متعاملون في السلع الغذائية بالسعودية يرجعون غلاء الأسعار إلى ارتفاع أسعار النفط

وزارة التجارة تؤكد أن المستودعات مليئة بالبضائع ولا مبرر لرفع الأسعار مع قرب شهر رمضان

تذبذب أسعار المواد الغذائية في السعودية خلال الفترة الماضية نتيجة المتغيرات العالمية («الشرق الأوسط»)
TT

أجمع عدد من مستثمري تجار المواد الغذائية في السعودية على الأسباب المؤدية إلى ارتفاع أسعار بعض المنتجات الرئيسية كالسكر والزيت، معللين ذلك بارتفاع التكلفة في الأسواق العالمية، إما في سعر المنتج نفسه أو سعر مكونات المنتج، وذلك بسبب ارتفاع سعر البترول وانخفاض الدولار، إضافة إلى محدودية الرقعة الخضراء في العالم.

ويأتي ذلك الإجماع في الوقت الذي تشهد فيه السعودية تقلبا في مؤشر التضخم خلال الفترة الماضية، في الوقت الذي أكد فيه الدكتور محمد الجاسر، محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) مؤخرا، أن التضخم ناتج عن مسببات خارجية كارتفاع مختلف أسعار السلع عالميا.

سمية عبد الوهاب، إحدى المتسوقات، قالت إن أسعار المواد الغذائية أصبح مبالغ فيها، مقارنة بدخل المواطن، وأضافت: «منذ سنوات ليست ببعيدة كنت أذهب إلى (السوبر ماركت) لأجلب مقاضي المنزل وكانت تمتلئ العربة بجميع الأصناف، والفاتورة لم تتعد 500 ريال (133 دولارا)، وبعد فترة بسيطة ازدادت الأسعار، وأصبحت فاتورة عربة المقاضي تتجاوز الـ900 ريال (240 دولارا)، أما الآن فأصبحت فاتورة مقاضي الأسبوعين وليس الشهر كاملا تتعدى 1200 ريال (320 دولارا) لعائلة مكونة من 7 أشخاص».

وأكد أحمد معبر، المشرف الميداني على أعضاء هيئة الضبط للغش التجاري في وزارة التجارة وأمانة محافظة جدة، أن التجار لا يستطيعون المغالاة في وضع الأرباح على منتجاتهم بسبب الرقابة الدائمة من وزارة التجارة على المحلات التجارية، مبينا أن ارتفاع الأسعار التي يراها المستهلكون مغالاة ليست بمفتعلة، وإنما هي زيادة عالمية.

وأوضح أن الوزارة قدمت للمستهلك كل الضمانات التي تطمئنه، من خلال مؤشر الأسهم على المواد الرئيسية كالسكر والزيت والأرز الموجود في موقع وزارة التجارة، والحملات التفتيشية المستمرة على المحلات التجارية، بالإضافة إلى الرقم المجاني الذي وفرته وزارة التجارة للشكاوى، مؤكدا أن وزارة التجارة تطرق كل السبل للقضاء على غش التجار وتأمين المستهلك وحمايته.

وكشف عن جولات ميدانية مكثفة في الشهر المقبل الذي يسبق شهر رمضان، وعمل تقارير يومية بهدف تأمين المستهلك وكشف تلاعب بعض التجار، مبينا أن السلع الضرورية متوفرة لدى التجار في المستودعات بكميات كبيرة، كذلك السلع الرمضانية، مما يجعل التجار ليس لديهم أي مبرر لرفع أسعارها قرب شهر رمضان سوى الزيادة الحالية التي تم وضعها وإقرارها بناء على الزيادة العالمية.

وبين خالد باوزير، أحد أعضاء لجنة تجار المواد الغذائية والمشروبات في الغرفة التجارية، أن توتر الأوضاع السياسية في بعض المناطق، وارتفاع أسعار البترول وتذبذب أسعار الدولار، أثر بشكل كبير على ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وأعطى مثالا على ذلك بدولة إندونيسيا التي قامت برفع أسعار الكثير من المواد الغذائية بسبب اختلاف عملتها (الروبية)، بالإضافة إلى العجز الغذائي الذي عم البلاد.

وأضاف: «استيراد الأرز من الهند (الدرجة الثانية المطابق للدرجة الأولى لأن الهند تمنع توريد أرز الدرجة الأولى لخارج البلاد محتفظة به لشعبها)، الذي انخفض العرض عليه كثيرا بسبب اضطراب الأوضاع السياسية، تسبب في زيادة أسعار الأرز في الفترات الأخيرة».

وأقر باوزير بتلاعب الكثير من التجار ولم ينكره، معللا ذلك بعدم وجود الرقابة المكثفة على المواد المقلدة، وأضاف قائلا: «عدم الرقابة جعلت الكثير من التجار يمارسون الغش حتى في الأرز، وذلك بخلط (أرز بسمتي مع مزة) ويقوم بتوزيعه على السوق بسعر بسيط، مما يضر بالتاجر الذي يبيع من دون غش».

