وكالة الطاقة الدولية مستعدة للتدخل لضمان إمدادات إضافية من النفط

تتوقع ارتفاع الطلب على النفط حتى 2016 رغم الأسعار المرتفعة

TT

قال نوبو تاناكا، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، أمس، إن الوكالة مستعدة للإفراج عن احتياطياتها الاستراتيجية من النفط الخام لضمان وصول إمدادات كافية للسوق ودعم الاقتصاد العالمي. وأضاف في مؤتمر صحافي في مدينة سان بطرسبرغ الروسية «نحن مستعدون للتدخل في أي وقت إذا استدعى الأمر».

ويحوز أعضاء وكالة الطاقة الدولية من العالم المتقدم 1.5 مليار برميل من المخزونات النفطية الاستراتيجية يمكنهم استغلالها إذا فشلت السعودية، أكبر منتج داخل أوبك، في زيادة إمداداتها بالسرعة الكافية لإحداث توازن في الأسواق.

وقال تاناكا بعدما أصدرت الوكالة تقريرها عن سوق النفط والغاز في المدى المتوسط، إن السؤال المهم هو «ما حجم الزيادة ومدى السرعة» التي تستطيع بها السعودية ضخ مزيد من النفط في السوق؟

وقالت وسائل إعلامية إن الرياض سترفع إنتاجها إلى عشرة ملايين برميل يوميا من 8.8 مليون برميل يوميا في مايو (أيار)، بعدما انتهى اجتماع أوبك في فيينا الأسبوع الماضي دون الاتفاق على رفع حصص الإنتاج. وقال تاناكا «قلقون بشأن سرعة أوبك في ضخ (مزيد من النفط) بالسوق.. نصدق ما يقولون، لكن بأي سرعة وبأي حجم؟». وأضاف أن سعر النفط الحالي عند 120 دولارا للبرميل يضر بالنمو الاقتصادي العالمي، وأن أي زيادة أخرى في السعر ستزيد احتمال حدوث تراجع اقتصادي. وتابع أن من شأن مثل هذه النتيجة أن تكون أقل حدة من انهيار الاقتصاد في 2008 و2009، والذي أعقب صعود أسعار النفط عند نحو 150 دولارا للبرميل.

وقالت الوكالة في تقريرها متوسط الأجل إن ارتفاع الطلب وتقلص الفائض في الطاقة الإنتاجية لـ«أوبك» سيضعان ضغوطا على أسواق النفط بين الآن و2012 أكبر مما كان متوقعا في السابق. ورفعت الوكالة توقعاتها للطلب العالمي على النفط على مدى السنوات الخمس المقبلة بمتوسط 70 ألف برميل يوميا، مقارنة مع توقعها السابق في ديسمبر (كانون الأول). وتوقعت الوكالة ارتفاع الطلب العالمي على النفط بشكل مطرد حتى 2016 ما لم يتعثر الانتعاش الاقتصادي، ورغم تخطي سعر برميل النفط مائة دولار متجاوزا التوقعات.

ورأت الوكالة في تقريرها السنوي الذي تعرض فيه توقعاتها على المدى المتوسط والصادر أمس في سان بطرسبرغ (شمال روسيا) أنه في حال تسجيل نمو الاقتصاد العالمي نسبة 4.5% في السنة فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة الاستهلاك بمعدل 2.1 مليون برميل يوميا كل سنة، وصولا إلى 95.3 مليون برميل في اليوم عام 2016، وهو ما يمثل ارتفاعا بنسبة 1.3% في السنة. وبالتالي سيتخطى الطلب العالمي آخر التوقعات المتوسطة المدى بمعدل 0.7 مليون برميل في اليوم خلال فترة من 2010 إلى 2015.

ورفعت الوكالة التي تمثل مصالح الدول الصناعية بشكل طفيف توقعاتها للطلب العالمي على النفط عام 2011 بمقدار مائة ألف برميل في اليوم. وبذلك سيرتفع الاستهلاك من 88 مليون برميل يوميا في 2010 (+3.3% عن العام السابق) إلى 89.3 مليون برميل في اليوم هذه السنة (+1.4%).

