فورة البناء في إسبانيا تخلف مطارات وطرقا «تتوسل» المستخدمين

فقاعة العقار انفجرت مع ظهور الأزمة المالية العالمية

شهدت إسبانيا قبل أزمة 2008 ثورة عقارية كبيرة («الشرق الأوسط»)
TT

في مارس (آذار)، افتتح مسؤولون محليون مطارا جديدا في مدينة كاستيلون، المدينة الصغيرة الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط في إسبانيا. ولا يزالون في انتظار تحديد موعد أول رحلة طيران تنطلق منه.

ولتبرير هذا الافتتاح الضخم، ذكر كارلوس فابرا، رئيس الحكومة المحلية في مدينة كاستيلون، أنها بمثابة فرصة مميزة لتحويل مطار إلى منطقة جذب سياحي، تكفل للسياح حرية دخول مهبط الطائرات وغيره من المناطق الأخرى التي عادة ما كانت غير متاحة للعامة. وفي يوم الأحد المقبل، ستستخدم هذه المنطقة كنقطة انطلاق لجزء من بطولات ركوب الدراجات الوطنية في إسبانيا، التي يشارك فيها البطل ألبرتو كونتادور الفائز ببطولة سباق فرنسا للدراجات «تور دو فرانس» 3 مرات.

وليس مطار كاستيلون، الذي بلغت تكلفة بنائه 150 مليون يورو (213 مليون دولار)، هو البناء الفخم الوحيد الذي يشكل عبئا ماليا ضخما على ميزانية الدولة، والذي يمثل علامة بارزة في مشهد البنية التحتية في إسبانيا. فقد أجبر أول مطار خاص أقيم في إسبانيا - في ثيوداد ريال بوسط إسبانيا - على الخضوع لإجراءات الإفلاس منذ عام مضى بسبب عدم وجود حركة نقل.

وفي مختلف أنحاء الدولة، يكافح القائمون على تشغيل طرق شبه خالية برسوم مرور من أجل تحقيق ربح. وتعتمد مشاريع أخرى فقط على التمويل الحكومي المستمر، وهو الأمر الذي بات مثار شك بسبب أزمة الدين السيادي في أوروبا.

وعلى مدار الـ18 شهرا الماضية، واجهت إسبانيا وابلا من الهجوم اللاذع من جانب المستثمرين بعد أن سمحت لحجم عجز ميزانيتها بالتضخم أثناء الفقاعة العقارية الطويلة، التي انفجرت في نهاية المطاف مع الأزمة المالية التي اجتاحت مختلف أرجاء العالم. وللقضاء على هذه الحالة المضطربة، طرحت الحكومة الاشتراكية التي يترأسها خوسيه لويس رودريغيز إجراءات تقشفية في العام الماضي والتي، إلى جانب عوامل أخرى، أدت إلى تقليل نسبة الإنفاق على البنية التحتية. وقد أدى هذا إلى إهمال بعض المشاريع، على الرغم من التعهدات من جانب مسؤولين سياسيين بالإبقاء عليها وتطويرها.

وعلى مدار العقدين الماضيين، أقامت إسبانيا شبكات نقل بمعدل لم تصل إليه سوى بضع دول أوروبية أخرى.

وبافتتاحها أول خط سكة حديدية عالي السرعة يربط بين مدريد وإشبيلية في 1992، تفوقت إسبانيا على فرنسا في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حيث إن الدولة تشغل أكبر شبكة سكة حديدية عالية السرعة في أوروبا، التي تغطي أكثر من 2000 كيلومتر أو 1200 ميل.

وكان النمو في النقل البري والجوي في إسبانيا مشهودا أيضا. ففي الفترة ما بين 1999 و2009، أضافت إسبانيا طرقا سريعة تغطي مسافة تربو على 5000 كيلومتر، وهو أكبر جهد في مجال إنشاء الطرق في أوروبا. وتتعامل مطاراتها الدولية البالغ عددها 43 مطارا مع عدد أكبر من المسافرين عبر الحدود عن أي دولة أخرى في أوروبا.

