حلم امتلاك منزل يتلاشى أمام الكثيرين من شباب بريطانيا

المشتري يحتاج إلى نحو 50 ألف دولار كمقدم للقرض العقاري فقط

شقة بنتاهاوس عرضتها حديثا وكالة سوذبي البريطانية مقابل 15.9 مليون دولار
TT

أصبح امتلاك منزل، بالنسبة لعدد كبير من البالغين الشباب في بريطانيا حلما يصعب تحقيقه، حيث ينظرون إليه كهدف بعيد المنال لا يمكنهم بلوغه إلا في مراحل لاحقة من حياتهم، إذا تسنى لهم تحقيقه بالأساس. ويعتبر هذا تحولا جوهريا بالنسبة لدولة يظل فيها امتلاك منزل جانبا متأصلا في ثقافتها. ويستحوذ الملاك على نسبة منازل أكبر في بريطانيا من الولايات المتحدة أو فرنسا أو ألمانيا.

ولكن مع زيادة إجراءات التقشف التي تفرضها الحكومة، تضاءل الدخل المتاح وباتت متطلبات الحصول على قروض أكثر صعوبة، الأمر الذي يجبر المزيد والمزيد من البريطانيين على الاتجاه إلى الاستئجار بدلا من الشراء.

ويبلغ متوسط عمر من يقومون بشراء منازل لأول مرة في حياتهم الآن 31 عاما، بعد أن كان 28 عاما منذ 5 سنوات مضت، كما زاد عدد من يستأجرون منازل أيضا بشكل كبير، وهي علامات تنذر بأن الانتعاشة التي حدثت في ملكية المنازل والتي بدأت في ظل حكومة مارغريت تاتشر منذ 30 عاما بدأت تتجه اتجاها عكسيا. ويخشى بعض الاقتصاديين من أنه مع زيادة عدد الأفراد المجبرين على الانتظار حتى يتمكنوا من شراء منزل، يحتمل أن تتسع فجوة الثروة في الدولة، الأمر الذي يهدد بخطر احتمال عجز مجموعة ضخمة من الشباب الذين يدعونهم «جيل الإيجار» عن تحمل تكلفة شراء منزل مع بلوغهم سن التقاعد.

عاشت تشارلوت أشتون (30 عاما) في منازل مؤجرة منذ أن تركت منزل والديها للالتحاق بالجامعة. وقالت إنها سعيدة بمشاركة منزل مكون من 5 غرف نوم في منطقة شيفردس بوش بلندن مع 4 نساء أخريات، ولكنها كانت تدخر لدفع مقدم من أجل شراء منزل خاص بها. وقالت أشتون التي تعمل في مجال العلاقات العامة: «أؤمن بأهمية امتلاك عقار كتأمين للمستقبل أكبر قيمة من إيداع أموال في بنوك بسعر فائدة منخفض». وأضافت: «ما لم تكن تملك وظيفة تحصل منها على راتب جيد ومستعد لادخار مبلغ كبير من المال، فسيصبح من المستحيل أن تشتري منزلا خاصا من دون مساعدة والديك».

منذ نحو 4 سنوات، تعين على شخص يرغب في شراء منزل لأول مرة في حياته دفع مقدم يقدر بنسبة 41% من دخله السنوي لشراء عقار، وفقا لمجلس مقرضي الرهونات العقارية البريطاني. والآن، أصبح هذا المقدم يقدر بأكثر من 87% من قيمة الدخل السنوي، أو بنحو 26500 جنيه إسترليني (42800 دولار). وفي الوقت الذي كانت فيه البنوك على استعداد لمنح قروض رهن عقاري بقيمة تفوق قيمة المنزل قبل أزمة الائتمان، يجد المشترون الآن أنهم يجب أن يساهموا بنسبة 10% على الأقل، وعادة ما يكون أكثر من ذلك. (يقدر متوسط قيمة العربون للمشترين لأول مرة بنسبة 23%، وفقا لموقع مقارنة الأسعار Moneysupermaket).

وأظهرت دراسة أجراها بنك «هاليفاكس» البريطاني المتخصص في الرهن العقاري الشهر الماضي أنه في الوقت الذي تروق فيه لنسبة 77% من الأفراد من سن 20 إلى 45 عاما، الذين يقومون حاليا باستئجار منازل، فكرة شراء منزل، فإن أكثر من ثلثيهم يعتقدون أنهم لن يتمكنوا من تحقيق ذلك الحلم. وذكرت نسبة 5% فقط أنها تحاول الادخار لجمع قيمة المقدم المطلوب لشراء منزل. وليس من المحتمل أن يتمكن من يقومون بالادخار، مثل أشتون، التي نحت جانبا مبلغا قيمته نحو 500000 دولار، من تحمل تكلفة شراء منزل في المنطقة نفسها التي قاموا باستئجار منزل فيها. «علي أن أبحث خارج لندن عن عقار أقل تكلفة»، هكذا قالت. لذلك، فحتى الآن، ككثيرين غيرها، ما زالت في مكانها لم تبرحه.

