المصانع العراقية.. معظمها مغلق أو تحول إلى مخازن

وسط غياب الدعم الحكومي وعدم القدرة على المنافسة

TT

يقول فاضل العبودي، وهو يقف بجوار آلات مصنع البسكويت والحلويات، الذي يملكه بشرق بغداد، وقد غطاها التراب: إن أصحاب المشاريع الصناعية الصغيرة بالعراق يشعرون أنه تم التخلي عنهم.

وعلى الرغم من إعلان الحكومة عن خطط طموح لتوسيع قطاع النفط العراقي بما فيه من احتياطيات ضخمة لا يرى رجال الأعمال العراقيون مثل هذا الدعم للصناعات الصغيرة والمتوسطة المتعثرة التي تواجه صعوبات كبيرة.

وتضررت أعمال هؤلاء بسبب سنوات الفوضى والحرب والافتقار للدعم الحكومي وعدم القدرة على المنافسة في مواجهة سيل من السلع المستوردة الرخيصة، مما دفع الآلاف من العاملين بقطاع الصناعة في العراق إلى بيع أو إغلاق مصانعهم أو تحويلها إلى مخازن. وتجتمع عوامل عدة مثل نقص الكهرباء والمياه والمخاوف الأمنية في البلاد التي لا تزال حوادث إطلاق الرصاص والتفجيرات تتكرر فيها بشكل يومي، فضلا عن التعريفات الجمركية المرتفعة لتزيد الوضع تعقيدا لأصحاب مصانع كانت مصانعهم تنتج كل شيء من الأغذية إلى المنسوجات والمعادن والبلاستيك.

وذهبت أحلام العبودي في إعادة تزويد مصنعه بالمعدات أدراج الرياح وهو يائس من استئناف عمله واستعادة حصة من السوق العراقية التي تغرقها الآن الواردات الأجنبية. وقال لـ«رويترز»: «في وقت من الأوقات لم تكن المنتجات الأجنبية تضاهي منتجاتنا من حيث السعر. الآن أصبح العكس صحيحا». وفي شرق بغداد توقفت مئات المصانع الصغيرة عن العمل. وعلق الكثير منها لافتة «للبيع». ويعتقد العبودي أنه سيحتاج إلى مليون دينار عراقي «855 دولارا». على الأقل لشراء الديزل الذي يحتاجه لتشغيل آلات مصنعه وتعيين عماله من جديد. لكن حتى إذا حدث هذا فإنه لا يعتقد أنه يستطيع مضاهاة أسعار السلع المستوردة دون أن يتكبد خسائر. وقال العبودي: «الحكومة تطلب منا المنافسة مع السلع المستوردة، لكنها لا تدعمنا بالقروض ولا تحمي منتجاتنا». ما يحدث الآن هو أن هناك نحو 40 ألف مشروع صغير ومتوسط للقطاع الخاص في أنحاء البلاد، لكن 70% منها توقفت حتى قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 وأدى إلى سنوات من الاضطرابات وأعمال العنف الطائفية التي عطلت النشاط الاقتصادي.

ويقول مسؤول: إن 8 شركات أجنبية، منها شركات فرنسية ويابانية، استثمرت في قطاعات متنوعة تحت قيادة وزارة الصناعة والمعادن العراقية.

وفي أوائل عام 2010 منحت وزارة الصناعة عقدا لشركة «لافارج» الفرنسية قيمته 200 مليون دولار لإعادة تشغيل مصنع إسمنت كربلاء، في حين فازت «ماروبيني كورب» و«كاواساكي للصناعات الثقيلة»، وهما يابانيتان، بعقد عام 2009 من أجل مصنع إسمنت كبيسة في محافظة الأنبار. ونهبت الكثير من مصانع العراق البالغ عددها 240 في أعقاب الغزو الأميركي. وبعضها عفى عليه الزمن أو يقع في مناطق ما زالت غير آمنة. والقطاعات المتاحة للاستثمار في العراق تتراوح بين الإنشاءات والهندسة والبتروكيماويات والأسمدة إلى الأغذية والأدوية والمنسوجات. وكان العاملون بالصناعة في القطاع الخاص يأملون أن يحسن سقوط الرئيس صدام حسين أوضاعهم لكنهم أصيبوا بخيبة أمل.

وزاد معدل إصابة الصناعات بالشلل في عهد ما بعد صدام إلى 90%، أما المصانع المتبقية فتعمل بطاقة منخفضة تصل في بعض الأحيان إلى 10%. وقال هاشم الأطرقجي، رئيس اتحاد الصناعات العراقية، لـ«رويترز»: إن العراق كانت لديه آلات متقدمة بالمقارنة بجيرانه، وكان يغطي الطلب المحلي. لكن العقوبات الاقتصادية في عهد صدام التي أعقبتها 8 سنوات من الصراع وأعمال العنف الطائفي بالتزامن مع توجيه الموارد للجيش حرمت قطاع الصناعة الخاص بالعراق من أي ميزة تنافسية.

ويشكو الأطرقجي والعبودي من أن الحكومة لم تتبنَّ سياسة واضحة لتغيير التعريفات والرسوم على المنتجات المستوردة التي كانت مطبقة في عهد حكومة صدام لحماية الصناعة المحلية. لكن هناك بعض المؤشرات على أن البرلمان ينصت إلى شكاوى رجال الأعمال العراقيين. وقال رئيس البرلمان أسامة النجيفي، الشهر الماضي: إن المجلس سيعمل على وضع قوانين تتعامل بصرامة مع المنتجات المستوردة ذات النوعية الرديئة التي تأتي من مصادر محل شك. وشبه النجيفي السوق العراقية بمقلب القمامة لهذه المنتجات.

وفي عام 2010، أقرت الحكومة العراقية 4 قوانين لتطبيق تعريفات على الواردات وحماية المنتجات المحلية والمستهلكين وقوانين لمكافحة الاحتكار. لكن ليس في هذا عزاء كبير لرعد قاسم، الذي يعمل في صناعة الآلات، والذي يقول: إن القوانين لم يكن لها تأثير يُذكر على تنشيط الصناعة المحلية. وأضاف: «الدول المجاورة تشتري آلاتنا وتستعملها ثم ترسل لنا منتجاتها». وقال العبودي إنه وأصحاب مصانع آخرين يفكرون في مقاضاة الحكومتين الأميركية والعراقية أمام المحاكم الدولية عن الأضرار والخسائر التي تكبدوها في الأعوام الثمانية منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة ولعدم إمدادهم بأي نوع من الدعم الآن. وهم يعتزمون المطالبة بتعويض لا يقل عن 6 مليارات دولار. وأضاف العبودي: «وصلنا إلى حالة من اليأس من قيام الحكومة بأي شيء من أجلنا».