تحليل: اليونانيون يعيشون حالة إنكار لأزمتهم المالية

بينما تبذل أوروبا جهودا لإنقاذ بلادهم من التخلف عن سداد ديونها

TT

يبذل القادة الأوروبيون جهودا نشطة لإنقاذ اليونان من التخلف عن سداد ديونها، الأمر الذي قد يسبب اضطرابات اقتصادية عالمية.. لكن يبدو أن اليونانيين أنفسهم في حالة إنكار.

وبحسب تحليل لـ«رويترز» فإن هناك استياء وغضبا في الخارج بسبب رد فعل اليونانيين الذين يميلون على ما يبدو إلى لوم الآخرين على مشكلاتهم بدلا من التسليم بأن هناك مشكلة عميقة في بلدهم ولا بد من دواء مر لها. وقال جان راندولف، مدير تحليل المخاطر السياسية في «آي إتش إس غلوبال انسايت»: «الناس العاديون لا يفهمون خطورة الموقف.. ليس على اليونان فحسب بل على الاقتصاد العالمي بأكمله».

وأصيبت الأسواق العالمية بفزع شديد بسبب احتجاجات عنيفة في اليونان على إجراءات التقشف المطلوبة نظير خطة إنقاذ دولية بمليارات الدولارات، بالإضافة إلى صراع سياسي داخلي وتردد داخل منطقة اليورو. ويقول محللون إنه لا يبدو أن أي عنصر في المجتمع أدرك خطوة الموقف بالكامل. ويخشى المستثمرون من أن تؤدي الخلافات السياسية ومعارضة إجراءات التقشف إلى دفع البلاد إلى التخلف عن سداد ديونها السيادية التي تبلغ 340 مليار يورو (480.8 مليار دولار).

وبينما قبلت دول مثل لاتفيا أخذ دواء صندوق النقد الدولي وأصيبت بانقباضات سريعة وإن كانت مؤلمة، وأصبحت الآن على طريق التعافي، يقول محللون إن هناك احتمالات كبيرة أن تكون حالة اليونان مثل الأرجنتين التي تخلفت عن السداد في 2001 ولا تزال مبعدة عن الأسواق المالية.

ودعا منقذو اليونان، وهم الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، إلى توافق وطني على الإصلاحات للحصول على حزمة تمويل جديدة، لكن وقتا طويلا يضيع في اليونان على إلقاء اللوم بدلا من البحث عن حلول. وتتبادل الحكومة والمعارضة الاتهامات بعرقلة الحل، ويلقي موظفو القطاع الخاص باللائمة على القطاع العام، بينما يلقي موظفو الدولة باللائمة على الاحتيالات الضريبية. ويقول غالبية اليونانيين إن الساسة الفاسدين هم المشكلة الرئيسية.

وقال ثيودور كولومبيس من المؤسسة الهيلينية للسياسة الأوروبية والخارجية «المشكلة الكبرى في المجتمع اليوناني هي نزعة اعتبار الآخرين مسؤولين عن كل المشكلات.. وكأن شخصا يعاني من مرض شديد ويريد أن يعرف ما هو السبب بدلا من عمل اللازم لعلاجه». وقد خفضت الحكومة رواتب القطاع العام 20 في المائة، ورفعت سن التقاعد للنساء، وخفضت المعاشات أكثر من عشرة في المائة وقلصت عدد الوظائف المؤقتة في القطاع العام. لكن لا تزال مشكلات الميزانية الأساسية قائمة. ولا يزال التهرب الضريبي مستفحلا، إذ قال وزير العمل إن ربع الاقتصاد تقريبا لا يدفع أي ضرائب.

وكلفت شركات القطاع العام الخاسرة الدولة 13 مليار يورو في الفترة من 2004 وحتى 2009، وليس من الوارد إقالة موظفيها في ما يبدو. وقال راندولف «99 في المائة من مشكلات اليونانيين هي من صنعهم.. إذا كان الجميع يدفعون الضرائب ما كان سيحدث هذا العجز الكبير في الميزانية».

ويشعر اليونانيون بالاستياء من إجراءات التقشف، وقد أظهر استطلاع للرأي أجري الشهر الماضي أن 80 في المائة يرفضون القيام بأي تضحيات أخرى للحصول على مساعدات من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد.

وخرج موظفون في بنوك وشركات مرافق حكومية من المزمع خصخصتها ومتعاقدون في القطاع العام، بل وحتى أطباء، إلى شوارع أثينا في مظاهرات شبه يومية للتعبير عن معارضتهم لعمليات بيع وتحرير الاقتصاد الذي تسيطر عليه الدولة إلى حد بعيد. وتحولت هذه المظاهرات إلى العنف يوم الأربعاء.

