هل تنجح خطوة ضخ الـ60 مليون برميل في خفض أسعار النفط؟

حتى الآن انخفضت الأسعار بـ9 دولارات ولكن جزءا كبيرا حدث لأسباب أخرى

TT

يعد قرار وكالة الطاقة الدولية المفاجئ بإطلاق 60 مليون برميل خلال شهر يوليو (تموز) المقبل مؤشرا على القلق العميق الذي ينتاب قادة الدول الأعضاء الـ28 في الوكالة الدولية من تطورات الأوضاع السياسية في ليبيا وفشل الكبسولات العلاجية في إنعاش الاقتصادات الغربية. ولكن ما هي الأهداف وراء إطلاق جزء من المخزون الاستراتيجي وهل يؤدي هذا القرار إلى خفض أسعار النفط خلال الشهور المقبلة؟ سؤال مهم تتداوله الأسواق ومحللو الطاقة.

من حيث الأهداف، تعتبر خطوة إطلاق 60 مليون برميل خلال الشهر المقبل في المقام الأول، خطوة استباقية لفترة الصيف التي ترتفع فيها عادة أسعار المحروقات في الدول الصناعية الرئيسية مثل أوروبا وأميركا وآسيا، بسبب الحركة الجوية وحركة المواصلات الأخرى في موسم العطلات الصيفية. وقد حدث اختناق في الطلب في عام 2008 أدى إلى ارتفاع أسعار المحروقات بمعدلات كبيرة في الولايات المتحدة الأميركية. كما أن أسعار الوقود ارتفعت في أميركا إلى نحو 4 دولارات للغالون في بعض الولايات خلال الربيع الماضي. ويتخوف قادة الاقتصاد الأميركي من ارتفاع الأسعار إلى أعلى من ذلك هذا الصيف. ومعروف أن ارتفاع أسعار الوقود يقود إلى ارتفاع معدل التضخم.

وثانيا فالخطوة تشير إلى أن الدول الحليفة التي تعمل على حسم النزاع الليبي حول السلطة بين القذافي ومعارضيه، باتت قلقة من طول فترة حسم هذا النزاع وربما باتت تعتقد أن النزاع ربما يستمر لفترة تفوق العام. وبالتالي تتخوف هذه الدول من طول فترة غياب النفط الليبي الخفيف المقدر بنحو 1.6 مليون برميل يوميا عن الأسواق وأن يقود ذلك إلى اختناق في الطلب. وتعتقد وكالة الطاقة الدولية أن إطلاق هذه الكمية في الأسواق ربما يؤدي إلى تغطية النقص في الطلب الذي سببه غياب الخام الليبي وبالتالي سيقود القرار إلى خفض أسعار النفط وبالتالي خفض أسعار الوقود ومساعدة المصافي الأوروبية على مقابلة احتياجاتها في موسم الصيف. وثالثا: يؤشر القرار إلى أن الدول الصناعية باتت تعتقد أن ارتفاع أسعار الوقود أصبح عائقا أمام نجاح خطوات السياسة النقدية المرنة التي اتخذتها طوال السنوات التي تلت الأزمة المالية في عام 2008. حيث نفذت الولايات المتحدة الأميركية خطوتي تيسير كمي، ضخت بموجبهما أكثر من تريليوني دولار في الاقتصاد واحتفظت بنسبة الفائدة قريبة من الصفر «0.25%» طوال الثلاث سنوات الماضية، ولكنها رغم ذلك لم تفلح في تحريك الانتعاش حسب الأرقام التي تستهدفها. كما أن النمو في أوروبا تراجع كثيرا عن تقديرات صندوق النقد الدولي بسبب أزمة المديونية. وهنالك مخاوف عميقة أن تؤدي أسعار النفط المرتفعة إلى ارتفاع أكثر في أسعار الغذاء والسلع المصنعة وبالتالي ترفع من التضخم وتقوض بعض الإيجابيات التي تحققت من السياسات النقدية المرنة. وبالتالي تعتقد الدول الأعضاء الرئيسية في وكالة الطاقة الدولية وعلى رأسها أميركا أن إطلاق جزء من المخزون سيخفض أسعار الوقود. وستقود أسعار المحروقات الرخيصة المتوقعة بسبب هذه الخطوة إلى تحريك النمو الاقتصادي. أما العامل الرابع فهو لجم الفارق المتزايد بين الخامين الأميركي والبريطاني، حيث لوحظ في الآونة الأخيرة تزايد الفارق بين سعر خام القياس البريطاني الخفيف (برنت) وخام القياس الأميركي (غرب تكساس). وصل هذا الفارق السعري في أعلاه إلى 23 دولارا للبرميل لصالح خام برنت. وترغب وكالة الطاقة الدولية في تقليل هذا الفارق السعري بين الخامين. ومن المتوقع أن تضخ الدول الأوروبية صاحبة المخزونات الاستراتيجية الجزء الأكبر من نصيبها في الـ60 مليون برميل في منتجات مكررة. ويعود هذا الفارق السعري بدرجة رئيسية إلى زيادة الطلب النفطي على نوعية الخامات الخفيفة من نوعية خام برنت في أوروبا التي صممت معظم مصافيها على استهلاك النفط الليبي الخفيف الحلو، أي توجد نسبة كبريت ضئيلة في مكوناته.