وكشف عن مقترح مقدم من وزارة التجارة لمجلس الشورى منذ مدة عام ونصف العام، الذي لم يقره مجلس الشورى حتى الآن، موضحا أن هذا القرار يتمثل في استيراد الدولة للمواد الرئيسية وتوزيعها على التجار، مثل ما فعلت قطر، مؤكدا أن هذا المقترح لو تم إقراره فسيكون دور التاجر هو تسويق البضاعة فقط، والدولة تتحمل مصاريف النقل والجمرك، ولن يكون على التاجر سوى دفع مصاريف النقل من مستودعات الدولة إلى المستودع الخاص، مؤكدا أنه لو تم تطبيق هذا القرار فسيحد من جشع الكثير من التجار، ويحد من حالات غش كبيرة.

ومن جهته يرى سيف الله شربتلي، المدير العام لشركات «الشربتلي»، إن ارتفاع المواد الغذائية ناتج عن ارتفاع الأسعار العالمية، وليس للتجار ذنب فيه، فالغلاء تتحكم فيه أسباب كثيرة منها، ارتفاع أسعار البترول وانخفاض سعر الدولار، بالإضافة إلى محدودية الرقعة الخضراء في العالم.

وأضاف شربتلي: «هناك الكثير ممن يزرعون بالوقود العضوي يقومون بزراعة آلاف الهكتارات، ومن ثم يعمدون لتحويلها إلى وقود، مما تسبب في إضافة سبب جديد لأسباب الأزمة العالمية، وإن ارتفاع هذه العناصر المكونة لصناعة وإنتاج الفواكه والمواد الغذائية تتسبب مباشرة في ارتفاع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية».

وبين أن الكثير ممن يبتهجون بارتفاع أسعار البترول لا يعلمون توابعه، قائلا: «ارتفاع البترول يؤثر مباشرة على ارتفاع أسعار كل شيء من المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية، والتجار والمستهلكين هم من يدفع هذه الزيادة».

وأوضح أن المشكلة الرئيسية تكمن في أن الطلب العالمي أكثر بكثير من العرض، فاستهلاك العالم للمواد الغذائية والاستهلاكية أكثر من إنتاجه، متوقعا استمرار هذه المشكلة لمدة لا تقل عن 25 سنة قادمة.

وأكد أن أزمة المياه هي السبب وراء عدم زراعة أصناف الغذاء داخل السعودية، متوقعا زراعة الكثير من أصناف الغذاء من الفاكهة والخضراوات، وإقامة مزارع كثيرة أمام شاطئ البحر إذا تم حل مشكلة عدم توفر المياه، أما في الوقت الراهن فوصفها بالمستحيلة.

وبين شربتلي صعوبة الحصول على بعض الأنواع من الغذاء، مشيرا إلى الموز كمثال، كاشفا ذلك بقوله: «إن جميع مستوردي الموز يأتون به من مزارع محددة في العالم كله، مثل الإكوادور، وبالطبع عندما يأتي موسم معين يزيد فيه استهلاك الموز مثل رمضان، يكون الطلب في هذا الوقت عاليا، مما يجعل الكثير من التجار، يذهبون إلى هذه المزرعة وعرض مبلغ على صاحب المزرعة أعلى من المبلغ المتفق عليه شريطة أن يوفر الكمية التي يريدها، وبالتأكيد هذه الزيادة تضاف إلى سعر بيع الموز على المستهلكين، فهناك حل من اثنين إما أن لا أوفر الموز للمستهلك وأخسر أو آتي به وأوفره للمستهلك مقابل رفع السعر وأكسب».

وكشف عن عامل جديد أضيف إلى قائمة أسباب الغلاء في السعودية، وهو نظام سعودة الوظائف، مبينا أن استبدال موظف أجنبي يتقاضى 950 ريالا (253 دولارا) بموظف سعودي يتقاضى شهريا 3 آلاف ريال (800 دولار)، سيكون حملا على صاحب العمل، وبناء على ذلك؛ سوف ترتفع أسعار كل شيء من مواد غذائية لمواد استهلاكية ارتفاعا أشار إليه بالارتفاع البسيط، إلى أن يوجد شباب سعوديون فعالون في المجتمع.

وأضاف قائلا: «إن صندوق تنمية الموارد البشرية لن يتكفل بدفع نصف الراتب إلا لمدة 6 أشهر أو سنة على الكثير، وما بعد ذلك فصاحب العمل أو التاجر هو من سيتحمله، أي ما يحملنا 3 أضعاف الراتب»، مبينا أن هذه الزيادة سوف تكون بحساب التكلفة الإجمالية التي من بينها حجم رواتب الموظفين، ومن ثم تقسيم التكلفة الإجمالية على سعر كرتون أي صنف من الفاكهة.