وقد كان هذا التوسع بمثابة مصدر لزيادة شعورها بالفخر والاعتزاز الوطني. كما حقق أيضا مكاسب اقتصادية ضخمة لبعض المناطق التي كانت منعزلة وتعيش فقرا مدقعا في ما مضى.

غير أنه مثلما هو الحال بالنسبة لمطار كاستيلون، لم تكن كل المشاريع قد تمت دراستها بشكل جيد. ويرى بعض الخبراء أن أسلوب إسبانيا في التطوير أثناء سنوات الازدهار اعتمد على إعطاء الأولوية لعامل السرعة على حساب تقييم المخاطر.

ويرى جوزيف سانتو، مدير الخدمات اللوجيستية والنقل في فرع شركة الاستشارات «بوز آند كومباني» في إيبيريا، أنه كانت هناك فوارق بين إسبانيا وبريطانيا، على سبيل المثال، في ما يتعلق بتكوين علاقات شراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال النقل.

يقول سانتو: «في المملكة المتحدة، يحاولون الاتفاق على كل شيء مبكرا والتفكير في كل الاحتمالات، وبالتالي، ربما يستغرق الأمر سنوات من أجل التفاوض لإتمام صفقة. وفي إسبانيا، يفعلون العكس. فهم يعقدون الاتفاق في 6 أشهر، وبعدها، إذا ظهر أي شيء خاطئ، بدأوا التفكير في كيفية إصلاحه».

وفي لقاءات منفصلة، أقر رؤساء بعض أكبر شركات إدارة البنية التحتية والبناء في إسبانيا بأن نسبة الإنفاق كانت قد خرجت عن نطاق السيطرة قبيل الأزمة. غير أنهم تكهنوا أيضا بأن معظم مشاريع البناء، وبخاصة في مجال النقل، ستحقق أرباحا ضخمة في النهاية.

«المشكلة هي أن مثل تلك المشاريع عادة ما تكون خداعة في وقت ما حينما تبدو كل مجريات الأمور وكأنها تسير في اتجاه تحقيق النجاح - حتى المشاريع التي ينظر إليها بشكل سيئ في بعض الأحيان - وكانت هناك بلا شك بعض المشكلات المتعلقة بالتخطيط»، هذا ما ذكره سلفادور أليماني، رئيس شركة «أبيرتيس»، شركة إدارة البنية التحتية الكائنة في برشلونة. وأضاف قائلا: «في الوقت نفسه، يجب أن تتعايش مثل هذه المشاريع مع حقائق دورة اقتصادية تحمل نقاط هبوط ونقاط صعود، كما أن هناك أمثلة عدة لطرق سريعة حول العالم تعاني من صعوبات في التطوير».

يسترجع بالدوميرو فالكونز، رئيس مجلس إدارة والمدير التنفيذي لشركة «إف سي سي» للبناء، الذكريات المريرة الخاصة بافتتاح طرق برسوم مرور في منطقة كتالونيا في سبعينات القرن الماضي، تلك الطرق التي تطلبت مؤخرا مزيدا من التوسعات لتواكب الزيادة الهائلة في حركة النقل.

وقال: «لم أر مطلقا أي بنية تحتية خاصة بالنقل لم تدر ربحا في نهاية اليوم».

وللمساعدة في جمع المبالغ المطلوبة في هذا المجال، كثفت الحكومة جهودها مؤخرا من أجل خصخصة بعض البنى التحتية المملوكة للدولة، ومن بينها أكبر مطارين في الدولة، وهما مطار باراخاس في مدريد، وإل برات في برشلونة.