ويقول محللون إن من المشكلات الأخرى أنه يبدو أن حكومة رئيس الوزراء جورج باباندريو أخفقت في توضيح مدى خطورة الوضع للشعب، وأن التخلف عن السداد سيكون له أثر كبير ليس على اليونان فحسب بل خارج حدودها. والبنوك الفرنسية والألمانية هي صاحبة أكبر تعرض للديون اليونانية. وإذا تخلفت اليونان عن السداد فإن ضغط السوق سيتزايد على دول أخرى مثقلة بالديون في منطقة اليورو مثل آيرلندا والبرتغال وربما إسبانيا.

ويبدو أن المشكلة أصبحت أكثر تعقيدا بسبب معركة سياسية داخلية محيرة، حيث لا يزال الساسة اليونانيون يتطلعون إلى شعبية في الداخل بدلا من التفكير في الصورة الكبيرة.

وقد يكون هذا لعب دورا يوم الأربعاء حين بدأ باباندريو محادثات ثم قطعها مع المعارضة المحافظة بشأن تشكيل حكومة وحدة لإقرار إجراءات التقشف الجديدة. وقد أعلن في وقت لاحق أنه سيقوم بتعديل وزاري بدلا من ذلك، وهو ما زاد من القلق الدولي. وأمس الجمعة عين باباندريو وزير الدفاع إيفانجيلوس فينيزيلوس وزيرا للمالية في إطار تعديل وزاري. وقال محللون إنه المستبعد أن يكون باباندريو قد اعتقد أن من الممكن تشكيل حكومة وحدة، رغم أن المحافظين طالبوا لأشهر بإعادة التفاوض بشأن حزمة إنقاذ اليونان التي قدمها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد العام الماضي والتي تبلغ قيمتها 110 مليارات يورو. وقال مسؤول في البنك المركزي الأوروبي «لا أصدق أنهم يفعلون ذلك رغم كل الأموال التي قدمت». وربما يكون باباندريو أيضا قد أراد حمل النواب المترددين على التصويت لحزمة إجراءات التقشف الجديدة التي تبلغ مدتها خمس سنوات وقيمتها 28 مليار يورو، والتي اشترطها صندوق النقد والاتحاد الأوروبي لتقديم المساعدة.

وقال بنك «جيه بي مورغان» في مذكرة بحثية «الخطر الحقيقي على الحزمة التالية هو من اليونان نفسها، رئيس الوزراء يخسر التأييد داخل حزبه، وهناك صراع كبير بين الأطياف السياسية والشعب بأكمله». وأدى الارتباك إلى تعكير الأسواق العالمية، وصدم مسؤولي الاتحاد الأوروبي الذين ناشدوا النخبة السياسية اليونانية الاتحاد خلف الإصلاحات.

وقال محللون إنه يبدو وكأن اليونان تنجرف بعيدا عن حالة لاتفيا التي حصلت على مساعدة من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد في 2008 لتفادي الإفلاس.

وقد طبقت تخفيضات في الإنفاق وزيادات في الضرائب تساوي نحو 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على مدار ثلاث سنوات، بما في ذلك تخفيضات في رواتب المعلمين والعاملين في القطاع الصحي تصل إلى 50 في المائة. وأدت هذه الإجراءات إلى انكماش اقتصادي بنسبة 18 في المائة في 2009، لكن اقتصاد لاتفيا بدأ ينمو مجددا العام الماضي وعاد للاقتراض من الأسواق العالمية.

في المقابل، خفضت اليونان العجز في ميزانيتها إلى 10.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، من 15.4 في المائة في 2009، لكنها لم تصل إلى المستويات المستهدفة التي اتفقت عليها مع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد، وهو ما جعل الحكومة تتفق على الحزمة الجديدة من إجراءات التقشف التي أوقدت شرارة الاحتجاجات. وتشك الأسواق في إمكانية إنقاذ اليونان، لا سيما بعد العنف الذي وقع يوم الأربعاء. وإذا أضيفت إلى ذلك استقالة الكثير من النواب من حزب باباندريو والخلافات بين صناع السياسة في منطقة اليورو الذين يحاولون ترتيب مساعدة أخرى لليونان، فإن بعض المحللين يرون أن احتمالات التخلف عن السداد تتزايد.

وقال ديفيد لي، محلل شؤون غرب أوروبا لدى كنترول «ريسكس»: «الاحتجاجات لن تنتهي، واليونانيون لا يستطيعون الوفاء.. يبدو أننا نرى انقسامات متنامية بين صندوق النقد والاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي. أعتقد أننا نتجه حتما إلى التخلف عن السداد».