عنه المفوضية الأوروبية ببروكسل، أن مكافحة الفساد لا بد أن تتصدر أولويات العمل الأوروبي خلال المرحلة المقبلة، وتقول كارولين، وهي سيدة فرنسية مقيمة في بروكسل، «إن هناك مؤسسات وأجهزة معنية عليها التزام بمواجهة أشكال الفساد حتى لا يتحمل الآخرون نتائج هذه الجرائم»، ويقول البلجيكي ميشيل «إنه من المفترض أن هناك منظومة أوروبية موحدة وهناك آليات من شأنها أن تسهم في العمل الأوروبي المشترك على مكافحة الفساد»، وتقول الهولندية كريستينا «إنها تشعر بالقلق لأن المواطن الأوروبي الذي يدفع الضرائب يتحمل نتائج القصور في مواجهة الفساد». وسبق للبرلمان الأوروبي أن طالب بتصعيد مكافحة الفساد في أوروبا، بعد أن أظهرت دراسة دولية أن غالبية الأوروبيين يعتقدون أن الفساد قد زاد في أوروبا. وقالت المؤسسة التشريعية الأوروبية في بيان نشر نهاية العام الماضي، بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد «إن تصورات وآراء الأوروبيين حول الفساد غير مشجعة». في إشارة إلى تقرير صادر عن منظمة الشفافية الدولية أظهر أن «73 في المائة من الأوروبيين يرون أن الفساد قد تصاعد في أوروبا خلال السنوات الثلاث الماضية».

وقالت المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية سيسيليا مالمسترم «إن أحد أبرز التحديات المسببة للفساد، هو قلة التزام السياسيين وصناع القرار للضغط على التمكين بشكل شامل لسياسة عدم التسامح تجاه الفساد». وأضافت أن القوانين موجودة لكن عدم وجود الارتباط السياسي لتفعيلها يؤدي إلى تفاقم الفساد، وأشارت إلى أن المفوضية الأوروبية ستقترح مجموعة من المعايير للتصدي للفساد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في كل دول الاتحاد الأوروبي، معربة عن أملها أن تسهم هذه المعايير التي ستحدد كيفية قيام دول الاتحاد الأوروبي بمحاربة الفساد، بشكل أكثر التزاما تجاه ذلك، وهددت المفوضية بأنها ستكشف النقاب عن أسماء الدول التي تفشل في التعامل مع الفساد الذي يكلف دافعي الضرائب بالاتحاد ما قدره 120 مليار يورو سنويا. واتهمت المفوضية بعض الحكومات الأوروبية بالتقاعس عن التعامل بجدية مع الفساد، وأضافت أنها تنتظر اتخاذ هذه الحكومات إجراءات مع صدور تقرير يقيم كيفية تعامل كل بلد على حدة مع الكسب غير المشروع. وتعد الكثير من دول الاتحاد الأوروبي بين الدول الأقل فسادا في العالم، حيث تحتل الدنمارك قائمة التصنيفات الصادرة عن منظمة الشفافية الدولية. بيد أن دولا أخرى تحتل مراتب متدنية، وجلبت فضائح الفساد غضبا شعبيا بشأن إجراءات التقشف المالي التي اتخذتها بلدان أوروبية كثيرة لخفض الدين ومواجهة أزمة اقتصادية. وهزت جرائم فساد فرنسا وإيطاليا في السنوات الأخيرة، حيث يواجه رئيس الوزراء الإيطالي الحالي محاكمات في اتهامات احتيال وفساد، وكذا اتهامات بدفع أموال لإقامة علاقة جنسية مع عاهرة دون السن القانونية. وتحاول رومانيا وبلغاريا الانضمام لمنطقة شينجن بعد أربع سنوات من انضمامهما للاتحاد الأوروبي، لكن فرنسا وألمانيا عارضتا دخولهما شينجن بسبب الفساد في الدولتين الشيوعيتين السابقتين. وفي اليونان يحمل الآلاف الفساد في الإدارة العامة المسؤولية عن اقتراب الاقتصاد من حافة الانهيار. وخفضت الشفافية الدولية على نحو حاد من ترتيب أثينا العام الماضي إلى ما بعد الصين وكوبا وكولومبيا. وتشير تقديرات المفوضية الأوروبية إلى أن عقود المشتريات العامة في الاتحاد الأوروبي في المتوسط تنتهي بتكلفة تتراوح بين 20 إلى 25 في المائة على ما يجب أن تكون عليه، بسبب حصول صانعي القرار على رشاوى. وستصدر المفوضية تقارير كل عامين، اعتبارا من 2013، استنادا إلى معلومات من الهيئات الرقابية الدولية وخبراء مستقلين. لكنها لم تقترح فرض إجراءات عقابية على الدول التي تتكاسل عن مكافحة الكسب غير المشروع، وفي ديسمبر الماضي، أظهر أكبر استطلاع للرأي عالميا حول انتشار الفساد، أن الناس يرون زيادة انتشار الفساد، ولكن في الوقت نفسه زادت الرغبة في الاستعداد لدى المواطن للتدخل لتغيير هذا الوضع، من جانبه دعا رئيس البرلمان الأوروبي جيرزي بوزيك إلى تصعيد مكافحة الفساد في أوروبا، بعد أن أظهرت الدراسة الدولية أن غالبية الأوروبيين يعتقدون أن الفساد قد زاد في