ويتمثل أحد الأسباب وراء كون امتلاك المنازل أمرا جذابا في بريطانيا في هبوط قيمة العقارات بنسبة أقل منها في الولايات المتحدة، الأمر الذي يرجع جزئيا إلى العجز في الإسكان. وقد ارتفعت الأسعار في مدن كبرى من بينها لندن مؤخرا. ولا يزال الناس ينظرون إلى المنزل باعتباره استثمارا أفضل وأكثر أمانا من صندوق معاشات، حسبما ذكر أندرو هول، زميل بحث بمعهد أبحاث السياسة العامة. قال: «امتلاك المنازل أيضا ثقافة متأصلة. فامتلاكك منزلا هو الوسيلة الأساسية التي يمكنك من خلالها إظهار أنك حققت إنجازا مبهرا». وظهر التحول القوي إلى امتلاك المنازل في ثمانينات القرن الماضي مع السياسة التي وضعتها مارغريت تاتشر، والتي مكنت كثيرين مقيمين في مساكن حكومية مؤجرة من شراء منازلهم. وتم بيع نحو مليوني منزل، الأمر الذي حقق للحكومة ربحا يقدر بعشرات المليارات من الجنيهات. في الوقت نفسه، قلت جاذبية سوق التأجير بشكل كبير. فعلى عكس ألمانيا ودول أوروبية أخرى، باتت سوق التأجير الخاصة في بريطانيا مفككة بدرجة كبيرة، من خلال وجود عدد كبير من ملاك الأراضي والقوانين التي تحابي ملاك العقارات بشكل عام. فمعظم عمليات التأجير تكون لستة أشهر فقط، حيث نادرا ما يوافق ملاك الأراضي على التأجير لفترات أطول؛ الأمر الذي يجعل التأجير غير مأمون.

ولكن في أعقاب الأزمة المصرفية والركود الناجم عنها، باتت عمليات الشراء أكثر صعوبة. على مدار العشر سنوات الماضية، انخفضت نسبة الأفراد الذين امتلكوا منازل في بريطانيا من 70% إلى 67%. في الوقت نفسه، ارتفعت نسبة الأفراد المقيمين في منازل مؤجرة من جهات خاصة غير حكومية من 10% إلى 16% خلال الفترة نفسها، وفقا لمكتب الإحصاءات الوطنية. وقال جوناثان مور مدير موقع العقارات الإلكتروني easyroommate.co.uk: «العدد المتزايد من المشترين المرتقبين الشباب يمهد لعمليات تأجير طويلة الأجل – كإجبار لا اختيار». وتعتبر كاثرين فايف واحدة منهم. وفايف، أستاذ النظم الإكلينيكية بمؤسسة خدمة الصحة الوطنية في ديفون، تتوق لشراء مسكنها المؤجر، ولكن المبلغ الذي ادخرته البالغ 15000 جنيه إسترليني ليس كافيا. قالت: «بدأت أدخر المال منذ طلاقي في 2008، لكن الأمر ليس هينا، نظرا لأن قيمة الإيجار قد استنزفت معظم راتبي». فهي تدفع 380 جنيها إسترلينيا شهريا كقيمة إيجار لغرفة في منزل في مدينة إكستر تشترك فيها مع سيدتين أخريين.

وقد أدت زيادة الطلب إلى ارتفاع قيمة الإيجارات بنسبة 4.4% في المتوسط خلال العام الماضي، وفقا لمؤسسة «إل إس إل» للخدمات العقارية. وزادت قيمة الإيجارات في لندن بنسبة 7.8%.

ويعتبر العجز عن شراء منزل آخر صفعة على وجه الشعب البريطاني الذي يعاني بالفعل من ويلات إجراءات التقشف الصارمة وانكماش النشاط الاقتصادي في الدولة. فبهدف تقليل حجم الديون، تتجه الحكومة إلى تقليل المعاشات وخفض الإنفاق على الخدمات الاجتماعية والخدمات العامة، كما صرحت بأنها ستلغي 310000 وظيفة في القطاع العام بحلول عام 2015. وفي خضم هذه الأزمة الاقتصادية، يحذر بعض المحللين من احتمال أن تؤدي زيادة الاتجاه إلى الاستئجار لآثار عكسية على المجتمع ككل.

«ربما يؤدي هذا إلى اتساع فجوة الثروة الموجودة بالفعل بين ملاك المنازل وغير الملاك، ويواجه المستأجرون الشباب خطر العجز المالي في سن التقاعد»، هذا ما قالته أليسون بلاكويل، مدير الأبحاث بالمركز الوطني للأبحاث الاجتماعية ومؤلفة تقرير «هاليفاكس».

ربما يكون لهذا أيضا مدلول بالنسبة للترابط بين سكان الأحياء المتجاورة، على حد قولها. فالمستأجرون عادة ما يكونون أقل اندماجا في المجتمعات المحلية نظرا لأنهم مجبرون على الانتقال من مكان لمكان بشكل متكرر. فضلا عن ذلك، فربما يعاني الاقتصاد ككل نظرا لأن المستأجرين يتجهون إلى تقليل نفقاتهم لادخار قيمة الإيجار. وبالنسبة للبعض، ومن بينهم أشتون، تبدو إمكانية شراء منزل في بريطانيا شبه مستحيلة، إلى حد أنها فكرت في شراء عقار في أي دولة أخرى. قالت: «لا أستبعد فكرة شرائي منزلا في أي دولة أخرى. فهناك الكثير من الأسواق أكثر جاذبية من أسواق بريطانيا، ومنها على سبيل المثال فلوريدا».

* خدمة «نيويورك تايمز»