وحذرت الوكالة في هذا الصدد من «وجود خطر كبير» بحصول اختناق في السوق في حال عدم زيادة الإنتاج النفطي «مع كل العواقب التي يمكن أن تترتب على الاقتصاد العالمي في حال ارتفاع الأسعار». ولفتت الوكالة إلى أن أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) لم يقرروا زيادة إنتاجهم خلال اجتماعهم في مطلع يونيو (حزيران)، موضحة أن ذلك لا يعني أن سقف الإنتاج سيبقى محددا بمستوى 2.29 مليون برميل في اليوم، مشيرة إلى مؤشرات مشجعة في هذا الصدد صادرة من السعودية ودول منتجة أخرى.

وذكرت وكالة الطاقة الدولية من جهة أخرى أن الإنتاج الليبي لن يعود إلى المستوى الذي كان عليه قبل الحرب إلا قرابة عام 2015. وجاء في التقرير أيضا أن الطلب على النفط يتأثر كذلك بالظروف الاقتصادية الجديدة في العالم، موضحا أن ارتفاعه «ناجم حصرا عن الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية»، ونادي الدول الغنية الذي تعتبر الوكالة ذراعه في مجال الطاقة. وتمثل الصين وحدها 41% من ارتفاع الطلب.

في المقابل، يتوقع أن يتراجع استهلاك الدول الصناعية أعضاء منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بنسبة 1.6%، أي بمعدل 260 ألف برميل في اليوم كل سنة، مما يزيد عن التوقعات السابقة.

وأقرت منظمة الطاقة بأن هذا السيناريو ينطوي على مخاطر. وحذر تاناكا من أن «الغموض يبقى سيد الموقف بالنسبة للأسواق العالمية للنفط والغاز من انعكاسات الربيع العربي إلى عواقب الأزمة في منطقة اليورو على الاقتصاد الكلي».

وإذا كانت التوقعات تشير إلى نمو عالمي لا يتعدى نسبة 3.3% في السنة، فإن الطلب على النفط لعام 2016 سيكون دون التوقعات، بـ2.4 مليون برميل في اليوم.

وتتوقع الوكالة في تقريرها أن يقارب سعر برميل النفط معدل 103 دولارات خلال هذه الفترة، وهو ما يزيد بـ15 إلى 20 دولارا عن توقعاتها السابقة. وتخطى سعر برميل النفط الخفيف غرب تكساس أمس 95 دولارا، وبرميل برنت بحر الشمال 114 دولارا. ورأت الوكالة أن «تزامن أسعار للنفط بثلاثة أرقام ونمو اقتصادي عالمي بنسبة 4 إلى 5% يبدو من باب المفارقة، غير أنه يعكس إلى حد ما التباين الزمني الذي يميز ديناميكيات السوق النفطية». وأكدت أنه «من الممكن أن تتزامن أسعار مرتفعة مع نمو اقتصادي مطرد»، لكن «لمرحلة من الوقت» فقط.

من جهة أخرى، من المتوقع أن تزداد القدرة العالمية على إنتاج النفط خلال السنوات الخمس المقبلة بمعدل 1.1 مليون برميل في اليوم سنويا، لترتفع من 93.8 إلى 100.6 مليون برميل في اليوم. ويمثل النفط الخام التقليدي أقل من 40% من الزيادة الإجمالية.

وسجل برنت أعلى مستوى في الجلسة عند نحو 115 دولارا أمس، مرتفعا دولارين تقريبا. وأشارت بيانات أوبك إلى الحاجة لمزيد من النفط في النصف الثاني من العام الحالي. لكن المنظمة فشلت خلال اجتماعها في فيينا الأسبوع الماضي في الاتفاق على زيادة الإنتاج، واعترض الأمين العام لـ«أوبك» على تصريحات علنية لوكالة الطاقة قالت فيها إنها ستسحب من احتياطيات الطوارئ النفطية إذا استدعى الأمر.