ولكن هل ستنجح الخطوة في تحقيق هدف خفض الأسعار وبالتالي خفض معدل التضخم وتحريك نمو الاقتصادات الغربية؟

من المهم الإشارة إلى أن معادلة العرض والطلب في السوق النفطي هي التي تحدد الأسعار. وتعتمد هذه في الأساس على النمو الاقتصادي في الدول المستهلكة الرئيسية وليس على الكبسولات الطارئة. فالطلب يعتمد على النمو في دول الاستهلاك الرئيسية والعرض يعتمد على دول الإنتاج الرئيسية. وبالتالي فإن السعر المعقول للنفط هو الذي يحقق النمو الاقتصادي المتوازن في العالم. وهذا هو السبب وراء إصرار السعودية ودول الخليج على زيادة المعروض النفطي واستهداف أسعار معقولة تلبي مصلحة النمو الاقتصادي العالمي وتلبي مصلحة الدول المنتجة على المدى الطويل. وتلتقي في هذا الهدف مع وكالة الطاقة الدولية والدول الرئيسية المستهلكة للنفط، حيث إن ارتفاع الأسعار إلى مستويات عالية يقود إلى تقويض النمو العالمي وبالتالي تقلل الطلب النفطي على المديين المتوسط والطويل وتؤدي مباشرة إلى انخفاض الأسعار إلى مستويات دنيا. ومعروف أن التذبذب الحاد في سلعة مثل النفط تؤثر على تخطيط الاقتصادات سواء في الدول المنتجة والمصدرة أو الدول المستهلكة. وبالتالي فالأسعار المرتفعة جدا للنفط ليست في مصلحة المنتجين كما أنها ليست في مصلحة المستهلكين.

وبالتالي فالخطوة التي أعلنت عنها وكالة الطاقة الدولية بإطلاق 60 مليون برميل أو نحو مليوني برميل يوميا خلال الشهر المقبل، ربما تكون مفيدة على مدى شهر أو أقل من ذلك، لماذا، أولا لأن كمية 60 برميلا هي عبارة عن تغطية صادرات النفط الليبي (1.6 مليون برميل يوميا) لمدة لا تفوق 41 يوما، وهذه تغطية مؤقتة ربما ترفع شهية المضاربين خلال شهر يوليو (تموز) للمضاربة على عقود الشهور المقبلة، لأنهم يعلمون أن دول وكالة الطاقة الدولية ليست لديها المخزونات الكافية لتلبية النقص في حاجة الأسواق لمدة طويلة. وبالتالي فالأسواق تركز عيونها على دول الإنتاج الكبرى صاحبة القرارات المؤثرة على المدى المتوسط والطويل على الأسعار.