وفي مايو (أيار)، صرح مسؤول شؤون النقل في وزارة الخارجية الإسبانية، إيساياس تايبواس، بأن الحكومة ستبيع امتيازات تشغيل للمطارين بنهاية العام. وقال إنييغو ميراس، المدير التنفيذي لشركة «فيروفيال» إن شركته كانت «جادة بشأن تفكيرها في المشاركة في عملية تقديم العطاءات»، مع توقع أن تكون شركة «أبيرتيس» أيضا من بين مقدمي العطاءات.

ومع انتخابات مزمع إجراؤها في مارس (آذار)، أثار موضوع الإنفاق الحكومي أيضا خلافات سياسية حادة.

واتهم خوسيه بلانكو، وزير الصناعة، حكومة يمين الوسط السابقة التي ترأسها خوسيه ماريا أزنار بـ«سوء التخطيط والإنفاق المبالغ فيه»، قائلا للبرلمان إن حكومة أزنار دفعت 4 أضعاف ما كان من المفترض أن تدفعه من أجل مصادرة الأراضي التي أنشئت بها طرق إضافية في ذلك الحين.

وقد ازدادت الأمور سوءا بدرجة بالغة إلى حد أن شركة تشغيل الطريق الذي يربط العاصمة الإسبانية بمدينة توليدو، بدأت رفع دعوى قضائية العام الماضي ضد الحكومة سعيا إلى تغييرات في شروط امتيازاتها التي من شأنها أن تسمح لها بتحصيل الرسوم لفترة أطول.

وذكر أليماني من «أبيرتيس» أن حالة طريق مدريد - توليدو لم تكن الحالة الوحيدة من نوعها. قال أليماني: «بالطبع هناك عدد محدود من المشاريع الأخرى التي تحتاج إلى إيجاد حل لتجنب حدوث أزمة».

غير أنه أعرب عن تفاؤله باحتمال أن تتم تسوية معظم النزاعات خارج إطار القضاء.

تحدث أليماني قائلا: «أعتقد أن ثمة شيئا يمكن التفاوض عليه من شأنه أن يجنبنا النزاعات القانونية التي ربما تكون عالية التكلفة ومطولة بشكل مبالغ فيه».

واقترح بلانكو في نوفمبر (تشرين الثاني) أن تقوم الحكومة بإدخال إصلاحات على نظام الطرق التي تحصل بها رسوم مرور على النحو الذي يمد يد العون لشركات تشغيل الطرق غير المربحة، بمد فترة امتيازاتها.

وتعهد بلانكو أيضا بوضع مشاريع معينة ضمن جدول أعماله، التي باتت بمثابة رهانات انتخابية مهمة بالنسبة للحكومة الاشتراكية الحاكمة في بعض مناطق إسبانيا، مثل مد شبكة السكك الحديدية عالية السرعة إلى المدن الواقعة جنوب شرقي إسبانيا وهي أليكانتي ومورسيا وقرطاجنة بحلول عام 2014، إلى جانب إضافة رابط يصل بمنطقة غاليسيا شمال غربي إسبانيا.

وأشار فالكونز من «إف سي سي» إلى أن أكبر مشكلة يحتمل أن تنشأ من أنواع أخرى من البنية التحتية غير المستغلة بشكل جيد، التي لم تحتفظ بمكانتها بمرور الزمن، فضلا عن الطرق. وقد أدت أزمة الدين والركود في عمليات البناء إلى أن تصبح إسبانيا مليئة بمبان لم يكتمل بناؤها أو متاحف أو استادات أو مكتبات عامة أو مكاتب إدارية أو مراكز تسوق مهجورة.

لكن، في ما يتعلق بالبنية التحتية الخاصة بالنقل، ربما يكون لمطار كاستيلون المهجور مستقبل، مثلما توقع فالكونز، بوصفه مدخلا إلى بعض أشهر شواطئ إسبانيا.

وقال: «لم يكلل المشروع بالنجاح حتى الآن، ولكن بات من الممكن القيام برحلة طيران من كاستيلون متجهة إلى مانشستر أو فرانكفورت».

* خدمة «نيويورك تايمز»