أوروبا. وقال بوزيك في بيان بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد «إن تصورات وآراء الأوروبيين حول الفساد غير مشجعة» في إشارة إلى تقرير صادر عن منظمة الشفافية الدولية أظهر أن «73 في المائة من الأوروبيين يرون أن الفساد قد تصاعد في أوروبا خلال السنوات الثلاث الماضية». واعتبر المسؤول الأوروبي أن «هذا أمر مقلق» مشددا على أن تسير مكافحة الفساد جنبا إلى جنب مع مكافحة الجريمة المنظمة، وداعيا أوروبا إلى خوض معركة موحدة لا تعرف حدودا ضد الجريمة والفساد. وحذر من أن الفساد يجعل الشعوب تفقد ثقتها في دور الدولة وسيادة القانون، مضيفا «من الأهمية بمكان أن لا نتراجع خلال هذه الفترة من الصعوبات الاقتصادية، عن حيطتنا تجاه الفساد، حيث سيكون من الصعب تحمل تبعاته وتكاليفه الاقتصادية والاجتماعية والبيئية». وصنفت دراسة منظمة الشفافية، أفغانستان ونيجيريا والعراق كأكثر الدول فسادا، تليها كل من الصين وروسيا والكثير من الدول في الشرق الأوسط. وقالت منظمة الشفافية الدولية التي تدافع عن حق المجتمع المدني في مواجهة الفساد والرشوة «إن الاستطلاع الذي أجرته أظهر أن الفساد زاد خلال السنوات الثلاث الأخيرة في أوروبا وأميركا الشمالية، حسب رأي كل ستة أشخاص من بين عشرة ممن شملهم الاستطلاع، وأن واحدا من بين كل أربعة أشخاص أقر بأنه دفع رشوة في العام الماضي، وحسب نتائج الاستطلاع جاءت وجهات النظر السلبية حول اتجاهات الفساد بشكل أكبر في أوروبا، ثم في أميركا الشمالية، بنسب بلغت 73 في المائة و67 في المائة على التوالي، وجدوا أن الفساد ارتفعت معدلاته في السنوات الثلاث الأخيرة، وعلى الرغم من من ذلك، فإن النتائج أظهرت أن 7 أشخاص من بين كل عشرة على استعداد للإبلاغ عن الفساد، بحسب ما قالت المنظمة التي تتخذ من برلين مقرا لها، في بيان وزع في العواصم الأوروبية، وتسلمت «الشرق الأوسط» نسخة منه، ونقل البيان عن رئيس المنظمة هوغيت لابيل قوله «إن الأزمات المالية لا تزال تؤثر على آراء الناس بشأن الفساد، ولا سيما في أوروبا وأميركا الشمالية، وإن المؤسسات في كل مكان يجب أن تكون حازمة في جهودها الرامية لاستعادة الثقة والحكم الرشيد»، وأضاف «مما يثلج صدورنا أن الكثير من الناس على استعداد لاتخاذ موقف ضد الفساد، ويجب تعبئة هذه الرغبة». الاستطلاع شمل 91 ألف شخص من 86 بلدا حول العالم، وركز على الرشوة الصغيرة وتصورات حول دور المؤسسات لمكافحة الفساد، وكذلك دور المواطنين في مكافحة الفساد، وقال الاستطلاع إنه خلال الاثني عشر شهرا الماضية، هناك واحد من بين كل أربعة أشخاص دفع رشوة لأحد الموظفين في مؤسسات الخدمات في مجالات مختلفة، من التعليم إلى الصحة والضرائب والشرطة، وقال 29 في المائة من هؤلاء إنهم اتصلوا بالشرطة للإبلاغ عن رشاوى، وأظهر المسح أنه في الأشهر الـ12 الماضية هناك واحد من بين كل أربعة أشخاص دفعوا رشوة لأحد من مؤسسات الخدمات، من الصحة إلى التعليم إلى السلطات الضريبية. تتم تسمية الشرطة المستلم الأكثر شيوعا للرشاوى، وفقا لتلك التي شملتها الدراسة، مع 29 في المائة من أولئك الذين كانوا على اتصال مع إبلاغ الشرطة التي دفعوا رشوة. وبلغت نسبة الأشخاص الذين دفعوا رشاوى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 36 في المائة، وبلغت النسبة 19 في المائة في غرب البلقان وتركيا، و11 في المائة في آسيا والمحيط الهادئ، و5 في المائة فقط في دول الاتحاد الأوروبي وأميركا الشمالية، وزادت معدلات دفع الرشاوى في 20 بلدا بشكل أكبر مقارنة بأرقام عام 2006، والدول أبرزها العراق وأفغانستان، كمبوديا، والهند والكاميرون، ليبيريا، فلسطين وسيراليون ونيجيريا والسنغال وأوغندا، حيث بلغت النسبة ما يقارب الـ50 في المائة في العام الأخير، وقال نصفهم إنهم دفعوا الرشاوى لتفادي مشكلات مع السلطات، بينما قال ربعهم إنهم فعلوا ذلك لتسريع إنجاز أعمالهم، وقالت المنظمة إن الشيء المقلق بشكل حقيقي هو ارتفاع معدلات الرشاوى للشرطة، ووصلت للضعف تقريبا مقارنة بعام 2006، ولا تزال الرشوة منتشرة بين الفقراء والشباب أقل من 30 عاما، وخلص الاستطلاع إلى انعدام الثقة في الموظفين داخل مؤسسات الخدمات، وكذلك قناعتهم بعدم فعالية ما تقوم به الحكومات لمواجهة الفساد.