وفي هذا الصدد يلاحظ أن الاحتياطي الاستراتيجي الأميركي من النفط يقف لدى أعلى مستوياته تاريخيا، حيث يبلغ حاليا 727 مليون برميل، منها 293 مليون برميل من الخام الخفيف وتمثل نسبة 40% والباقي يمثل نوعيات مختلفة من الخامات الثقيلة. وهذا المخزون حتى إذا أستخدم جميعه، رغم أن هنالك استحالة في ذلك لأن الكونغرس لن يسمح بذلك، يغطي حاجة الولايات المتحدة لمدة 38 يوما فقط. فالعالم يستهلك يوميا 88 مليون برميل من النفط. وفي المقابل فإن المخزون الاستراتيجي الأوروبي يبلغ 420 برميلا والمخزون الياباني 320 مليون برميل. ويلاحظ أن المخزون الاستراتيجي العالمي بمجمله لا يفوق 1470 مليون برميل. وهو مخزون ضئيل مقارنة بحجم الاستهلاك، إذ لا يكفي استهلاك العالم لأكثر من مدة 9 أيام.

ومن الناحية الفنية فإن الولايات المتحدة التي أنشأت المخزون الاستراتيجي في أعقاب الحظر النفطي في عام 1973، استخدمته حتى الآن مرتين، المرة الأولى في حرب الخليج الأولى وفي الثانية حينما ضرب الإعصار كاترينا خطوط الإمداد وعطل وصول 38 مليون برميل من النفط إلى الولايات الأميركية. وهذه هي المرة الثالثة. وفي المرتين السابقتين انخفض سعر النفط مباشرة بعد إطلاق المخزون ولكنه عاد للارتفاع بعد أسابيع من تنفيذ القرار. فالمضاربون يعرفون أن هذه الخطوات الطارئة ليست الحل الصحيح لمسألة المعروض النفطي. ويلاحظ كذلك منذ إعلان قرار إطلاق المخزون النفطي في الأسواق انخفض سعر النفط بمقدار 5 دولارات في اليوم الأول (يوم الخميس الماضي) و4 دولارات في اليوم الثاني، يوم الجمعة أول من أمس. ويلاحظ أن الفارق بين هذه المرة والمرات السابقة أن الدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية ليست لديها طاقات إنتاجية فائضة مثلما كان في السابق، حيث إن إنتاج حقول بحر الشمال ينخفض باستمرار وهي قاربت على النضوب، وكانت تنتج في الماضي بطاقات قصوى. كما يلاحظ أن هذا الانخفاض البالغ 9 دولارات في لندن لم يحدث فقط بسبب القرار، وإنما حدث جزء كبير منه بسبب عاملين هما، مخاوف المضاربين من تفاعلات أزمة الديون وانعكاساتها على مستقبل منطقة اليورو ومراجعة توقعات النمو في الاقتصاد الأميركي، والعامل الثاني ارتفاع سعر صرف الدولار. ويعود الجزء المتبقي من أسباب الانخفاض إلى قرار استخدام المخزونات.

وبالتالي فإن هنالك احتمالات ضئيلة أن تحقق «خطوة إطلاق الـ60 مليون برميل» لوحدها الأهداف المنشودة في خفض أسعار النفط والوقود في الاقتصادات الغربية، وبالتالي خفض معدلات التضخم ومساعدة الاقتصاد العالمي على النمو ولا بد من أن تحظى الخطوة بدعم من دول الإنتاج الرئيسية. والاحتمال الوحيد في نجاح الخطوة هو، إذا ما ضعف الطلب العالمي على النفط في الربع الثالث إلى أقل من 88 مليون برميل يوميا.

من هذا المنطلق يبقى العامل الحاسم في خفض أسعار النفط هو إنتاج دول منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، خاصة الدول صاحبة الفوائض النفطية الكبرى مثل السعودية التي تملك طاقة إنتاجية فائضة مقدرة بأكثر من 3.5 مليون برميل وكل من دولة الإمارات العربية المتحدة والكويت اللتين تملكان فائضا إنتاجيا يصل إلى مليون برميل يوميا. ويلاحظ في هذا الصدد أن السعودية طورت في الآونة الأخيرة مزيجا من خامات حقولها يشبه إلى حد ما في خفته ونسبة الكبريت الخام الليبي.

وربما تأخذ المصافي الأوروبية المصممة على الخام الليبي وقتا لتعتاد عليه. وقد باعت السعودية صفقات من هذا المزيج خلال الشهور الماضية، ولكن لم يتم تسويقه حتى الآن على نطاق واسع.