وتتساءل عبير الغامدي، إحدى المتسوقات في المحال التجارية، عن سبب ارتفاع الأسعار المبالغ فيه، قرب مواسم معينة مثل رمضان والحج، كما تطرح الكثير من التساؤلات عن كيفية تصرف أصحاب الدخل المحدود في مجابهة ارتفاع الأسعار وتزايدها مقابل ثبات الرواتب سنين كثيرة، ولماذا تختلف أسعار المنتجات من «سوبر ماركت» لآخر، وتزداد بقوة في البقالات الصغيرة؟

إلى ذلك، أكد عبد الكريم أبار، نائب الرئيس التنفيذي لشركة «أبار»، من المستوردين لأصناف كثيرة من المواد الغذائية من بينها زيت الذرة، أن ارتفاع التكلفة في الأسعار العالمية هو السبب وراء ارتفاع أسعار أنواع الزيوت الموجودة في المملكة، مؤكدا أن أكبر حصة من الزيوت المستخدمة والمتوفرة هي زيت الذرة، موضحا تداول الذرة في بورصة شيكاغو، فأسهمه مثل أسهم الذهب والفضة والبترول، معللا ذلك بعدة أسباب موسمية وتقلبات سوق الأسهم، والمتعارف عليه أن نهاية موسم الذرة تزيد أسعاره انتظارا للمحصول الجديد.

وأوضح تقلب أسعار الأنواع الأخرى من الزيوت كزيت دوار الشمس والصويا وزيت النخيل، مؤكدا ارتباط أسعارها بأسعار الذرة، فإذا ارتفعت أسعار زيت الذرة ارتفعت أيضا أسعار الزيوت الأخرى، ولكن بنسبة طفيفة، وبين الذرة بصفة عامة يدخل في إنتاج الوقود الحيوي، فإذا ارتفع سعر البترول فإن بعض الدول التي تنتج الذرة بكثرة مثل البرازيل أو أميركا سيزيد من الطلب على الوقود الحيوي، وبالتالي فإن الكثير من المزارعين سوف يفضلون بيع المحصول لاستخدامات الغذاء، وهذه العوامل تأثر بشكل كبير في ارتفاع أسعر المواد الغذائية، وبين أن ارتفاع سعر الذرة سوف يعمل على زيادة أسعار اللحوم والدجاج بسبب الاعتماد على الذرة في الغذاء الخاص بالماشية والدواجن.

وقال: «نحن في موسم رمضان نعمد على تخفيض أسعار الكثير من منتجاتنا مثل الكريم كراميل والجيلي والكثير من المواد الغذائية التي يدخل السكر في تكوينها، ففي شهر رمضان يزيد الطلب ويكثر العرض وتكون المنافسة بين التجار وأصحاب المحلات التجارية على أشدها، فالجميع يريد أن يكسب من زيادة الطلب في هذا الشهر».

ولم ينفِ استغلال الكثير من التجار للوضع العالمي لارتفاع الأسعار أو استغلال الموقف، مؤكدا المبالغة في رفع أسعار الكثير من المنتجات، مبينا أن الزيادة التي قامت بها شركة «أبار» في زيادة سعر زيت الذرة التي تستورده لم تتجاوز3 في المائة بسبب ارتفاع التكلفة، مؤكدا أن أكثر منتج تتذبذب أسعاره هو الدجاج بسبب تذبذب مواسمه.

ويرى أن هامش الربح البسيط التي تضعه الشركات تقف خلفه المنافسة الشديدة في السوق، فالتجار يرضون بالربح القليل مقابل بيع الكثير من المنتج، أما أكثر الاستغلال فيأتي من أصحاب المحلات التجارية (الهايبر ماركت والسوبر ماركت).

وأكد أن هامش الربح يعتمد على الصنف، قائلا: «من الممكن أن يضع المحل التجاري (الهايبر ماركت أو السوبر ماركت) هامش ربح قد يصل إلى 18 في المائة لبعض الأصناف التي حركة بيعها ضعيفة، أما الأصناف التي حركة بيعها بطيئة جدا قد يوضع لها هامش ربح يصل إلى 25 في المائة، وكل محل تجاري له سياسته، فالبعض يعتمد على هامش ربح قليل في سبيل أن حركة بيعه عاليه، والبعض لديه تكلفة عالية وصرف الملايين على محلاته واضطر إلى وضع هامش ربح عال، والمستهلك ذكي ويعي هذا الشيء، فالكثير يستطيع التمييز بين أسعار الأصناف من محل لآخر».

وتوقع عبد الكريم أبار ارتفاع أسعار اللحوم والدجاج والزيوت في الـ6 شهور المقبلة ما بين 5 إلى 10 في المائة، معللا هذه الزيادة بسبب ارتفاع الطلب فمثلا الصين في السابق لم تكن تستورد الدجاج أما الآن فلجأت إلى استيراد الدجاج مما زاد الطلب على الدجاج، وأيضا أعطى مثالا على ارتفاع سعر القمح بسبب كثرة الحرائق في روسيا التي تسببت في انخفاض المحصول، مما يؤثر على أسعار الذرة التي ستؤثر بدورها على أسعار اللحوم والدجاج والزيت.

ويرى أن المستهلك إذا لجأ إلى أنواع الزيوت الأخرى مثل زيت عباد الشمس وزيت «الكانولا» وزيت النخيل، فمن المؤكد انخفاض الطلب على زيت الذرة واللجوء إلى خفض أسعاره.