وقال عبد الله البدري لقمة «رويترز» العالمية للطاقة والمناخ هذا الأسبوع «ينبغي أن تترك الاحتياطيات الاستراتيجية للغرض منها لا أن تستخدم كسلاح ضد أوبك». وفي توقعاتها الخمسية الصادرة بالتزامن مع التقرير الشهري، توقعت الوكالة ألا يعود الإنتاج الليبي لمستويات ما قبل الأزمة قبل 2014. وقال ديفيد فايف، رئيس قطاع النفط وأسواقه في الوكالة، لـ«رويترز»: «فقدنا 1.5 مليون برميل يوميا من الطاقة الإنتاجية من ليبيا والطلب الأساسي مرتفع والطاقة الفائضة تراجعت». وأضاف «أعتقد أن السوق تبدو أكثر شحا بين 2010 و2012 مما كنا نعتقد قبل ستة أشهر».

ورفعت الوكالة توقعاتها للطلب العالمي على النفط في خمس سنوات بمتوسط 700 ألف برميل يوميا، مقارنة مع توقعها في التقرير السابق في ديسمبر. وقالت الوكالة إن نقص المعروض في سوق النفط يعني أن العوامل الأساسية تبرر الموجة الصعودية منذ أواخر 2010.

وشهدت السوق أنشطة مضاربة أقل مما شهدته في 2008 حينما سجلت سوق النفط أعلى مستوياتها على الإطلاق عند 147 دولارا للبرميل من الخام الأميركي الخفيف. وحتى الآن هذا العام بلغ مزيج برنت ذروته عند أعلى قليلا من 127 دولارا. وقالت الوكالة إن الصعود شجع الاستثمارات خاصة في الدول خارج «أوبك»، بينما تعطلت خطط «أوبك» للتوسع «نتيجة الافتقار للاستثمارات وتأجيل مشروعات».

ومن المتوقع أن ترتفع الإمدادات الإجمالية من النفط من 93.8 مليون برميل يوميا إلى 100.6 مليون برميل يوميا بحلول 2016 ليبلغ متوسط الزيادة الصافية 1.1 مليون برميل يوميا سنويا، لكنه أقل من متوسط نمو الطلب البالغ 1.2 مليون برميل يوميا.

ومن المتوقع نمو الطاقة الإنتاجية لمنظمة أوبك بشكل ملحوظ بفعل المشروعات المشتركة في العراق وأنغولا والإمارات العربية المتحدة ومع نمو طفيف في نيجيريا وفنزويلا. لكن الوكالة توقعت أن تواجه إيران التي عانت على مدى سنوات من العقوبات صعوبة لزيادة إمداداتها، وقالت إن طاقتها الإنتاجية ستتراجع عن طاقة إنتاج العراق. وأضافت «إلا أن المناخ غير المواتي للاستثمار سيؤدي إلى تراجع الطاقة الإنتاجية الإيرانية من الخام بواقع 0.8 مليون برميل يوميا إلى 3.1 مليون برميل يوميا لتنزل دون طاقة إنتاج العراق بحلول 2014».

وفي حين لا تواكب زيادة الإمدادات نمو الطلب، فإن هامش الفائض في الطاقة الإنتاجية لـ«أوبك» الذي يمكن ضخه سريعا في السوق إذا استدعى الأمر بلغ مستوى «ضئيلا بصورة مقلقة» عند نحو 3.3 مليون برميل يوميا. ويخشى كثير من المحللين من تقلص الفائض في الطاقة الإنتاجية عقب زيادة الإنتاج من السعودية التي تتحكم بمفردها تقريبا في الطاقة الإنتاجية الفائضة في العالم. وسيأتي الطلب الإضافي على الوقود كله من خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وتشكل الصين وحدها أكثر من 40 في المائة من الطلب الجديد. وما زال نصيب الفرد من الطلب على النفط في الصين أقل كثيرا منه في الولايات المتحدة أكبر مستهلك للنفط في العالم.

وأبلغ فاتح بيرول، كبير اقتصاديي وكالة الطاقة، قمة «رويترز» العالمية للطاقة والمناخ أول من أمس بأن الصين لن تتخطى الولايات المتحدة كأكبر مستهلك للنفط «في السنوات القليلة المقبلة» رغم أنها أصبحت أكبر مستهلك.